“الإشتباك النووي” يحتدم بين إسرائيل وإيران.. ماذا بعد نطنز؟

Avatar18003/07/2020
برغم كل الحديث عن إحتمالات حرب بين إسرائيل وحزب الله أو بين إسرائيل وحركة حماس أو محاذير أي إشتباك إيراني ـ إسرائيلي على الأرض السورية، يعطي الإسرائيليون أولوية للمشروع النووي الإيراني، وهو العنوان السياسي ـ الأمني الأول الذي لا يتقدم عليه عنوان آخر.

قبل ايام قليلة، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد لقائه في تل أبيب الموفد الأميركي لشؤون إيران برايان هوك بأن إسرائيل “ستبذل كل شيء لمنع النظام الإيراني من الحصول على سلاح نووي”. يتزامن ذلك مع الحرب السيبرانية المستعرة بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، والتي صارت لها أكثر من صولة وجولة، ولكنها ظلت حتى الآن تحت سقف عدم تجاوز كلا الطرفين الخطوط الحمراء.

فجأة ومن خارج هذا السياق، تقع حوادث ثلاث في أقل من عشرة أيام:

-في 25 حزيران/يونيو، يقع انفجار هائل، بالقرب من مجمع عسكري للصواريخ في بارشين وهي منطقة جبلية وتمت مشاهدة وهجه من طهران، وقيل إنه ناتج “عن تسرب غاز في خزانات الوقود”.

-في 30 حزيران/يونيو، يقع انفجار كبير ويتسبب في اندلاع حريق في مركز طبي في طهران، ويسفر عن مقتل حوالي عشرين شخصاً (تسرب غاز أيضاً، حسب المعلومات التي تداولها الإعلام الإيراني).

-في 2 تموز/يوليو، يقع إنفجار كبير في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، على بعد حوالي 250 كيلومتراً من طهران.

يمكن القول إن الأخطر هي حادثة منشأة نطنز. فإذا كان هذا الإنفجار جزءا من الحرب السيبرانية، فهو مؤشر خطير، وهذا ما أشارت إليه ردود الفعل الإيرانية حتى الآن، وإذا كان عملية تخريبية فهو أيضاً لا يقل خطورة، لا سيما وأن هذه المنشأة هي الأكبر بين منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران.

والجدير ذكره أن منشأة نطنز هي أحد أقدم أجزاء المشروع النووي الإيراني والجزء الأخطر منها يقع تحت الأرض في المنطقة الخالية من الأبنية المحددة على الخارطة المرفقة باللون الأحمر. وهي عبارة عن عدة تجمعات تقدر مساحتها بحوالي 62000 متر2 وتحتوي على 5000 جهاز طرد مركزي مع هدف مستقبلي بأن تستوعب 50000 جهاز طرد. وقد بنيت هذه التجمعات على عمق 8 أمتار تحت سطح الأرض وبسقف اسمنتي سماكته حوالي 2.5 متر وأضيفت إليه خلال السنوات الماضية طبقات ترابية بسماكة تقدر بـ 25 متراً.

وكانت تصاعدت الهجمات السيبرانية بين إسرائيل وإيران خلال الشهرين الأخيرين منذ أن قامت إيران بهجوم على منشآت المياه الإسرائيلية إلا أن الخسائر الأكبر وقعت في الجانب الإيراني وشملت الانفجار الكبير يوم 25 حزيران/يونيو في منشأة الغاز الملاصقة لمنشأة بارشين العسكرية، وهي أحد أخطر المواقع العسكرية الإيرانية، وكذلك انفجار محطتي توليد للكهرباء على الأقل. ومن المرجح أن منشأة نطنز ستكون من الأهداف الرئيسية في أي ضربة عسكرية تهدف لتعطيل قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي.

وفيما قال المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي إنه تم تحديد أسباب الحادثة التي وقعت في منشأة نطنز النووية و لكن الإعلان عنها سيؤجل إلى وقت لاحق “لأسباب أمنية”، كان لافتاً للإنتباه تعامل الصحافة الإسرائيلية مع هذه الحادثة بطريقة مختلفة عن الحادثتين السابقتين.

