تنطلق هذه الرؤية من عند حدث مفصلي هو إغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني في مطلع هذه السنة، بغارة أميركية قرب مطار بغداد، والأثر الذي تركه غيابه على مجمل المشهد العراقي والسوري واللبناني، مع إستنتاج مفاده عجز وريثه الجنرال إسماعيل قاآني عن لعب الدور القيادي نفسه. هذا الغياب ترك أثره في العراق وقدرة إيران على التعامل مع الأحداث في هذه الساحة الأكثر تعقيدا في السياسة بالنسبة لمناطق النفوذ الإيراني، كما على سوريا المشرعة على عناصر أخرى متداخلة، بينها الروسي والتركي والإيراني، فضلا عن لبنان الذي يواجه مجموعة من التحديات المتداخلة من كورونا إلى إنهيار إقتصادي يتقاطع مع خلاف حدودي بين لبنان وإسرائيل يرتبط بمكامن غازية محتملة.
واللافت للإنتباه في قراءة رون بن يشاي هو أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عاد ينشط في مناطق في العراق وسوريا، فضلا عن حضوره في سيناء ووسطها. يعرض رون بن يشاي مشهد الساحات على الشكل الآتي:
العراق: 2200 مظلي أميركي يصلون قريباً
“سُجل في العراق مؤخراً تطوران مهمان: الخبر الجيد هو أنه بعد نصف عام على سقوط الحكومة السابقة (حكومة عادل عبد المهدي)، أُقيمت حكومة مستقرة. والخبر الجيد أكثر هو أن الحكومة التي يترأسها مصطفى الكاظمي ليست خاضعة للنفوذ الإيراني. الأميركيون باركوا تعيين الكاظمي رئيساً للحكومة.
اضطر الإيرانيون إلى التظاهر بالرضا لأنه لم يكن لديهم القدرة على طرح مرشح آخر له حظوظ في مواجهته. السبب هو أن الموالين لإيران خسروا شيئاً من قوتهم في العراق نتيجة اغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس.
وريث سليماني إسماعيل قاآني لا يتمتع بهيبة سلفه. فقد اضطر إلى الحصول على تأشيرة من أجل زيارة عناصر الميليشيات. عندما وصل تسبب لهم بخيبة أمل، وبدلاً من أن يحمل معه رزماً من الدولارات كما كان يفعل سليماني، حمل معه خواتم فضية للقادة. وهذه لفتة دينية شيعية تقليدية محترمة، لكن لا يمكن الذهاب بها إلى دكان بقالة!
هذه الحادثة وانتخاب رئيس حكومة عراقية تفضله واشنطن، لا يبشران بنهاية النفوذ الإيراني في العراق. لكن الحقيقة أن قاآني لم ينجح في تشغيل وكلاء إيران في العراق وفي أماكن أُخرى بنفس الفعالية التي كانت لسلفه. كان سليماني استراتيجياً وتكتيكياً، ذا أفكار خارجة عن المألوف وقدرة كبيرة على تنفيذها وتسويقها على الأرض.
بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب الانتصار على داعش حذّروا من أن التنظيم لا يزال حياً. أيضاً الشيعة العراقيون الذين طالبوا بطرد عناصر الجيش الأميركي بعد اغتيال سليماني، يعيدون النظر في مطالبهم
التطور الاستراتيجي السلبي الأكثر أهمية الذي حدث في الأشهر الثلاثة الأخيرة كان الانبعاث الفتاك لداعش. فقد عاد التنظيم ليضرب بكثافة، مُظهراً وحشية كبيرة إزاء معارضيه في غرب العراق. عناصر التنظيم الذين انتقلوا إلى العمل السري بعد هزيمة الخلافة نهائياً على يد التحالف الأميركي العراقي الإيراني في الموصل، استغلوا الوباء للعودة إلى كامل نشاطهم، لكن ليس كدولة، بل كتنظيم يخوض حرب عصابات وإرهاب.
عودة داعش إلى العمل في العراق، وأيضاً في جنوب شرق سوريا، وفي شرقي الفرات بالقرب من الحدود مع العراق، يقلق جهات أمنية في إسرائيل. كما هو معروف، هناك فرع ناشط تابع لداعش في شمال سيناء ووسطها، لم ينجح الجيش المصري في القضاء عليه. وهناك فرع آخر في جنوب الجولان بالقرب من المثلث الحدودي بين سوريا والأردن وإسرائيل.
إذا لم تنجح القوى الأمنية العراقية في تقليص الظاهرة، من الممكن أن يظهر داعش في الأردن أيضاً، ويخصص الجيش الإسرائيلي انتباهه لهذه الظاهرة. عناصر الاستخبارات الأميركية وكبار مسؤولي البنتاغون راضون. بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب الانتصار على داعش حذّروا من أن التنظيم لا يزال حياً. أيضاً الشيعة العراقيون الذين طالبوا بطرد عناصر الجيش الأميركي بعد اغتيال سليماني، يعيدون النظر في مطالبهم.
حالياً، يوجد على الأراضي العراقية نحو 5200 جندي أميركي، وسينضم إليهم في الأسابيع المقبلة 2200 مظلي من الفرقة 82. في العراق أيضاً، ينوون انتظار الانتخابات (الرئاسية) في الولايات المتحدة لحسم الاتجاه الذي يجب أن تسير فيه المفاوضات بشأن الوجود الأميركي في العراق.
سوريا: ثقة بالنفس
في سوريا، يسيطر الجمود. الأطراف التي لها علاقة بالوضع، بمن فيها الرئيس بشار الأسد والروس والإيرانيون والأتراك والأكراد الذين يعملون مع الأميركيين، كلهم لم يحققوا أهدافهم. ولهذا الوضع عدة تداعيات.
