لأن هذا القسم طويل، سنحاول أن نختصر أبرز نقاطه في هذه الحلقة الثالثة من عرضنا لهذا الكتاب المهم:
علاقتي بإسرائيل والسلام
“ان التربية الأخلاقية التي تعلمّتها من أمي كانت تُركّز على الهولوكوست (محارق اليهود)، تلك المأساة التي لا يُمكن تخيلها، والتي كما العبودية، وجدت جذورها في عدم القدرة او رفض الاعتراف بإنسانية الآخر. كانت قصة ترحيل اليهود محفورة في ذهني، كما في أذهان الكثير من الشباب الأميركي من أبناء جيلي. وفي سن الحادية عشرة او الثانية عشرة، كانت عندي رؤية مثالية لإسرائيل، وصفها أحد الناشطين في مستوطنة مخصصة للإجازات، وعاش في كيبوتز (المزارع الجماعية) حيث السكان متساوون ويعملون معا، ويرحّبون بكل من يريد تحسين العالم من خلال تقاسم الافراح والمصاعب.
في المدرسة، قرأت بنهم روايات فيليب روث، وصول بيلو ونورمان مايلر، وتأثرت بتلك الشخصيات التي سعت لإيجاد مكان لها في اميركا التي ما كانت راغبة بهم. وفي الجامعة ومن خلال دراسة انطلاقة الحركة المؤيدة للحقوق المدنية، أدهشني تأثير الفلاسفة اليهود مثل مارتن بوبر على القس كنغ (مارتن لوثر كنغ)، ولاحظت بكثير من الاعجاب ان الناخبين اليهود هم بشكل عام تقدميون أكثر من كل الجماعات الاثنية والدينية الأخرى. وفي شيكاغو، كان قسم من أصدقائي وداعميَّ من الجالية اليهودية. كنتُ مقتنعا ان ثمة رابطا عميقا يجمع بين ما عاشه اليهود والسود، ذلك ان تاريخهما قائمُ على النفي والعذاب، وهم بالتالي يتوقون الى العدالة ويعززون الروابط الجماعية.
عذاب الفلسطينيين
لكل هذه الأسباب دافعت بقوة عن حق اليهود في إقامة دولتهم، حتى ولو انه، ولسخرية القدر، ان القيم التي نتقاسمها، لم تمنعني من النظر الى الشروط التي أُجبر الفلسطينيون على العيش في ظلها في الأراضي المحتلة.
صحيح ان عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل) غالبا ما استخدم تكتيكات مقززة، وصحيح ان القادة الفلسطينيين ضيّعوا الكثير من فرص صنع السلام، ولم يوجد بينهم غاندي أو هافل (فاكلاف هافل الرئيس التشكيل السابق واحد مفجري الثورة المخملية في أوروبا الشرقية) يتمتع بالقوة الأخلاقية الضرورية للتأثير على حركة اللاعنف بغية قلب الرأي العام الإسرائيلي، لكن الصحيح أيضا ان ملايين الفلسطينيين كانوا محرومين من حقهم بالحكم الذاتي ومن حقوق كثيرة أخرى تتمتع بها شعوب حتى في الأنظمة غير الديموقراطية.
الواقع أن ثمة أجيالا بكاملها كبرت في عالم الجوع والقيود دون القدرة على الهروب منه، وعاشت حياة خاضعة لنزوات سلطة بعيدة وغالبا معادية، او لشكوك رجال مسلحين، يراقبون بوجوه باردة الهويات عند الحواجز.
كل سياسيي واشنطن عمليا – بمن فيهم أنا – يعتمدون على أعضاء “إيباك” الذين يعتبرون اهم الداعمين والممولين.. صارت “ايباك” تنادي بتقوية أواصر التحالف بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، حتى حين تتناقض تصرفات إسرائيل مع السياسة الأميركية
الخضوع الأميركي لإسرائيل
حين استلمتُ مهامي، كان كل النواب الجمهوريين في الكونغرس، قد توقفوا عن اصطناع الاهتمام بمصير الفلسطينيين. لا بل على العكس تماما، فان أغلبية مهمة من البروتستانت الانجيليين البيض، أي خزّان أصوات الجمهوريين الأكثر أهمية، صارت تعتقد ان الانشاء والتوسع المضطرد لإسرائيل انما يحققا نبوءة إبراهيم وعودة السيد المسيح. أما الديموقراطيون، حتى أولئك التقدميون بينهم، فقد كانوا يخشون الظهور بأنهم أقل دعما لإسرائيل من الجمهوريين، كما ان قسما لا بأس به منهم، كانوا يهودا، أو يمثلون مناطق فيها جالية يهودية كبيرة.
