كان الإنطباع موجودا عند مجتمع الصحافة في طهران أن الخطوط الفرنسية ـ الإيرانية كانت مفتوحة على مصراعيها قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت وبعدها. ما تم تسريبه عن المحادثة السريعة التي جرت بين ماكرون ورئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، في قصر الصنوبر في بيروت، لم يكن مفاجئاً للعاصمة الإيرانية.
ومع إعلان طهران وباريس رسمياً اليوم (الأربعاء) عن الإتصال الذي جرى بين ماكرون وروحاني، يمكن القول إن ثلاثة ملفات هي الأكثر حرارة بين العاصمتين حالياً:
أولاً، الوضع اللبناني في ضوء إنفجار بيروت، وبالتالي تولي فرنسا قيادة أوسع مشاورات دولية من أجل إغاثة المنكوبين وتأمين المساعدات الإنسانية الملحة للشعب اللبناني، وفي موازاة ذلك، تشكيل حكومة لبنانية قادرة على القيام بالمهام المطلوبة منها في هذه المرحلة ولا سيما تحقيق الإصلاحات الإقتصادية والمالية المنشودة.
ثانياً، ملف الإتفاق النووي الإيراني.
ثالثا، ملف تمديد حظر السلاح على إيران.
وفيما كشف قصر الإليزيه أن ماكرون قال لروحاني إن على كل الأطراف المعنية الكف عن التدخل الخارجي في لبنان ودعم تشكيل حكومة جديدة، فُهم أن الجانب الإيراني أعلن ترحيبه بالدرو الذي تقوم به فرنسا حالياً من أجل تضميد جراح اللبنانيين وتشكيل حكومة جديدة. وأكدت طهران أن القرار يجب أن يكون لبنانياً وأن يكون دور العواصم الخارجية داعماً لما يتفق عليه اللبنانيون في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة.
وكما هو معروف، فإن طهران تتعامل دائماً مع الموقف اللبناني وفق قاعدة أساسية: ما يقبل به اللبنانيون نحن نقبل به ونحن على ثقة تامة بكل القيادات الرسمية اللبنانية ونرفض أي تدخل في شؤون لبنان الداخلية.
قررت العاصمة الإيرانية تقديم هبة هي عبارة عن كميات كبيرة من المحروقات للشعب اللبناني سواء عن طريق البواخر أو الشحن بالصهاريج عبر العراق وسوريا
بطبيعة الحال، يتبنى الإيرانيون رؤية كل من حزب الله وحركة أمل بأولوية تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان تكون قادرة على تمرير هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان. يسري ذلك أيضا على عدم حماسة إيران لمطلب حل البرلمان اللبناني وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة، فالأولوية الآن هي للقضايا الملحة في لبنان من مواجهة الإنهيار الإقتصادي والمالي وصولا إلى إغاثة المنكوبين في إنفجار بيروت وإعادة إعمار المناطق المهدمة والمتضررة، وكذلك المطلوب إيلاء إهتمام للقضايا الملحة مثل النفايات والكهرباء، وهذه أيضاً نقطة تقاطع بين فرنسا وطهران، لا سيما في ضوء ما تم تسريبه من محادثات ماكرون مع القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر في بيروت الأسبوع الماضي.
وفي هذا السياق، تعتبر طهران ان الأولوية هي لتأمين المساعدات الإنسانية للبنانيين. لذلك، قررت العاصمة الإيرانية تقديم هبة هي عبارة عن كميات كبيرة من المحروقات للشعب اللبناني سواء عن طريق البواخر أو الشحن بالصهاريج عبر العراق وسوريا.
ومثلما يفضّل الإيرانيون أن تتولى السلطات اللبنانية التحقيق في الإنفجار بمساعدة تقنية من الجهات الدولية الفاعلة، كما يحصل حالياً، فإن إيران حاذرت الرد على الكثير من الحملات التي تعرضت وتتعرض لها حالياً، وإكتفت بإصدار مواقف رسمية، ولكنها على ثقة بأن التحقيق سيفضي إلى تحديد المسؤوليات.. وهذه مسألة تخص اللبنانيين وحدهم.
في موازاة ذلك، تراقب طهران الحركة الأميركية في إتجاه لبنان بحذر شديد. وفيما رفضت مصادر إيرانية التعليق على ما يتردد في وسائل الإعلام عن مشاورات أميركية ـ إيرانية تجري بعيداً عن الأضواء في سلطنة عمان، رجحت أن تكون أية مشاورات دولية حالياً متمحورة حول قضية تمديد حظر السلاح على إيران، حيث كان لافتاً للإنتباه تراجع الأميركيين عن مشروع قرار يقضي بتمديد العمل بحظر الأسلحة المفروض دولياً على إيران والذي كان يفترض أن ينتهي في شهر تشرين الأول/اكتوبر المقبل. ويسمح المشروع بتعطيل الفقرات التي تنص على وقف هذا الحظر في القرار 2231 الذي تبنى الاتفاق النووي في تموز/يوليو 2015.
وقالت المصادر إن الرئيس روحاني أبلغ نظيره الفرنسي أن طهران لا توافق على اي حظر دولي جديد.
ومن المتوقع أن يتراجع الأميركيون حتى النص الجديد بسبب معارضة كل من روسيا والصين له في مجلس الأمن الدولي.