يشهد لبنان تحوّلاً رقميّاً قسريّاً، حيث تتسارع وتيرة تبنّي تقنيّات البيانات الضّخمة (Big Data) والخوارزميّات والذّكاء الاصطناعيّ (AI) في القطاع الخاص، وفي المشهد الاجتماعيّ-السّياسيّ، بالتّوازي مع انهيارٍ اقتصاديٍّ وبنيويٍّ غير مسبوقٍ.
يشهد لبنان تحوّلاً رقميّاً قسريّاً، حيث تتسارع وتيرة تبنّي تقنيّات البيانات الضّخمة (Big Data) والخوارزميّات والذّكاء الاصطناعيّ (AI) في القطاع الخاص، وفي المشهد الاجتماعيّ-السّياسيّ، بالتّوازي مع انهيارٍ اقتصاديٍّ وبنيويٍّ غير مسبوقٍ.
تتشكل أمامنا حقبة جديدة تتجاوز حدود الاقتصاد والسياسة لتطال النسيج العميق الذي كان إميل دوركايم يسميه الوقائع الاجتماعية. ما يحدث في زمن الذكاء الاصطناعي ليس تطورًا تقنيًا فحسب، بل تحوّل في معنى الوجود الجمعي، في طبيعة التضامن، وفي بنية الوعي الجمعي ذاته. العالم يدخل طورًا من التنظيم الذكي حيث تتبدل القواعد التي تضبط العلاقة بين الإنسان والمجتمع، بين الفرد والجماعة، بين السلطة والخيال. في هذا الأفق الجديد يصبح السؤال الجوهري: أي نوع من التضامن سيحكم العالم المقبل؟
عالم ما بعد الأحادية ليس أكثر شرّاً ولا أكثر خيراً بطبيعته؛ إنّه أكثر واقعيةً وأقلَّ تسامحاً مع الوهم. لا مكان فيه لخطابات “التفوّق الكلّي” ولا لإعلانات “الانفصال الكلّي”. يَسمحُ بالتنافس الحادّ على المعايير والتكنولوجيا والموارد، لكنه يعاقب من يخلط بين القطيعة التكتيكية والانفصال الوجودي، كما يعاقب من يصرّ على كونّيةٍ مفرطةٍ لا سندَ لها. هو عالمٌ يطلبُ من الفاعلين أن يجمعوا بين الشراسة والضبط، بين الصرامة المعيارية والمرونة التشغيلية، بين الدفاع عن الهويّة والانفتاح الذكي على التشابك.
قبل الحديث عن الذكاء الاصطناعي (AI)، من الأفضل فهم ماهيته، لأن الجمع بين هذين المعنيين، "الذكاء" و"الاصطناعي"، قد يكون مُربكًا: فالذكاء فطري لدى البشر، الذين يُبدعون كل شيء اصطناعي!
لم تعد الدولة الحديثة تقف على أعمدة القانون والمؤسسات، بل على خيوط رقمية غير مرئية، تمتد من خوادم في وادي السيليكون إلى أقبية وزارات الداخلية. الرقمنة، بهذا المعنى لحظة انقلاب في بنية السلطة نفسها. إنها الحدث الذي يُعرّي الدولة من جلدها القديم (البيروقراطية، السيادة، السيطرة الفيزيائية) ليكشف عن جسد جديد، هجين، خوارزمي، يتنفس بالبيانات ويرى عبر كاميرات المراقبة.
لا أعرف إذا كان ما شهدناه في ربع القرن الماضي من القرن الحادي والعشرين هو أحسنه ("وجه الصحّارة"، بالعامية اللبنانية) أم سيكون الآتي أسوأ. لكن الأكيد أنّه بغياب معجزة ما، سيفقد البشر السيطرة على الكثير من الأمور، وسيُدير أمورنا وتصرّفاتنا حواسيب عملاقة يُوجّهها حثالة من أمثال أيلون ماسك (Elon Musk).