عندما وقّعت حكومة الرئيس حسّان دياب عقد التدقيق الجنائي مع شركة "Alvarez & Marsal "، في صيف العام 2021، وافقت على عدم تسليم التقرير المُصنّف "سرّيّاً" إلى أي إدارة، حتى إلى القضاء اللبناني.
عندما وقّعت حكومة الرئيس حسّان دياب عقد التدقيق الجنائي مع شركة "Alvarez & Marsal "، في صيف العام 2021، وافقت على عدم تسليم التقرير المُصنّف "سرّيّاً" إلى أي إدارة، حتى إلى القضاء اللبناني.
لا بد من النسيان، أي ممارسة التخلي، أي الخوف من الحقيقة. النسيان طاعون ديني وسياسي وأخلاقي. لبنان مدمن على التناسي، أي النسيان عن سابق تصور وتصميم. استبدال الوقائع بحشرات تثرثر كلاماً بائداً. المهم، أن نعيد هندسة الماضي، بقناعة الصمت.. الماضي الحقيقي الصحيح يُدمِّر. البناء على الجبن يقين مشترك بين الطوائف في لبنان.. أما في منظومة المقابر العربية، فلا يجوز استحضار الأموات والقتلى والمساجين والارتكابات. باختصار، نحن والعرب معنا، نريد ماضياً رمادياً. هو ماضٍ برسم لغة العميان.
عندما أرسى الرئيس رفيق الحريري، قبل ثلاثة عقود، الاتفاق الثلاثي بين الحكومة ومصرف لبنان المركزي والمصارف، كان يريد تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية وتمويل عجز الموازنة، وذلك من أجل تأمين الاستقرار النقدي المطلوب لتحقيق إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. ففوّض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بفعل "كلّ شيء" بشرط استقطاب الدولارات.. لصرفها!
للبنان تاريخ صاخب مع "شركات التدقيق"، بدليل أنّ كلاً من "Ernest &Young" و"Deloitte" احتكرتا السوق على مدى 25 عاماً. هيمنتا على التدقيق المالي للنظام المصرفي اللبناني. مرّرتا كلّ ما يتناسب والـ"سيستام" ومصالحه. صادقتا على سياسات حاكميّة مصرف لبنان المركزي. راعتا استنسابيّة المصارف. والأهم، أنهما شاركتا في طمس حقائق الوضع المالي والنقدي في لبنان.
سُئل حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة "كيف بدأت الأزمة الماليّة اللبنانيّة ومن تسبب بها"، فأجاب: "بدأت الأزمة في أواخر العام 2019، عندما تسبّبت التحركات الشعبية بإقفال قسريّ للمصارف".
بالأمس، كان لبنان على موعد مع حدث مهم وخطر جداً. ملف التحقيق مع حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، بدأ يشق طريقه الصحيح نحو القضاء، وذلك بعد طول مماطلة وتسويف من قبل بعض القُضاة المتواطئين وسلطة سياسية كابحة ومانعة لأي تقدّم أو تسهيل لهكذا خطوات.
ثمة أسلحة أشد فتكاً من الحرب العسكرية، تتمثل في الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي، وأخطرها سلاح العقوبات، بعدما تمكّنت الإدارات الأميركية المتعاقبة، من تحويل قانون أميركي داخلي الى قانون مُلزم التطبيق خارجياً.
حرب الودائع المكيافيلية لا تعدو كونها بدعاً شيطانيّة. إذا امتنع مصرف عن إعادة الودائع لأصحابها فذلك يعني إساءة أمانة. ويحقّ للمودعين تالياً اللجوء إلى القضاء لتواجد عناصر "السرقة" و"الاحتيال" وهما جرمان جزائيان. وإذا لم يتجاوب المصرف بعد ذلك، عندها يكون متعثراً ويتوجب إشهار إفلاسه.
2023 هو عام الصراع على النفوذ في مصير التحكم بالثروة الغازية في البحر اللبناني. على سطح الماء، نشهد صراعاً سياسياً حول الرئاسة الاولى، لكن تحت ماء السياسة، ثمة صراع حول من يمسك بقرار الثروة الغازية ومن يُوفّر الضمانات للشركات الدولية التي ستُنقب في البحر اللبناني.
تاريخ المصارف المحلية الحديث حافل بالمطبّات. صحيحٌ أنّ القطاع نما بعد الاستقلال، إلّا أن الثغرات القانونية والأخلاقيّة التي كانت تحكمه خلال فترة الانتداب الفرنسي بقيت كما هي.