سوريا في وضع اقتصادي ميؤوس منه، ولولا تزودها بالنفط باعتمادات من إيران، لانهار الاقتصاد السوري في المناطق التي يسيطر عليها النظام. بالإضافة إلى ذلك، تخرج تظاهرات كبيرة إلى الشوارع في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، بما فيها اللاذقية، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي.
في هذا الوقت، فرض ترامب هذا الأسبوع عقوبات شخصية على بشار الأسد وزوجته أسماء، بالإضافة إلى العقوبات التي سبق أن فرضها على الاقتصاد في سوريا. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال هذا الأسبوع إنه يخطط لجولة إضافية من العقوبات.
الروس أيضاً يتشاجرون مع الإيرانيين في سوريا بشأن اقتسام جلد الدب الذي لم يصطادوه بعد
على الرغم من هذا كله، يُظهر بشار الأسد ثقة بالنفس. بعد أن سمح له الروس باستعادة سيطرته على 70% من أراضي بلده، بدأ بتسريح الجنود النظاميين والاحتياطيين الذين خدموا في الجيش 8 سنوات وحتى 9 سنوات على التوالي. كما بدأ بمطالبة الأثرياء الجدد في سوريا بإسعاف الاقتصاد السوري. الأسد الذي يهدده الوضع الاقتصادي الآن أكثر من أي شيء آخر، فتح جبهة داخل عائلته مع ابن خاله الملياردير رامي مخلوف. فطالبه بإعادة المليارات التي سرقها من خزينة الدولة. يتحصن مخلوف في منزله في اللاذقية، وهناك من يقول إن أيامه باتت معدودة.
على المستوى السياسي، الروس لم يحققوا التسوية التي تسمح لهم بإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق أرباح من إعادة إعمار سوريا. الروس أيضاً يتشاجرون مع الإيرانيين بشأن اقتسام جلد الدب الذي لم يصطادوه بعد.
اغتيال سليماني يظهر من خلال مؤشرات في سوريا أيضاً. المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي يؤيد تقديم مساعدة عسكرية واقتصادية لنظام الأسد كي يصمد، لكنه ليس ملتزماً مثل سليماني فكرة قيام جبهة سورية منفصلة ضد إسرائيل. هو لا يريد خسارة أشخاص وصرف مال من أجل تحقيق هذا الهدف. لذلك يركز حالياً قائد “فيلق القدس” قاآني في سوريا على الدفع قدماً بمشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله وسحب عناصره والميليشيات الشيعية الموجودة بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
لبنان: الدولة مفلسة
في لبنان، فاقمت أزمة الكورونا الأزمة الاقتصادية. حالياً، الدولة اللبنانية مفلسة رسمياً: فالليرة اللبنانية خسرت الكثير من قيمتها وسعر الدولار يتراوح بين 4000 و5000 ليرة، التضخم خرج عن السيطرة والتظاهرات خرجت إلى الشوارع. وهذا الأسبوع (الماضي) وقعت تظاهرات عنيفة في بيروت وطرابلس، وفي جزء منها اشتبك متظاهرون مع عناصر من حزب الله الذي يمسك بخيوط الحكومة من وراء الكواليس.
في إسرائيل، يُتوقع أن يحاول نصرالله تحويل كل الاتهامات الموجّهة إليه وإلى تنظيمه من خلال خلق نقاط احتكاك بإسرائيل في سوريا أو البحر المتوسط، حيث يوجد خلاف بين لبنان وإسرائيل على ملكية المياه الاقتصادية التي توجد تحتها حقول الغاز. اللبنانيون وأيضاً حزب الله يأملون بخلاص أو على الأقل بمنعطف إيجابي في حال خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
المشكلة الحقيقية التي سنضطر لمواجهتها إذا حدث ضم حقيقي ليست في المدى القصير، بل الطويل: عندما ستضطر دولة إسرائيل إلى أن تقرر ماذا ستفعل بمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ستضمهم طوعاً أو رغماً عن إرادتهم
فلسطين والأردن: ما بعد الضم
في هذا الجو من الانتظار، وفي الوقت الذي قررت فيه إيران والدول الأعضاء الأُخرى في المحور الردايكالي الشيعي الانتظار، من الصعب التقدير كيف ستكون ردات فعل المنطقة إذا ضمت حكومة إسرائيل مناطق في الضفة الغربية. إذا كان الضم تدريجياً ورمزياً في البداية، ولا يغيّر من وضع البلدات والسكان الفلسطينيين، يمكن التقدير أن احتجاجات الأردن ومصر ودول الخليج ستكون دبلوماسية وكلامية فقط.
في الشارع الفلسطيني، سيحدث تصعيد، لكنه غير خطِر – أعمال شغب وتظاهرات إلى السياج الحدودي في غزة. السلطة الفلسطينية لن تنهار. لكن إذا كان الضم كبيراً، فإنه لن يؤدي فقط إلى خرق الاستقرار في المناطق الفلسطينية، بل أيضاً إلى خطوات عملية من جانب الدول العربية تعيد عملية تطبيع علاقات الدولة اليهودية مع جيرانها إلى الوراء.
الأردن ومصر، يمكن أن يسحبا سفيريهما ويعلقا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعملا ضدها في الأمم المتحدة وواشنطن والساحة الدولية إجمالاً.
من الناحية الأمنية، الجيش مستعد لرفع عدد قواته بسرعة في قطاع غزة والضفة لمواجهة سيناريوهات تصعيدية. لكن المشكلة الحقيقية التي سنضطر لمواجهتها إذا حدث ضم حقيقي ليست في المدى القصير، بل الطويل: عندما ستضطر دولة إسرائيل إلى أن تقرر ماذا ستفعل بمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ستضمهم طوعاً أو رغماً عن إرادتهم”. (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يديعوت أحرونوت).