على أية حال لا يُمكن فصل قرار بوتين عن مجريات الحرب وعن بعض التطورات الداخلية المرتبطة بها أو تلك المرتبطة بهيكلية “النظام” في روسيا.
تعرض شويغو الحليف المقرب من بوتين، لسيل من الانتقادات عقب الفشل في الوصول إلى كييف مع انطلاق الحرب في 24 شباط/فبراير 2022، وما تلا ذلك من انسحابات وخسائر فادحة لحقت بالجيش الروسي حتى أواخر عامذاك. وما نُسبَ إلى شويغو من نجاحات في هندسة عملية ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ضاع في خضم الانتكاسات التي توالت في أوكرانيا.
ومعلوم أن قائد مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة الراحل يفغيني بريغوجين، رفع مطلباً أساسياً عندما أطلق تمرده في حزيران/يونيو من العام الماضي، وهو إقالة شويغو من منصبه بعد نزاع مرير بين الرجلين خلال الهجوم الذي شنّته المجموعة لانتزاع مدينة باخموت في منطقة دونيتسك من الجيش الأوكراني.
ما استرعى الانتباه أن إقالة شويغو، المهندس المدني الذي أسبغ عليه بوتين لقب جنرال لدى تعيينه وزيراً للدفاع عام 2012، أتت بعد أيام من بدء الجيش الروسي هجوماً واسعاً في منطقة خاركيف، وبعد أيام من توقيف نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف على خلفية تورطه في فضيحة فساد واسعة. إيفانوف كان مقرباً من شويغو، وعلى الأرجح، زادت الفضيحة في تهشيم صورة الأخير.
ونقلت “الفايننشيل تايمز” عن مصدر مقرب من بوتين أن بيلوسوف “ليس فاسداً على الإطلاق”، وأنه “سيكون مختلفاً عما لدينا الآن في وزارة الدفاع”. وأخذ المصدر على شويغو ومن هم حوله أنه “كانوا تجاريين وماديين وكان شويغو يهتم بالمظاهر ويفتخر بالظهور بالأوسمة المتعددة التي كان يحملها.. أما بيلوسوف فهو مدمن عمل. إنه من فئة التكنوقراط وصادق جداً وبوتين يعرفه جيداً”.
يعتبر بيلوسوف أن اقتصاد الحرب هو العنصر الأكبر في إحداث تحول مجتمعي أوسع نحو هيكلية عسكرية تتمتع فيها الدولة بسلطة مطلقة، وتكون المصالح الفردية فيها خاضعة لحاجاتها. ونقلت عنه وكالة “تاس” الروسية الرسمية قوله عام 2022 بوجود مفهوم جديد للتعبئة المجتمعية، “فالتعبئة الإقتصادية هي جزء من التعبئة المجتمعية”
كما يتعين التوقف ملياً عند الحيثيات التي قدّم من خلالها الكرملين قرار أكبر تغيير في المؤسسة العسكرية منذ بدء الحرب، وهي أنه “في عالم اليوم، من يكسب المعركة هو الذي يكون أكثر انفتاحاً على الابتكارات، وأكثر انفتاحاً على وضعها موضع التنفيذ في أقصى سرعة ممكنة”، وفي ذلك إشارة إلى التحديث المطلوب وكسر البيروقراطية التي تحيل أحياناً تطوير البنية العسكرية، فضلاً عن التدقيق في عملية الصرف مع زيادة الإنفاق الدفاعي.
ترافق تعيين بيلوسوف (65 عاماً) الذي يتولى منذ 2020 منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية الاقتصادية وتولى منصب المستشار الإقتصادي للرئاسة، مع قفزة في النفقات الدفاعية الروسية من 2.6 في المئة قبل الحرب إلى 7.5 في المئة بعدها.
ومن المعروف عن بيلوسوف أنه من المدافعين عن دور قوي للدولة في الإقتصاد، وترى الباحثة في مركز روسيا وأوراسيا بمعهد كارنيغي والموظفة السابقة في البنك المركزي الروسي ألكسندرا بروكوبينكو، أن تعيين بيلوسوف “يؤشر إلى أن النفقات الدفاعية لن تتقلص.. وبيلوسوف يؤمن بضرورة تفوق الحكومة في المجال الاقتصادي، أي أن الحكومة تأتي في المقام الأول ومن ثم الاقتصاد”.
ويعتبر بيلوسوف أن اقتصاد الحرب هو العنصر الأكبر في إحداث تحول مجتمعي أوسع نحو هيكلية عسكرية تتمتع فيها الدولة بسلطة مطلقة، وتكون المصالح الفردية فيها خاضعة لحاجاتها. ونقلت عنه وكالة “تاس” الروسية الرسمية قوله عام 2022 بوجود مفهوم جديد للتعبئة المجتمعية، “فالتعبئة الإقتصادية هي جزء من التعبئة المجتمعية”.
وتنقل صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن الزميل في مجلس العلاقات الخارجية توماس غراهام الذي عمل مستشاراً لشؤون روسيا لدى الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، أن “هناك قضية فساد (اليوم) يجب التعامل معها، والمجيء بشخص غير مرتبط بالجيش، ربما كان مؤشراً إلى ما يريده بوتين بالضبط”.
ويقول مارك غاليوتي مدير شركة “ماياك” للاستشارات الاستخباراتية التي تتخذ لندن مقراً لها، إن “وجود خبير اقتصادي، شخص يتحدث عن الحاجة إلى إخضاع جزء كبير من الاقتصاد بشكل أساسي لاحتياجات قطاع الدفاع، أمر منطقي إلى حد ما”.
أما الخبير في التكنولوجيا العسكرية الروسية صموئيل بينيديت، فيقول لصحيفة “تايمز” البريطانية، إن بيلوسوف “مروجٌ كبيرٌ لصناعة المُسيّرات المحلية، فضلاً عن أبحاث في التكنولوجيا العالية الدقة”. فهل يتلاقى هذا التعيين مع حاجة روسيا إلى تطوير تقنياتها للتصدي للتفوق الأوكراني في مجال المُسيّرات التي تُلحق أضراراً فادحة بمصافي النفط الروسية؟
على أن إقالة شويغو واكبها حفظ ماء الوجه لحليف مقرب من بوتين، مع تعيينه سكرتيراً لمجلس الأمن القومي بدلاً من نيكولا باتروشيف الذي يُنتظر تعيينه في منصب آخر. وهذا ما يبقي شويغو، رفيق بوتين في رحلات الصيد إلى سيبيريا، داخل الحلقة القريبة من دوائر الكرملين.
بعد إقالة شويغو، أثيرت تساؤلات عن مصير رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، وهل ستطاله التغييرات لاحقاً، برغم أن الكرملين قال إن الرجل، الذي نالته انتقادات لا تقل عن تلك التي طاولت شويغو، باقٍ في منصبه في الوقت الحاضر.