وقال المحلل العسكري في قناة التلفزة الإسرائيلية 13 ألون بن دايفيد في مقالة تحليلة في “معاريف” إن هذا الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني (نطنز) “هو الأكثر حدّة منذ تسريب فيروس ستاكسنت إلى أجهزة الطرد المركزية في نطنز” (هجوم إلكتروني مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل في 2008 أسفر عن تدمير نحو ألف جهاز طرد مركزي في المنشأة نفسها).

ألون بن ديفيد: الحديث يدور حول العملية الأهم ضد البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، وهي عملية من شأنها أن تجرّ ردة فعل إيرانية

وقد سارعت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى الإقرار بأن حادثاً وقع صباح الخميس في نطنز، وذكرت أنه أدى “إلى تضرر مستودع”.

ونشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” بعد ساعات من وقوع الحادثة ما يشبع التعليق السياسي وجاء فيه إنه إذا كان هناك إشارات إلى قيام دول معادية، وخصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة، بتجاوز خطوط إيران الحمراء بأي شكل من الأشكال، “ينبغي مراجعة استراتيجيات إيران الحالية في المواجهة وزيادرة قدراتها الرادعة”.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مصدر عسكري شرق أوسطي إن الانفجار نجم عن قنبلة زُرعت في المبنى المؤلف من طبقتين. وتُظهر الصور التي نُشرت أنه تم تدمير السقف والأبواب، وأن أضراراً كبيرة لحقت بالأجهزة التي تعمل داخله. ووفقاً لعدة خبراء في الشؤون النووية في العالم، فإن هذه الحادثة “ألحقت ضرراً بالغاً بالبرنامج النووي الإيراني”.

وحسب ألون بن ديفيد (معاريف) فإن إسرائيل “تتابع عن كثب قيام إيران بتطوير أجهزة طرد مركزية متقدمة يمكن أن تنتج بواسطتها مواداً انشطارية أسرع من المواد التي تم إنتاجها حتى الآن. وخلال السنة الفائتة تراجعت إيران عن التزاماتها في الاتفاق النووي وبدأت بتخصيب يورانيوم بنسبة أعلى تصل إلى 4.5%، وبتخزين آلاف الكيلوغرامات من المادة المخصبة، خلافاً لما يسمح به الاتفاق المُبرم معها. وسعى الإيرانيون لاستعمال أجهزة الطرد المركزية المتطورة في الفترة القريبة وتسريع وتيرة التزود باليورانيوم المخصب أكثر فأكثر. ويدور الحديث حول أجهزة طرد مركزية أسرع بعشرة أضعاف من التي تعمل الآن، الأمر الذي يتيح لإيران إمكان إنتاج كميات أكبر من المواد الإنشطارية”. وختم مقالته بالقول إنه في حال وقوف إسرائيل وراء الهجوم “فإن الحديث يدور حول العملية الأهم ضد البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، وهي عملية من شأنها أن تجرّ ردة فعل إيرانية”.

بن يشاي: جهة ما مهتمة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني حاولت تمرير رسالة للقيادة في طهران، وتقضي بوقف تخصيب اليورانيوم أكثر من الكمية التي يسمح بها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى

وقال محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي إن “سلسلة الانفجارات والحرائق الغامضة في إيران، لم تكن عفوية، وعلى الأرجح، بالإمكان التقدير أن جهة ما مهتمة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني حاولت تمرير رسالة للقيادة في طهران، وتقضي بوقف تخصيب اليورانيوم أكثر من الكمية التي يسمح بها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، والتوقف عن تطوير وبناء أجهزة طرد مركزي حديثة وسريعة لتخصيب اليورانيوم، والتوقف عن تطوير وبناء صواريخ طويلة المدى وبإمكانها إطلاق سلاح نووي”.

إقرأ على موقع 180  أربع ساعات هزّت أميركا

وأضاف بن يشاي أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد كشفت منشأة نطنز، في العقد الماضي، وقالت إنها جزء من البرنامج النووي الإيراني، لكنه ادعى أن هذه المعلومات تستند إلى “مصادر أجنبية”، وهي عبارة تستخدم في وسائل الإعلام الإسرائيلية عندما لا يكون هناك اعتراف إسرائيلي بعمليات عسكرية. وأشار إلى أنه تعمل في نطنز اليوم أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بمستوى تخصيب متدنٍ، وذلك عكس ما قاله زميله ألون بن دايفيد.

