الذكاء الاصطناعي (AI) سياسياً.. “إلى اليمين در”!

‫قبل الحديث عن الذكاء الاصطناعي (AI)، من الأفضل فهم ماهيته، لأن الجمع بين هذين المعنيين، "الذكاء" و"الاصطناعي"، قد يكون مُربكًا: فالذكاء فطري لدى البشر، الذين يُبدعون كل شيء اصطناعي!

إليكم طريقة بسيطة لشرح الذكاء الاصطناعي: يشبه الذكاء الاصطناعي أداةً تُساعد أجهزة الكمبيوتر. فهو يُساعد هذه الآلات على فهم الأمور واتخاذ القرارات. تعتمد هذه الأداة على خوارزميات تُرشدها إلى كيفية توجيه أجهزة الكمبيوتر، والأهم من ذلك، تدلها أين تجد المعلومات التي تُساعد في التوجيه المطلوب.

ببساطة: نحن في المطبخ نُحضّر طبقًا، وتقول الوصفة إننا نحتاج إلى ملح: يُخبرنا دماغنا (الذي يعرف مكان الملح) في أي خزانة نجد الملح. إذاً تصبح معرفة مكان الملح مهمة لمتابعة المهمة. لقد استرجع دماغنا المعلومات المُخزنة حول مكان وجود الملح.

ومن وجهة نظر أكثر تعقيدًا يمكننا القول إن دماغنا «تعلّم» أين موقع الملح بالملاحظة؛ ليس فطريًا بل اكتسبه بالملاحظة.

وبالتالي؛ الملاحظة والتعلم هما أساس الذكاء، والذكاء الاصطناعي يُبنى بالتعلم ودراسة العديد من الأمثلة، مثل الطفل الذي يتعلم بالقراءة أو بممارسة التمارين. كلما زادت رؤيته للمواضيع أو تعلمه، تطور ذكاؤه.

هكذا، يتعلم الذكاء الاصطناعي المُدار بواسطة الخوارزميات من خلال ملاحظة كمية متزايدة من المعلومات. لذلك، لا «يفكر» الذكاء الاصطناعي بنفسه: بل يتعلم بالمراقبة.

على سبيل المثال، إذا عرضتَ على برنامجٍ ذكاء اصطناعي ما الكثير من صور القطط، فإنه يتعلم تمييز نوع القطة. ثم، عندما تعرض عليه صورة جديدة، يمكنه معرفة ما إذا كانت قطة أم لا.

نعرف أن برنامج الـ AI مبنيٌ على خوارزميات تُدير وتُوجه “نظرتنا” للتعلم عبر البحث عن المعلومات بسرعة.

يتفوق الذكاء الاصطناعي على الدماغ البشري في قدرته على جمع وتوليف كميات كبيرة من المعلومات من مصادر مختلفة، مما يوفر الكثير من الوقت خلال مرحلة البحث التي يقوم بها البشر.

قد تمتلك الصين وروسيا ذكاءً اصطناعيًا خاصًا بهما، لكنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الجنوبية هذه تغرف باستمرار ببيانات مستمدة من كمّ هائل من البيانات والحقائق التي أُنتجت وصُنعت في الغرب

ولكن أين تكمن المشكلة التي قد يُسببها الذكاء الاصطناعي؟

إنها ليست مشكلة واحدة، بل مشاكل عديدة تتعلق بالخوارزميات التي تُغذي هذا الذكاء. رأينا كيف تتم تغذية الذكاء الاصطناعي من خلال التدريب (مثل صور القطط).

إذا درّبت هذه الخوارزميات ببيانات تحتوي على معلومات خاطئة أو قواعد متحيزة، أو على صور نمطية عن الجنس أو العرق أو الدين، أو أحكام اجتماعية أو تاريخية من منظور محدد، فإن الخوارزمية ستعيد إنتاج هذه الصور النمطية بشكل طبيعي ولكن بشكل متنامٍ وتُبرزها وتعود لتأخذها وتعيد انتاجها.

