“تسونامي بيروت” يتردد صداه في بكين!
A Lebanese army helicopter flies over Beirut ports silo on August 5, 2020 in the aftermath of a massive explosion in the Lebanese capital. - Rescuers searched for survivors in Beirut today after a cataclysmic explosion at the port sowed devastation across entire neighbourhoods, killing more than 100 people, wounding thousands and plunging Lebanon deeper into crisis. (Photo by PATRICK BAZ / AFP) (Photo by PATRICK BAZ/AFP via Getty Images)

"تسونامي بيروت"، في الرابع من آب/أغسطس 2020، لم تقتصر تداعياته على المشهد اللبناني، بل بلغ صداه العواصم الكبرى، ولا سيما بكين. كيف؟

لم تتوقف المحاولات الأمريكية لمنع تحولات عالمية، ظهرت مؤشراتها الأولية في بدايات القرن الحالي مع استلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد السلطة في موسكو، واستمرار مؤشرات النمو الاقتصادي الصيني الأعلى في العالم، والذي لا بد أن يتحول في مرحلة ما إلى دور سياسي كبير بما ينسجم مع الدور الاقتصادي العالمي.

وبرغم فشلها عقب حرب تموز/يوليو 2006 بإنشاء شرق أوسط جديد، وعدم قدرتها على التفرد بسيطرتها على العراق، فإن ذلك لم يزد الولايات المتحدة، إلا إصراراً على تقويض كل ما يمكن أن يساعد دولتي الصين وروسيا الصاعدتين في تغيير تركيبة النظام العالمي، ما سيترك آثاراً بالغة على اقتصاد الولايات المتحدة ومكانتها الدولية.

تحول شرق البحر الأبيض المتوسط بموقعه الجيوسياسي الفريد إلى مركز للصراع الدولي والإقليمي، وخاصةً بعد الحرب السورية التي مضى عليها ما يقارب العقد من الزمن، وكذلك في ضوء التقدم الصناعي والتكنولوجي الكبير الذي أدى إلى دمج الطرق البرية والبحرية، ما أتاح الفرصة لاختصار زمن نقل البضائع بين الدول، فدفع ببكين للاهتمام بهذه المنطقة منذ عام 1998 والعمل على إيجاد مراكز للتبادل التجاري في المنطقة.

بعد احتلال العراق في العام 2003، وظهور ملامح التهديدات الأمريكية بإسقاط سوريا إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005، عدلت الصين عن خيار سوريا الذي كان يتقدم على ما عداه، فقررت أن تعرض على الحكومة اللبنانية عام 2010 اقتراحاً باستثمار مرفأ طرابلس، فكان الرفض سيد الموقف لاعتبارات داخلية لبنانية تتعلق بالدور المطلوب من طرابلس والشمال، ولاعتبارات خارجية تتعلق باستمرار التموضع ضمن البنية الاقتصادية الغربية وعدم القدرة على مقاومة السياسات الأمريكية، ما دفع بكين إلى عقد اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية لاستثمار ميناء حيفا، لا سيما في ضوء إدراك تل أبيب دور الصين المستقبلي.

من جانب آخر، كان من الواضح للولايات المتحدة أن مقومات التهديدات الروسية تعتمد بشكل أساسي على بنية اقتصادية محدودة عمادها إنتاج النفط والغاز ونقلهما إلى الأسواق الأوروبية التي تعتمد في سد احتياجاتها على الغاز الروسي بنسبة 40%، وتكمن أهمية هذه المنطقة باعتبارها ممراً ضرورياً للغاز القطري البديل عن الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الاكتشافات الغازية البحرية الضخمة في شرق المتوسط، مما يشكل تهديداً إضافياً للغاز الروسي.

غداة ما يسمى “الربيع العربي”، عجزت واشنطن عن بناء شرق إسلامي كبير يمتد من حدود الصين مروراً بدول آسيا الوسطى وصولاً إلى المغرب على المحيط الأطلسي، بسبب تحالف بكين – موسكو – طهران غير المعلن، بالرغم من سعي الأمريكيين إلى تفكيك سوريا ومحاصرتها وفرض عقوبات على أغلبية الدول التي تشكل تهديداً بالخروج عن الدائرة الاقتصادية لها، ما دفع بالولايات المتحدة إلى ممارسة سياسة الحد الأعلى من الضغوط والعقوبات والحصار، لإنهاك الساحات في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي الساحات التي تتم فيها المواجهة العسكرية غير المباشرة بين القوى الآسيوية الصاعدة وبين الغرب القلق على استمرار هيمنته، ولَم تسلم كل من الصين وروسيا من سياسة العقوبات، فدُفعتا نحو المزيد من إظهار مرادهما بنظام عالمي جديد.