بمعنى آخر، فان أعضاء الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) كانوا يفضلون تفادي غضب لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) أي ذاك اللوبي ذو القدرة الكبيرة والذي يسهر على ان تبقى الولايات المتحدة الأميركية داعمة لإسرائيل بلا شروط. ان “إيباك” تستطيع ان تفرض تأثيرها على كل الولايات تقريبا، كما أن كل سياسيي واشنطن عمليا – بمن فيهم أنا – يعتمدون على أعضائها الذين يعتبرون اهم الداعمين والممولين.. صارت “ايباك” تنادي بتقوية أواصر التحالف بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، حتى حين تتناقض تصرفات إسرائيل مع السياسة الأميركية.
لم أنجُ من النقد في خلال حملتي الرئاسية، وكان داعميَّ من اليهود، يحاولون، في كنائسهم (سيناغوغ) وعبر البريد الالكتروني، تكذيب الادعاءات بأني لست داعما بحرارة لإسرائيل، أو أنى كنتُ معاديا لها. وذلك لأني كنت أعبر عن قلق حيال الشعب الفلسطيني، ولأنه كان لي أصدقاء من الرافضين للسياسة الإسرائيلية وبينهم خصوصا رشيد خالدي، الناشط ذو الأصل الفلسطيني والمؤرخ المتخصص بالشرق الأوسط، وكذلك لأن ثمة من انطلق من مقولة :”انت اسود، وتحمل اسما إسلاميا، وتقطن في الحي نفسه الذي سكنه لويس فرقان وتعاشر كنيسة جيرميا رايت”. مع ذلك، حصدت 70 في المئة من أصوات اليهود، لكنني بقيت بالنسبة لعدد غير قليل من أعضاء ايباك، مشبوها ولا ادعم إسرائيل بكل جوارحي.
استمرت الضغوط علي طيلة العام 2009، مترافقة مع أسئلة دائمة حول مدى دعمي لإسرائيل. كنا ندعو بشكل مستمر قادة الجمعيات اليهودية او برلمانيين لطمأنتهم على التزامنا الثابت حيال ضمان أمن إسرائيل وتحالفنا مع الولايات المتحدة. كانت الأفعال تتحدث عن نفسها برغم خلافي مع بنيامين نتنياهو حول تجميد المستوطنات. فانا وفيّت بوعودي لتعميق التعاون بيننا، وعملت على تطويق التهديد الإيراني، وساهمت بتمويل نظام الدفاع، وإقامة القبة الحديدة، التي تسمح لإسرائيل بإسقاط الصواريخ المصنّعة في سوريا والتي يتم أطلقها من غزة او من مواقع حزب الله في لبنان. مع ذلك فان الضغوط المنظمة من قبل نتنياهو استمرت، وافقدتنا الكثير من الوقت (حيال السلام) ووضعتنا في موقع الدفاع عن النفس، وذكّرتني بأن أي خلاف عادي مع رئيس وزراء إسرائيلي، حتى ولو كان على راس تحالف هش، يكلفني ثمنا سياسيا لا مثيل له في علاقاتي مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان وكندا أو أي دولة حليفة أخرى.
- حين كنت أقول لنتنياهو بضرورة تجميد المستوطنات والتوجه صوب السلام، كان يجيبني:”أؤكد لك أنى راغب بالسلام، لكن السلام الذي يستجيب فقط لحاجاتنا”.
- حين توفي عرفات، كان محمود عباس الخلف المحتمل والمفضّل من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، لأنه يعترف بإسرائيل بلا تحفظ، وتخلى منذ فترة طويلة عن العنف. لكن لم يكن لديه ما يقدمه لإسرائيل بسبب ضعفه وقوتها.
- ان القناعة بإمكانية استمرار النظام السابق الى ما لا نهاية في الشرق الأوسط، والاعتقاد بان أطفال اليأس لن ينتفضوا أبدا ضد الذين يحافظون على جمود الأوضاع، هما وهم كبير”. (الحلقة الرابعة غداً)