مثال: إذا استخدمت شركة الذكاء الاصطناعي للتوظيف، يُمكنها تحديد الملف الشخصي النموذجي لمن تبحث عنه في خوارزميتها من خلال «استبعاد، على سبيل المثال، السود أو العرب أو حتى النساء»، فسيتم رفض طلبات هذه الفئة تلقائيًا فلا تصل إلى الإدارة. يكون البرنامج قد «تعلم» استبعاد هذه الأنواع من الملفات الشخصية.

مثال آخر: غالبًا ما يُفاجأ أي شخص يرتاد مواقع التواصل الاجتماعي بقلة عدد الأصدقاء الذين يتابعونه، أو بالدائرة الضيقة التي تنتشر ضمنها منشوراته. مع الوقت أدرك الجميع أن الخوارزميات تُقيّد «مواضيع مُعينة» كإجراء إشرافي ولنقل أنها رقابة عبر الخوارزميات.

السؤال: من يُقرر؟ من يُحدد المواضيع التي يجب حجبها أم لا؟

تُطبّق شركات التكنولوجيا العملاقة “GAFAM” (غوغل، آبل، فيسبوك، أمازون، ومايكروسوفت) أو كانت تُطبّق ما تُسمّيه «سياسة رقابة الاعتدال» (Human moderation)؛ (gmk) ومنذ انصياعها بشكل مكشوف إلى ترامب وحراك «ماغا» (Make America Great Again)، تُصرّح هذه الشركات، التي تمتلك كل منها ذكاءً اصطناعيًا خاصًا بها، بأنها توقفت عن رقابة الاعتدال للتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة. إذاً الذكاء الاصطناعي لهذه الشركات «إلى اليمين در»! ومعها كل أنظمة الذكاء الاصطناعي (مثل ChatGPT) إذ أنها في حلقة مفرغة تتغذى من بعضها البعض.

من منظور سياسي، كان الغرب مركز العالم منذ الثورة الصناعية. ومع العولمة، أشار بعض الباحثين إلى أن هذه هي نهاية الهيمنة الغربية. ولكن أعادت الثورة الرقمية وظهور الذكاء الاصطناعي الغرب إلى مركز الهيمنة.

إنّ الحديث عن الجنوب العالمي من منظور اقتصادي أو عسكري أو من منظور سباق نحو المريخ أو القمر لن يُغيّر أسس الذكاء الاصطناعي، الذي «يتغذى» في كل لحظة مما هو موجود على شبكة الانترنت، حيث تهيمن «الدوكسا» الغربية وكتابتها للتاريخ.

قد تمتلك الصين وروسيا ذكاءً اصطناعيًا خاصًا بهما، لكنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الجنوبية هذه تغرف باستمرار ببيانات مستمدة من كمّ هائل من البيانات والحقائق التي أُنتجت وصُنعت في الغرب.

فلا تستغربوا إذا بقيت صورتنا نحن العرب أو أنتم سكان هذا الجنوب من دون إحداث تغيير في هذا الغرب، لأن الإعلام والدراسات والأبحاث في الغرب مبنية على بيانات قديمة تغذي نفسها من خلال الذكاء الاصطناعي الذي صنعته وتفلت زِمامه، ولا يمكن الإمساك بتطرفه أياً كانت النيات الحسنة لدى الباحثين وعلماء التاريخ والاجتماع.

إقرأ على موقع 180  البحرين وإسرائيل.. الأقربون أولى بالتطبيع!

ومن هنا لا عجب أن الرواية الإسرائيلية متجذرة في عقول الغرب ومن الصعب محاربتها أو إقناع الرأي العام الغربي بالحقوق الفلسطينية.

كل محاولة للبحث والتنقيب على الشبكة ستقع داخل ما سبق من «دوكسا» (doxa) أدخلها الذكاء الصناعي سابقاً… ليس هذا فقط، ولكن السؤال المطروح سيدخل في شباك الذكاء الاصطناعي، وحسب الخوارزميات السابقة سيكون السؤال حجة تزيد من التوجه المعلومات السابقة المتحيزة، والتي نوع من الحلقة المفرغة تزيد من توجه الخوارزميات وهلمجراً.

Print Friendly, PDF & Email
بسام خالد الطيّارة

كاتب لبناني وأستاذ جامعي مقيم في باريس

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  معنى أن يُثبِت إردوغان "فلسطينيته" لا.. شعبويته!