وأشار بن يشاي، بالاستناد إلى “مصادر أجنبية” أيضاً، إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ألحقتا أضراراً بمنشأة نطنز بواسطة هجمة سيبرانية، قبل 12 عاما، بالتعاون بين الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) ووكالة التجسس الإلكتروني الأميركية، عندما تم زرع فيروس إلكتروني، يطلق عليه اسم “ستكينت” في حواسيب المنشأة وتسبب بتدمير قسم كبير من أجهزة الطرد المركزي.

وبعد أن ربط بن يشاي بين الحوادث الثلاثة في منشأة نطنز ومجمع بارشين والمنشأة الطبية في طهران، أشار إلى الجهات التي لديها مصلحة بتمرير رسالة إلى إيران، والتسبب خلال ذلك بتشويش كبير في جهود إيران لتطوير برنامجها النووي، وقال: “من الواضح جداً أن إسرائيل والولايات المتحدة على رأس القائمة، لكن لدول أخرى في المنطقة، مثل السعودية والإمارات اهتمامها الواضح أيضاً بتخريب هذا البرنامج”.

وأفاد محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، أنه في الأيام الأخيرة جرت اتصالات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، كما تم جمع معلومات استخبارية عن الانفجار في بارشين من مصادر مختلفة، “وتوصلت الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن الحديث يدور عن خلل تقني، مصدره أسطوانات الغاز الموجودة داخل مصنع الصواريخ”.

افينتال: “حتى لو جرى انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، لا ضمانة بأنه سيكون مستعداً لأن يستخدم القوة ضد إيران”

وقالت صحيفة “جيروزاليم بوست” إنه لا توجد إجابة واضحة حول كيفية ترابط هذه الحوادث الغامضة “لكن ما هو واضح هو أن إيران حاولت الاعتراف بهذه الأحداث وعرضها بدلا من إخفائها، في محاولة منها للتظاهر بأنها لا تخفي شيئاً، وذلك من أجل قطع الطريق على المسؤولين الأميركيين أو غيرهم في حال حاولوا الإشارة إلى هذه المواقع واستخدام الانفجارات كدليل على أن إيران تحاول الوصول لعمل شرير”.

وكان أودي أفينتال الباحث في “مركز هرتسليا المتعدد المجالات” كتب مقالة في “يديعوت أحرونوت” في شهر نيسان/أبريل الماضي قال فيه أن المشروع النووي الإيراني وتوسيعه “يشكلان تهديداً لإسرائيل لا يمكن التوقف عن معالجته. ويجب على الحكومة الجديدة أن تعطيه أولوية عليا، بالإضافة إلى محاربة الكورونا”. وأضاف “يتعين على إسرائيل أن تستيقظ من وهم أن الولايات المتحدة ستقوم بالعمل من أجلها وأن تمنع بالقوة إيران من الحصول على سلاح نووي. في سيناريو تغيّر الإدارة الأميركية، يمكن أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق (النووي) مع كل عيوبه الخطيرة، كما تعهد المرشحون الديمقراطيون للرئاسة”.

وختم افينتال “حتى لو جرى انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، لا ضمانة بأنه سيكون مستعداً لأن يستخدم القوة ضد إيران. على الرغم من تصريحاته، ننصح بتذكر نفوره من الحروب في الشرق الأوسط، الذي هو محط إجماع، ربما هو الوحيد في النظام الأميركي المنقسم. علاوة على ذلك، بينما لا تستطيع إسرائيل تحمّل إيران نووية، فإن الولايات المتحدة قادرة على التعايش مع مثل هذه الحقيقة كما قبلت تهديداً نووياً أكثر مباشرة بالنسبة إليها، هو تهديد كوريا الشمالية”. (المصادر: يديعوت أحرونوت، معاريف، جيروزاليم بوست، نيويورك تايمز، إرنا، حساب الباحث محمد صالح الفتيح على الفايسبوك).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  السعودية الخائفة من إيران.. بأية وظيفة تُغري بايدن؟