أحدث الاتفاق الإستراتيجي الذي أُعلن عنه جزئياً بين بكين وطهران موجة قلق أشبه بتسونامي لدى الأمريكيين والقوى الغربية وعبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتصريحات متعددة، حيث اعتبره بمثابة إنقلاب كبير وتهديد لكامل الشرق الأوسط

شكلت إيران، وهي العنصر الأهم في المواجهة المستمرة، العقبة الأكبر أمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإعادة هيكلة العالم وفق الرؤية الأمريكية، وخاصةً أن موقعها الجيوسياسي يعتبر أساس نجاح الصين في مشروعها العملاق الذي أطلقته من كازاخستان عام 2013 بعنوان “طريق واحد.. حيّز واحد”، وهي التي تملك نفوذاً حيوياً في كل غرب آسيا ابتداءً من أفغانستان وباكستان وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، بالإضافة إلى أهميتها القصوى في المشروع الأوراسي الذي يعتبرها وتركيا أساسيتين لنجاحه فيجعلها في موقع بيضة القبان بين المشاريع الثلاثة المتصارعة، ما انعكس على لبنان الذي يشكل بشاطئه المتوسطي وثروته الغازية الكامنة فيه ومجاورته لإسرائيل ـ ما زالت تعيش القلق الوجودي بعد حرب تموز/يوليو 2006 ـ قيمة إستراتيجية لكل الأطراف، ما دفع واشنطن للعمل على تفكيك القوة الممتدة من طهران وصولاً إلى بيروت، واللجوء إلى “قانون قيصر” الذي يستهدف من الناحية الفعلية كلاً من إيران وروسيا والصين، وإخراج لبنان بمقاومته تحديداً من معادلات الصراع اعتماداً على الضغوط الاقتصادية القصوى على الشعب اللبناني بأكمله، ولكن هذا الأمر تحول إلى فرصة للقوى الآسيوية بعد إطلاق شعار التوجه شرقاً والذي تلقفته بكين بانفتاح أكبر على لبنان، وإعادة طرح إحياء القيمة المختزنة فيه بربطه بمشروعها الكبير والذي أعلنت فيه عن استعدادها لبناء سكة حديدية من شماله إلى جنوبه وفتح نفق بري من بيروت إلى رياق في البقاع وتفعيل المرافئ اللبنانية، ما سيشكل بديلاً عن  مشروع استثمار ميناء حيفا الذي لن يرى النور بفعل التهديدات الأمريكية وفقدانه للتواصل البري مع الصين بسبب إيران.

إقرأ على موقع 180  ألبير مخيبر يرفُض بشير.. ويحزَن عليه (5)

أحدث الاتفاق الإستراتيجي الذي أُعلن عنه جزئياً بين بكين وطهران موجة قلق أشبه بتسونامي لدى الأمريكيين والقوى الغربية وعبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتصريحات متعددة، حيث اعتبره بمثابة إنقلاب كبير وتهديد لكامل الشرق الأوسط، لإدراكه أن الاتفاق يجعل من الصين شريكة لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج وعمان، مما يقفز بالمشروع الصيني إلى الأمام بعد تأمين جزء كبير من الممرات البرية والبحرية التي تعتبر أساس المشروع، فكان لابد للإدارة الأمريكية من التحرك بسرعة والعودة إلى الشاطئ اللبناني الذي يشكل المنفذ البحري الوحيد أمام بكين للوصول إلى الممرات البرية بعد أن أغلقت موسكو الشاطئ السوري في وجهها بفعل اتفاقياتها مع دمشق، وأُغلق ميناء حيفا عملياً للأسباب المذكورة سابقاً، ولا يمكن أن تتم هذه العودة إلا بإحداث تسونامي معاكس من بوابة انفجار مرفأ بيروت وإعادة بنائه من جديد تحت العنوان الفرنسي وتفعيل دور طرابلس ومرفئها الذي تتصارع عليه كل من تركيا والصين وفرنسا، وهذا يقتضي من الولايات المتحدة إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع طهران ومحاولة فتح بعض المسارب كخطوة اختبارية للتفاهم معها بعيداً عن الاتفاق بينها وبين الصين، ولعل الخطوة الأولى تتمثل في عودة لبنان إلى مربع المساكنة بين الأطراف المتناقضة بـ”حكومة وحدة وطنية”، وخفض التوتر مع إسرائيل بإعادة تفعيل ملف التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية المختلف عليها، وقد يمتد الأمر لنزع كل المبررات التي تستند إليها المقاومة، بما في ذلك مزارع شبعا، وكل ذلك مقابل حرمان بكين من أي منفذ على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، واعتباره منطقة محرمة عليها، وهو ما دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليطير على وجه السرعة إلى بيروت لضبط إيقاع النزاعات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين، وتبنّي مهمة إعادة بناء مرفأ بيروت في مواجهة عروض كثيرة بينها العرض الإيراني.

من الواضح أن الجميع يحتاجون إلى هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس ريثما تتمظهر معادلات جديدة من الصراع المستمر بين المشاريع الدولية والإقليمية الكبرى.

Print Friendly, PDF & Email
أحمد الدرزي

كاتب وباحث سوري

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  سعر صرف الليرة اللبنانية ليس محسوماً.. والمفاجآت ممكنة