وبحسب التوطئة التي نشرتها كل من واشنطن بوست ونيويورك تايمز، فإن الكتاب يعتمد على 18 لقاء بين مؤلفه وترامب، الذي سرعان ما وصفه فور الإعلان عن موعد نشره قبل أيام بأنه “أخبار كاذبه” على الرغم من أنه يقوم بالأساس على أقواله وتصريحاته هو نفسه، وحتى في ما يخص التحقق من خلفياتها فإن منهجية وودورد تعتمد على أن يتم هذا من الشخص الذي يدور حوله الموضوع/الكتاب، وهو بالتالي ومع نمط الكذب المستمر لترامب فإنه يعد بناءً متماسكاً صحافياً وتوثيقياً للطرق الملتوية وغير المسؤولة التي تدار بها السياسة الأميركية من البيت الأبيض في عهد الرئيس الحالي، والذي في معظم الأحيان وخلال السنوات الأربع الماضية تعمد توظيف الكوارث والأزمات الداخلية والخارجية وفق حساباته الشخصية والدعائية.
على رأس هذه الكوارث والأزمات كان بطبيعة الحال وباء كورونا والاستجابة الكارثية لإدارة ترامب تجاهه منذ مطلع العام الجاري، وهو ما جعل الحديث عن الوباء يحتل فصلين في الكتاب؛ أحدهما عن سير قرارات وتصريحات ترامب الخاصة بإلقاء المسؤولية على الصين ومنظمة الصحة العالمية، والثاني في ما يخص طريقة تعامله مع فريق الأزمة الذي قام ترامب بتعينه وعلى رأسه الطبيب أنتوتي فاوتشي، والذي حسب المقتطفات المنشورة من الكتاب قد صرح لوودورد أن ما يهم ترامب من أزمة كورونا هو إعادة انتخابه، وأن مدى استجابته للخطورة التي يشكلها الوباء كانت “بالسالب”.
وتظهر المقتطفات المنشورة من الكتاب حتى الآن وعي ترامب منذ بداية انتشار كورونا عالمياً بمدى خطورته وفتكه، واصفاً إياه في التسجيلات التي أدلى بها لوودورد بأنه “أخطر خمس مرات من الأنفلونزا الشديدة (…) علناً أحب التقليل من خطورته حتى لا أثير الذعر”، وذلك في نفس الوقت الذي تلقى فيه فاوتشي تهديدات بالقتل من مؤيدي ترامب بسبب معاضته للأخير في التقليل من خطورة، الوباء وأيضاً بسبب بعض من قراراته التي ساهمت في تفشي الوباء في الولايات المتحدة.
يعيد كتاب وودورد احياء دور الصحافة في زمن العلاقات العامة والسرديات الدعائية والتلاعب بالرأي العام وتضليله في العالم عموماً، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص
أهمية الكتاب لا تأتي فقط من حيثية سيرة ومهنية كاتبه المخضرم، وسوابق أعماله التي كانت باكورتها سلسلة التقارير والاخبار التي نشرها مع زميله كارل برنستين حول فضيحة ووترغيت، والتي أفضت في النهاية إلى استقالة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، ولا حتى في منهجيته الصحافية الدقيقة في التحقق من خلفيات وكواليس قرارات وتصريحات الرؤساء الأميركيين وبالرجوع إليهم ومن خلالهم، وإنما تنطلق من عنصرين أساسيين، الأول هو توقيت نشر الكتاب، في فترة العد العكسي الأخير للانتخابات الأميركية؛ والثاني في أن المؤلَّف يعيد دور الصحافة في زمن العلاقات العامة والسرديات الدعائية والتلاعب بالرأي العام وتضليله في العالم وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، حيث مأسسة صناعة الكذب في البيت الأبيض، والتي لخصها تعليق كارل برنستين حول كتاب زميله بالقول “كل ما يقدمه ترامب على كافة المستويات هو الكذب (…) منهجية وودورد هنا لا تكشف أكاذيب ترامب فحسب ولكنها تبرز أنها الشيء الوحيد الذي يقوم به منذ تولي الرئاسة”.
يشرح الاقتباس السابق وباختصار أن البيت الأبيض أصبح مسرحاً لذروة اختراق وتطويع اليمين الشعبوي لبديهيات الديموقراطية التمثيلية المتعلقة بالمسؤولية والمحاسبة والشفافية وغيرها من الأسس والمبادئ التي باتت في عهد ترامب وأقرانه حول العالم مسائل جدالية تخضع لأهواء وطباع من يحوز السلطة، وهي في حالة الرئيس الأميركي الحالي عبارة عن عرض مستمر لنجم المال والميديا، الذي يعبر فقط عن كتلة من ملايين الأميركيين المنفصلين عن الواقع لحساب هذا العرض التشويقي الاستقطابي الذي يقدمه ترامب في ملفات خطرة ليس وباء كورونا -على سبيل المثال- سوى حلقه من حلقاتها، والمستعدين للقتال من أجل استمرار هذا العرض!
وعن المفارقة التي تخص مشاركة ترامب في كتاب وودورد الجديد، وتكذيب الرئيس الأميركي لما جاء فيه بعد نشره، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن اللقاءات والتسجيلات التي أدلى بها ترامب أتت باقتراح من الرئيس نفسه، الذي كان قد أعرب عن تذمره وانزعاجه قبل عامين عند نشر الكتاب الأول “الخوف” -والذي احتل صدارة الكتب الأكثر مبيعاً وقتها لعدة أشهر- من أن مؤلفه لم يشركه فيه، على الرغم من تأكيد وودورد وقتها وحالياً تجاهل ترامب لمحاولات الاتصال به، وأن الأحاديث واللقاءات التي أدلى بها ترامب للكتاب الثاني قد سيقت في إطار الحيلولة دون أن يكون “الغضب” مساوياً في أثره وتأثيره لـ”الخوف”، وهو ما حدث بالفعل بمجرد نشر مقتطفات منه واحتلاله لصدارة الكتب الالكترونية الأعلى مبيعاً على موقع “أمازون”، ما دفع ترامب إلى التغريد على “تويتر” عن الكتاب وكاتبه، واضعاً إياه في خانة “الأخبارال كاذبة”، وهي الصيغة المبتذلة التي يصف بها ترامب أي محتوى إعلامياً أو صحافياً على غير هواه.