سعد الحريري سيّد اللعبة.. الانتحارية

يلعبُ الرئيس سعد الحريري حاليا أخطر لعبة في حياته السياسية. لعبة لا يستطيع ربحها بالكامل لأن في ذلك إنقلاباً ممنوعاً على موازين القوى على مستوى المنطقة وليس فقط لبنان، ولا يُمكنه خسارتها، نظرا لاحتمال ابتعاده عن ممارسة السياسة لسنوات طويلة.

 بغض النظر عن الأسباب الشخصية والداخلية والضغوط والاغراءات الخارجية التي دفعت رئيس وزراء لبنان سعد الحريري إلى الاستقالة، فان الرجلَ يُتقنُ تماما في هذا الوقت الضائع الإمساك بخيوط كثيرة في هذه اللعبة الخطيرة. هو يعرفُ أن إبعاده او إبتعاده عن رئاسة الحكومة سيؤجج قسما كبيرا من الشارع السُنّي الذي سينظر اليه بوصفه ضحية مؤامرة. ويعرفُ أيضا ان اللحظة مناسبة للحصول على أكبر قدر ممكن من الصلاحيات وحرية الحركة في حال قرّر العودة الى رئاسة الحكومة.

هذا يفترض أن خصوم الحريري ضعفوا الى درجة ما عادت تسمح لهم بالمناورة، وأنهم في نهاية المطاف سيخضعون لمشيئته إذا أرادوا انهاء الانتفاضة التي تتحول يوما بعد آخر الى ثورة وفوضى وقد يحوّلها البعض الى مطيّة ضد المقاومة. فهل هم ضعفاء فعلا؟

الغريب أن حزب الله يبدو متفاجئا بما حصل. فبعد مشارفة الحرب السورية على نهايتها، أوحى هذا المحور بأنه أصبح سيد اللعبة بلا منازع ولسنوات مقبلة، وأوحى كذلك بأن خطوط الوصل من طهران مرورا بمعابر العراق وسوريا وصولا الى لبنان وفلسطين واليمن صارت طيّعة في يده، مقابل انسحاب أميركي حتمي من سوريا والعراق، وتغيير في موازين القوى العالمية في المنطقة لمصلحة إيران وروسيا والصين. فهل كان يتوقع ما يحصل؟

الآن بعد شهر من انتفاضة الشارع اللبناني من الجنوب الى الشمال ومن بيروت الى البقاع والجبل، لا شك أن حزب الله تمكن من إمتصاص الارتدادات الاولى للصدمة، وأدرك أن المحور الآخر بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، لم ينم ولم يغيّر شيئا من استراتيجيته. فالهدف أولا وأخيرا هو “اضعاف إيران بغية تحسين سلوك النظام فيها”، وقطع شرايين المقاومة، وإنهاك حزب الله وحلفائه بالاقتصاد والعقوبات، ثم بزعزعة البيئة الحاضنة، وتشجيع البيئة المعادية ضده.

اما يربح الحريري الرهان ويدفع كل الآخرين للتنازل لمصلحته، وفي تلك التنازلات طبعا وخصوصا، اضعاف لحزب الله، واما انتقال الحزب وحلفائه الى مرحلة الهجوم بعد الدفاع، أو الاستمرار بإدارة الازمة الى ما شاء الله

لنطرح السؤال الآتي: هل سيُسمح للحريري بأن يلعب دور البطل، وبأن يستعيد كل الدعم الخليجي والدولي، وأن يتحرك ضمن مساحة وطنية واسعة فيفرض شروطه، ويعيد حزب الله وحلفاءه الى موقع الدفاع عن النفس بدلا من الهجوم؟

من الصعب في الواقع مجرد التفكير في ذلك. فحزب الله أرسل آلاف المقاتلين الى سوريا حين شعر بأن المحور سيُضرب في حلقته السورية. لم يأبه لكل مخاطر الفتنة المذهبية التي اُججت ضده. لم يستمع الى كل الأصوات اللبنانية التي خوّنته. قاتل ثماني سنوات في أشرس المعارك وضد أخطر الجهاديين والمتطرفين والإرهابيين. ولا شك أنه ساهم جدا في قلب المعادلة لمصلحة حليفه الرئيس بشار الأسد. فهل من فعل ذلك في سوريا، سيصمت في لبنان؟

منذ الأيام الاولى للانتفاضة اللبنانية، رفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لاءاته ، وأبرزها منع اسقاط العهد بالقوة، منع اسقاط الحكومة بالقوة، ومنع قطع الطراق. ذهب موفدو الحزب الى رئاستي الجمهورية والحكومة يشدّون العصب حين راحت التظاهرات ترفع شعار “كلن يعني كلن” وتوحي بأن ثمة تنسيقا خلف هذه الشعارات والتظاهرات. لكن الصدمة جاءت من الحريري نفسه الذي استقال في لحظة غير منتظرة.

الآن نحن امام المعادلة التالية: اما يربح الحريري الرهان ويدفع كل الآخرين للتنازل لمصلحته، وفي تلك التنازلات طبعا وخصوصا، اضعاف لحزب الله، واما انتقال الحزب وحلفائه الى مرحلة الهجوم بعد الدفاع، أو الاستمرار بإدارة الازمة الى ما شاء الله.

كان يُمكن لهذه الاحتمالات الثلاثة أن تكون منطقية لو أن لبنان لا ينهار اقتصاديا. ولذلك فان الانتظار خطير على الجميع. ولذلك أيضا يستمر رئيس مجلس النواب نبيه بري باهداء “لبن العصفور” للرئيس سعد الحريري وبمحاولة التخفيف من المغالاة في مطالبه للوصول الى حل يرضي الجميع ويقنع الحراك. فعودة الحريري هي أهون الشرّين بالنسبة إلى بري وحزب الله.

أما إذا أصر الحريري على الشروط او الامتناع، فهذا يعني حتما ان حزب الله وحلفاءه سيتأكدون من أن الأمر أخطر وأعمق، وان المطلوب من الحريري خارجيا أكبر من قدرته على تحمله، وأكبر من قدرة حزب الله على السكوت عنه.

ما حصل في إيران بعد العراق، يجعل الاستمرار باظهار الضعف أمرا خطيرا، لكنه يجعل الاقدام على عمل كبير أكثر خطورة. لذلك، قد ننتظر في الايام والاسابيع المقبلة، رفعا لوتيرة الهجوم من دون الوصول الى مرحلة الصدام.. على الأقل، حتى الآن. فالمسالة لم تعد لبنانية محضة وانما صارت في جوهر صراع المحورين.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  سلطنة.. أربع روائع للمبدع المنسي إبراهيم رجب
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  حرب لبنان إنتهت.. لكن الحياة لم تبدأ بعد