عقوبات واشنطن بحق حسن مقلد.. أبعد من الشخص نفسه

ثمة أسلحة أشد فتكاً من الحرب العسكرية، تتمثل في الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي، وأخطرها سلاح العقوبات، بعدما تمكّنت الإدارات الأميركية المتعاقبة، من تحويل قانون أميركي داخلي الى قانون مُلزم التطبيق خارجياً.

يعترف خصوم واشنطن، أنها غلبتهم، حتى الآن، في معركة الحصار والعقوبات، بعدما عجزت عن تطويعهم بالحروب والقلاقل المتتالية، الأمر الذي وضع هؤلاء الخصوم أمام تحدِّي الصمود واستخدام عامل الوقت لتذويب التداعيات المؤلمة على المجتمعات التي تستظل بكنفهم.. من كوبا وفنزيلا جيران أميركا إلى روسيا والصين وإيران، مروراً بلبنان وسوريا وعشرات الدول في العالم.

جديد استخدامات هذا السلاح الفتّاك، لم يكن مُفاجئاً لبنانياً، لجهة ادراج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية الخبير الاقتصادي الزميل حسن مقلد ونجليه على لائحة العقوبات الاميركية، فقد جرت العادة أن تُدبّج التقارير من الداخل، لإعتبارات نفعية أو سياسية او شخصية او وجودية تتحول إلى ورقة ضغط وإبتزاز بيد الأميركيين على حساب ومصائر مواطنين وعائلات وشركات، ومن المؤسف القول إن المناخ اللبناني السائد منذ سنوات عدة وفّر أرضية خصبة تسللت عبرها العناصر الخارجية مستفيدة من واقع تحلل الدولة وانهيار اقتصادها ومجتمعها وصولاً إلى تفسخ أحد آخر أعمدتها متمثلاً بالقضاء اللبناني في ضوء ما نشهده من تجاذبات قضائية في اليومين الماضيين في جريمة إنفجار مرفأ بيروت.

التوقيت الذي جاءت على أساسه العقوبات الأميركية بحق حسن مقلد ونجليه تطرح تساؤلات مبنية على وقائع، وربما تكون هذه المرة أكبر من الحسابات الشخصية، وربما تشكل مقدمة لأحداث وتطورات أخرى، ربما لن تكون بعيدة، لذا يجدر التوقف عند النقاط الآتية:

أولاً؛ اشار بيان وزارة الخزانة الاميركية الى ان مقلد لعب دور الوسيط في المفاوضات بين مصرف لبنان المركزي وحزب الله.

ثانياً؛ ذكر بيان وزارة الخزانة الاميركية خمس مرات “المصرف المركزي اللبناني الذي أتاح لمقلد إنشاء شركة مالية، وهما في تعاون يومي”، ما يُصوّب السهام بشكل غير مباشر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

ثالثاً؛ سلط بيان وزارة الخزانة الاميركية الضوء على علاقة حسن مقلد “بصفقات تجارية مع حزب الله تشارك فيها روسيا”.

لقد إنضم حسن مقلد الى “النادي العالمي” للمدرجين على لائحة العقوبات الاميركية التي تشمل فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف ووزير دفاعه سيرغي شويغو وآلاف الشخصيات في العالم، وكل من يقف في وجه الأحادية الأميركية

تزامن هذا التطور اللافت للإنتباه مع وقائع ابرزها:

1- ابلاغ بعض الدوائر في لبنان من ان فرنسا وبدعم اميركي ستعمل على توسيع دائرة التحقيقات وستستخدم المعاهدات الدولية في حال استمرار تعطيل التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت.. ومبادرة السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا إلى توجيه رسالة تحذير إلى كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والنائب العام التمييزي غسان عويدات بوجوب إطلاق سراح المواطن الأميركي من أصل لبناني محمد زياد العوف (مسؤول الأمن والحماية في مرفأ بيروت) تحت طائلة شمولهم وقضاة آخرين ببرنامج العقوبات.

2- زيارة المحققين الأوروبيين، الذين انهوا الجولة الأولى من تحقيقاتهم، بزخم يومي في قصر العدل واستجوابهم عدداً من الأشخاص بينهم مدراء مصارف وموظفون في مصرف لبنان وتعمّد تسريب معلومات عن التوصل إلى “معطيات خطيرة” تتعلق بتهريب الأموال وتبييض الكثير منها.

3- عودة المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار “المكفوف اليدين” عن التحقيقات منذ ثلاثة عشر شهراً الى واجهة التصرف “القانوني” وتدشين العودة الجديدة بإدعاءات جديدة شملت رؤساء أجهزة امنية وقضاة وسياسيين.

4- بروز فصل جديد من فصول انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي وتوسع دائرة الاضرابات في القطاعات الرسمية وبعض القطاعات الخاصة، والانهيار الاقتصادي المتسارع وبدء التحركات ” الشعبية” المتفرقة في بيروت والعديد من المناطق اللبنانية.

يصبح السؤال: لماذا التصويب على شخص حسن مقلد في العقوبات الأميركية الاخيرة؟

لقد إنضم حسن مقلد الى “النادي العالمي” للمدرجين على لائحة العقوبات الاميركية التي تشمل فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف ووزير دفاعه سيرغي شويغو وآلاف الشخصيات في العالم، وكل من يقف في وجه الأحادية الأميركية. بذلك، يتحول كل لبناني يُغرّد خارج السرب والخطوط الحمراء المرسومة أميركياً، إلى هدف للولايات المتحدة وشركائها المحليين، والأخطر هو استخدام كل الوسائل في عملية التطويق والاخضاع، اذ لا محرمات حتى لو بلغ الأمر حد ما يُسمى “الإرتطام الكبير”.

وما نشهده حالياً من انهيار للقضاء اللبناني وتدويل قطاعاته عبر عقوبات وتحقيقات وغيرها، ما هو الا جرس إنذار للآتي وأخطره أن تجري محاولة تعطيل المؤسسات والاجهزة الامنية اللبنانية، مع بدء التصويب مجدداً عليها، بعدما تم الاجهاز كلياً على الاقتصاد والنقد والقضاء، ناهيك بتعطيل شرايين الدولة السياسية.

لذا، لا بد من التوقف ملياً عند قرار فرض العقوبات على حسن مقلد ومؤسساته الإعلامية والبيئية، وهو قرار لم يقتصر على شخصه بل طال نجليه، وفي هذا تطور لافت للإنتباه في السياسات العقابية المعتادة، اضافة الى وقف أي تعامل معه، اي تدميره عملياً وتدمير عائلته، بدليل أن غالبية الادعاءات الواردة في قرار وزارة الخزانة الأميركية، لا أساس لها من الصحة، بل مجرد أحاديث ووشايات محلية يتم التداول بها هنا وهناك، خصوصاً أن مقلد تعرض لحملة إعلامية سبقت القرار، عن قصد أو عن غير قصد، ما جعله مكشوفاً من الفريق الذي ينتمي إليه قبل إنكشافه أمام الآخرين، في حين ان هدف الولايات المتحدة هو إحاطة وتطويق كل الحركة المالية بالعملة الصعبة (الدولار) ليس في لبنان فحسب انما في العالم بأسره.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ها أنذا أعترف أمامكم.. لبنانكم لا يكفيني!
داود رمال

صحافي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  يوتوبيا حبيب فيّاض.. "التداين" المستحيل!