قروض دولية إنقاذية للبنان VS رياض سلامة!

تتجاوز قضية اتهام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتبييض الأموال حدود الشخص لتطال البلد. يوحي المشهد باستحالة الحصول على قروض ومساعدات دولية للانقاذ المالي الشامل اذا بقي سلامة حاكماً.. لماذا؟

لنعد قليلاً إلى الوراء، الى ما قبل طلب مثول رياض سلامة أمام القضاء السويسري، لنجد أن النقاشات كانت تتمحور حول سلامة أيضاً وأيضاً، وما خلفته بعض السياسات من فوضى نقدية ومصرفية ومالية، إنعكست هبوطاً مريعاً لسعر صرف الليرة وخسارة هائلة لمدخرات الناس، ونزيف دولارات على دعم عشوائي يذهب معظمه لتجار وأغنياء، داخل الحدود وخارجها، وفشل ذريع لاطلاق التدقيق الجنائي، وغيرها من الملفات المالية والنقدية الشائكة التي لكل عرس فيها قرص لرياض سلامة.

***

رب قائل أن الرجل ليس مسؤولاً وحده عما آلت إليه الأمور من فشل اداري وافلاس مالي وكيد سياسي. هذا أكثر من صحيح، هذا بديهي بالمطلق، لكن الأكيد حتى الآن، وبالوقائع، انه وحده العالق في الشرك القضائي الدولي، ولن يخرج منه سالماً حتماً.. مهما كانت نتائج التحقيقات، أقله بالسمعة وأكثره بالموقع وربما أكثر.

***

بعدما كانت المساعدات والقروض الدولية مشروطة ببرنامج صندوق النقد الدولي وما يتطلبه من اصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وادارية وقضائية وتدقيق في حسابات مصرف لبنان وضبط تحويلات (كابيتال كونترول) وهيكلة قطاع مصرفي ومعالجة عجز موازنة.. اصبحت متعلقة أيضاً الآن بثروة رياض سلامة، فضلاً عن  ثروات آخرين ألمحت اليهم سويسرا الراصدة لتحويلات اضافية قاموا بها من لبنان بحوالى 2.3 مليار دولار منذ العام 2016، وهذا يشمل سلامة وغيره من أصحاب الثروات من اللبنانيين، ولا سيما أهل السياسة منهم.

***

كيف سنقنع الدائنين، بعد تلك التحويلات، بأن ما سيَأتي سيُحسِن القادة اللبنانيون صرفه من دون اختلاس مقنن او تسربه في سواقي المحسوبيات؟

فالدولارات الطازجة، التي نحتاجها حاجة الغريق للنجاة،  ستؤول الى البنك المركزي، ويعاد توزعها بالليرات من هناك، كما يحصل الآن في قرض البنك الدولي المخصص للفقراء اللبنانيين. وما الخلاف الناشب حالياً حول سعر صرف ذلك القرض بما يفقده نسبة ٣٠ في المائة تذهب الى مصرف لبنان، الا عينة من عينات ما سيشهده اللبنانيون في مدى سنوات تقطير القروض الدولية المطلوبة للانقاذ. فأي ثقة بالبنك المركزي بعد كل ما حصل ويحصل؟

 ***

وليس سراً القول أن صندوق النقد الدولي، الذي لم يكن مرتاحاً، لمقاربات حكومة حسان دياب وخطتها الانقاذية المتعثرة، برغم تبنيه أرقام شركة “لازارد”، فوجئ بشراسة سلامة المتحفظ أصلا على التعامل مع صندوق النقد وعلى كل قضية التعثر (default)، وبالتالي ظل متمسكا بإحتسابه للخسارة المالية ورؤيته النقدية والمالية والمصرفية.

***

بعد طلب مثول سلامة، أمام القضاء السويسري، سيتجنب صندوق النقد التفاوض مع حاكم المصرف المركزي، ولن يثق بكلمة مما يقول قبل تبيان الخيط الأبيض من الأسود في تحويلاته المالية أو بالأحرى التدقيق في حسابات مصرف لبنان. الأمر عينه ينسحب على البنك الدولي والجهات التمويلية الدولية الأخرى. أما الدول المانحة، وعلى رأسها فرنسا، فهي ستصر أكثر من أي يوم مضى على التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وبالشروط الدولية القاسية وليس بتعميات الطبقة السياسية اللبنانية التي انكشفت “أرانب” سحرها الأسود في الحؤول دون التعديل الشافي والكافي لقانون السرية المصرفية لزوم التدقيق الجنائي، ومنع اقرار قانون “الكابيتال كونترول” لزوم حماية صغار المودعين.

***

في مؤتمرات باريس كلها وصولاً إلى “سيدر”، كان سلامة المرجع الأول للحاضرين الدوليين، بأوراقه وأرقامه وخططه وتوصياته التي يؤخذ بها غالباً، بادعاء أن المشكلة ليست عنده بل في دولة تتأخر في خوض غمار الاصلاح. اختلف الأمر كثيراً منذ ذلك الحين، لا سيما بعد ١٧ تشرين الاول/ أكتوبر ٢٠١٩. لم يعد الرجل موضع ثقة دولية، لا بل اتهمه الفرنسيون بشكل غير مباشر بضلوعه في بناء مخطط احتيالي شفط اموال المودعين وبدّدها. كما اتهموه بنكران واقع الافلاس، وسخروا من طروحاته، كما ورد حرفياً في محاضر اجتماعات خصصت للأزمة اللبنانية والمبادرة الفرنسية.

