“الإرهاب”.. وصفة أميركية لـ”التأديب السياسي”!

صار مصطلح "الإرهاب" شمّاعة تعلق عليها الدول حساباتها ومصالحها. لا إتفاق دولياً على تعريف موحد للإرهاب. يمكن للأميركي أن يطلق طائرة "درونز" وتقتلك لأنك قد صُنّفت "إرهابياً" من دون أية محاكمة. قد يقرر الصينيون أن هذه الأقلية إرهابية. مثلهم، تقرر تركيا أن حزب العمال الكردستاني "إرهابي"، بينما يمكن أن تضع يدها بيد "داعش" أو "النصرة" وأخواتهما. إنه سوق عرض وطلب!

برغمّ أنّ العنف قديمٌ قِدَم البشرية ومتأصِّل في صفات البشر، إلاّ أن  محاولات تعريف الإرهاب، سياسياً، حديثة نسبياً، فخلال مؤتمر جنيف عام 1937 وضع تعريف ما زال مُعتمداً، إلى حد كبير، حتى يومنا هذا. الإرهاب هو “جميع الأعمال الاجرامية ضد الدولة بهدف خلق حالة من الرعب لدى اشخاص محددين او لدى عموم المجتمع”.

في العام 1967، وضع جهاز التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI) تعريفاً جديداً وهو “الاستخدام غير القانوني للقوة والعنف ضد اشخاص او ممتلكات لارغام الحكومة او الشعب على اهداف سياسية او اجتماعية”، أما الجمعية العامة للامم المتحدة، فقد ناقشت مسألة “الإرهاب الدولي” لأول مرة في أواخر عام 1972 وربطت الارهاب بعنف الجماعات الصغيرة أو الأفراد، وتجاهلت العنف الممارس من قِبَل الدول، وكان ممثلو الولايات المتحدة في الجمعية العامة يرفضون مفهوم ارهاب الدولة في كل المناقشات التي جرت في الأعوام 1985 و1987 و1989 و1991 انطلاقا من تعريف وزارة الخارجية الأميركية للارهاب بأنه “عنف مُتعمّد ضد أهداف غير مقاتلة وهو عمل ضد الدولة وضد المدنيين وليس من الدولة ضد المدنيين”. ومع مرور الزمن، دخلت العديد من الدول في “قائمة الإرهاب الأميركية” مثل كوريا الشمالية والعراق (زمن صدام حسين) وليبيا (زمن القذافي) وايران وسوريا واليمن الجنوبي والسودان وغيرها من الدول.

وكل سنة، تعقد العديد من المؤتمرات والندوات لمناقشة ما تسمى “قضية الإرهاب”، برغم عدم وجود تعريف مانع جامع. وبين ذرائع التطرف الديني او الايديولوجي وحجج الاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي، تدخل الكثير من الدول إلى “قائمة الإرهاب”. الأصح أنها تُدخَل إليها، وإلا من يمكن أن يقبل بوسمه “إرهابياً”؟

ولأن الولايات المتحدة تطبع الدولار الأمريكي، فإنها تتبع التصنيف بعقوبات لا تشمل الدول والكيانات والأفراد، بل من يتعاون معهم. محاربة الإرهاب صارت شمّاعة. لذلك، أُنشئت قوائم بيضاء وسوداء ورمادية، تحدّدها مراكز ومؤسسات أميركية متخصصة، وكل ذلك بحسب عناصر الإغراء والجذب، فإذا إلتزمت بالشروط يتراجع التصنيف وكلما عاندت تتقدم أكثر نحو اللون الأكثر قتامة!

يشير الكاتب الأميركي روبرت بيت في كتابه “الموت من أجل النصر” إلى امكانية تعارض تعريف الارهاب مع مصالح الدول الكبرى التي تنتهك القوانين بما تفعله من بيع وتصدير للأسلحة إلى مناطق النزاعات وقتل الأبرياء وقصف الأعراس والمآتم في اليمن وفلسطين واذكاء الصراعات وحماية الأنظمة الديكتاتورية وفقاً لمصالح خاصة

مثلاً، ها هي دولة مثل الباكستان تجهد للخروج من القائمة الرمادية، وفي المقابل، أعلنت السفارة الأميركية في الخرطوم، أنّ “إلغاء تصنيف السودان “دولة راعية للإرهاب” دخل حيز التنفيذ. كان الثمن رضوخ السلطة الحاكمة في الخرطوم لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل. وبعد الإمارات والبحرين، اعلنت المملكة المغربية تطبيع علاقاتها ايضاً، في مقابل الاعتراف الأميركي بسيادتها على الصحراء الغربية المتنازع عليها، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والاتفاقات الدولية، لكأن البيت الأبيض يقرر الحدود وإستقلال هذه الدولة أو تلك وليس الأمم المتحدة.

منذ عقود من الزمن، يواصل الغرب “التعامل بمعايير مزدوجة مع هذا الخطر من خلال استمرار التغطية على النشاط الإرهابي في حالات كثيرة تحت مسميات إنسانية أو لاستخدام الإرهابيين لتحقيق مآرب سياسية، أو للعمل على التدخل في شؤون البلدان الأخرى”، يقول ممثل وزارة الخارجية الروسية إيليا تيماكوف خلال مؤتمر ناقش مؤخراً “دور الوسائل الإعلامية في محاربة الإرهاب”، وهذا ما يبرّر التفاوت بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي في تصنيف حزب الله إرهابيا، برغم رضوخ العديد من دول الإتحاد للضغط الأميركي ـ الإسرائيلي، بحيث تم تصنيف حزب الله إرهابياً بجناحيه السياسي والعسكري، ليصبح إجمالي الدول التي قررت حظر حزب الله 13 دولة هي الآتية: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وهندوراس وباراغواي والأرجنتين وكوسوفو وسلوفينيا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا.

واللافت للإنتباه أن حزب الله قرر في الآونة الأخيرة إتباع قواعد جديدة في تعامل البعثات الديبلوماسية الغربية معه. فقد إعتادت دول غربية على فتح قنوات أمنية سرية مع حزب الله، برغم إصرارها على تصنيف الحزب إرهابياً، مثل بريطانيا، التي كانت توعز إلى جهاز الإستخبارات الخارجية (MI6) أن يتواصل مع قادة في الحزب بينما يتم حظر أي إتصال دبلوماسي من خلال السفارة، إلى أن قرر حزب الله في الآونة الأخيرة، إشتراط قبوله أي إتصال أمني به بتراجع هذه الدولة أو تلك عن تصنيفه “إرهابياً”.

وهذه القاعدة تتبعها أيضاً الدولة السورية في السنوات الأخيرة. ففي المرحلة التي أعقبت الأزمة السورية (2011)، درجت عادة العديد من الدول وبينها الولايات المتحدة على فتح قنوات أمنية أو إستخباراتية (وأحياناً قنوات سياسية) سرية، وتم التجاوب معها لفترة، قبل أن يتم تثبيت قاعدة القنوات المفتوحة، مع إعطاء أولوية للقنوات الدبلوماسية، من أجل تشجيع بعض البعثات الدبلوماسية على إعادة تفعيل حضورها في العاصمة السورية.

إقرأ على موقع 180  خبرتي الطبية في غزة.. يومَ مارستُها في لندن!

في السياق نفسه، تصنّف العديد من حركات المقاومة الفلسطينية “منظمات إرهابية” باعتبار أنها تستخدم العنف ضدّ الاحتلال الصهيوني الذي بقي خارج لائحة الارهاب برغم  كل ما هو مُوثّق منذ الأربعينيات وحتى اليوم من قتل للمدنيين وتعذيب الأطفال والعجزة والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم وتهجيرهم وطردهم خارج بلداتهم بالسلاح والقوة، وهذا ما يشرحه الكاتب الأميركي روبرت بيت في كتابه “الموت من أجل النصر” وإشارته إلى امكانية تعارض تعريف الارهاب مع مصالح الدول الكبرى التي تنتهك القوانين بما تفعله من بيع وتصدير للأسلحة إلى مناطق النزاعات وقتل الأبرياء وقصف الأعراس والمآتم في اليمن وفلسطين واذكاء الصراعات وحماية الأنظمة الديكتاتورية وفقاً لمصالح خاصة.

لذلك فإن كل العنف الذي  تمارسه الدول والانظمة اتجاه مواطنيها أو آخرين لا يصنف ارهابياً لأنّه يأتي من الدولة إلى الأفراد حتى لو انطبقت عليه كل مسميات العنف. على نقيض ذلك، اعٌتبرت كل الجماعات التي طالبت بحريتها منظمات ارهابية، فمنذ الثورة الفرنسية أطلقت على المناضلين صفة إرهابيين، وعُدّ الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي طالب بتحرير ايرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة ارهابياً.

وفيما يرتكز التعريف المعاصر للإرهاب (Terrorism) على ثلاثة اسس هي: رفض الآخر بشكل كامل، قبول الآخر بشرط تنميطه، استخدام العنف كاداة لاقناع الآخر، فإن هذه التصورات الثلاثة لا تنطبق مع ما تحمله الأديان السماوية من قيم ومفاهيم ومنها، ولا سيما منها ما ينص عليه القرآن: “لا اكراه في الدين”، “من قتل نفساً بغير نفس او فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعا”، و”لو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، “لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء”.

Print Friendly, PDF & Email
مايا ياغي

صحافية لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إنضمام فنلندا والسويد لـ"الناتو" يضمن أمنهما أم يهزه؟