***

كانت المشكلة في منظومة سياسية لا تريد الاصلاح وسلامة خارجها نظرياً. اختلف الأمر جوهرياً، فصار هو على رأس طاولتها. واذا كان السياسيون يحتمون بقواعدهم الطائفية المجيرة انتخابياً كقطيع مساق الى مراعي الزبائنية، أو كرهائن في صراعات الكيان غير النهائي الا بشروط هذا أو ذاك، فلا حصانة لسلامة الا قانون النقد والتسليف الذي بات منتهكاً على الملأ، مثقوباً نازفاً بغزارة من قيمة الليرة المنهارة وانعدام الاستقرار النقدي وفلتان التضخم من عقاله بجنون وخسارة مليارات ودائع اللبنانيين. ومن بين أسباب التهرب من التدقيق طمس التحايلات القانونية لا سيما في الهندسات المالية وكيفية اتخاذ القرارات، وتهميش المجلس المركزي ومفوض الحكومة في مصرف لبنان، وترؤس سلامة لهيئة التحقيق الخاصة ولجنة الاسواق المالية ولجنة مكافحة تبييض الاموال وتحكمه، غير المباشر، بلجنة الرقابة على المصارف.. في ما يشبه الحكم والحاكم معاً بكل شاردة وواردة نقدياً ومالياً ومصرفياً. فاذا لم يكن الحكم المطلق مفسدة مطلقة فما هو إذاً؟

إقرأ على موقع 180  أنا لبنانية مقهورة.. ليس في بلادي من يبالي

***  

وفي تسريبات بعض ما قال سلامة امام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات انه قد يعترف بالمسؤولية الأخلاقية عن تحويلات قانونية. أي أنه لا يعترف بخرق القانون بل يقر بنقاش اخلاقية العمليات. أي لعبة “كشتبان” هذه؟ او لعبة الثلاث ورقات: أنا وشرائع حمورابي واحتيال برنار مادوف!.

سيذهب رياض سلامة الى سويسرا وقد يعود موحياً بالنصر. لكنه نصر بطعم الهزيمة للمودعين اللبنانيين. فبراءته التي ينشدها لا تفسر ثروة بمئات الملايين لموظف من الفئة الأولى، ولا تفسر لماذا حول أموالاً في ٢٠١٦ الى الخارج في وقت كان يبني فيه هرم هندسات تشفط دولارات اللبنانيين من الخارج الى الداخل

بكلام آخر، ليقل عنه الآخرون ما شاؤوا على الصعيد الأخلاقي، لا سيما علاقته المالية مع أخيه ومساعدته حتى لو تضاربت فيها المصالح او تقاربت، ومع الشركات المالية والجنات الضريبية حتى لو اتهم باستخدام نفوذ الموقع وحظوة المعلومات التي بحوزته قبل غيره لزيادة ثروته. وليقل القائلون ان لديه مئات الملايين، طالما لديه مستندات يحتمي بقانونيتها.

***

لكن عن أي القوانين المالية والنقدية والمصرفية نتحدث؟ انها تلك التي يفسرها هو وحده دون غيره، كما فعل عندما رفض فتوى هيئة التشريع والاستشارات (وزارة العدل) المحللة، بالتفنيد القانوني، للتدقيق الجنائي من دون رفع السرية المصرفية. وفرض، مع غيره، شكلاً معيناً لرفع السرية لم تنطل على شركة “ألفاريز أند مارسال”. فهل يعلم الحاكم ان تلك الشركات الدولية لا يسهل اقناعها كما نقنع سياسياً مخضرماً من المنظومة إياها؟ وهل يعلم أن شروط صندوق النقد الدولي، عندما يمنح قرضاً، ليست استشارية له ولغيره من الطبقة السياسية الحامية لخلفيته. بل ملزمة على طول الزيح الائتماني الحاد؟ ثم كيف يمكن أن يتصرف غداً لو جاءت مطالعة هيئة الإستشارات حاسمة بأن قانون مجلس النواب الأخير بخصوص السرية المصرفية يسري على الحسابات الشخصية، هل سيعتبره مُلزماً أم مجرد رأي إستشاري لا يقدم ولا يؤخر؟

***

قد لا يبالغ موظفون في مؤسسات نقدية دولية بتأكيدهم “أن لا مساعدات ولا قروض طالما رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان”. في المقابل، سيّان عنده القروض الآن وهو الجالس على مليارات تكفي النظام حتى الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة. واذا احتدمت قبيل ذلك او بعيده وفقد كل أوراقه داخلياً مع حماته، فانه يعرف كيف يتصرف امام القضاء السويسري وغير السويسري الذي يدقق في تحويلات مليارية لآخرين غيره. لن يعدم سلامة وسيلة في الضراء كما لم يعدمها في السراء.

***

أما الحديث عن الوريث، سواء كان مرشح فرنسا أو مرشح الرئيس ميشال عون، فكان الله بعونه مع هذا الإرث اللعين: ليرة فاقدة ٨٠ في المائة من قيمتها حتى الآن، ميزان مدفوعات عاجز بأكثر من ٣٠ مليار دولار في سنوات قليلة، ٨٠ مليار دولار ودائع لا وجود حقيقياً لها بالعملة النقدية الأميركية الخضراء، خسائر في مصرف لبنان بين ٤٠ و٥٠ ملياراً.. أي طمع هذا في منصب مفخخ بكل تلك العبوات الناسفة؟

***

سيذهب رياض سلامة الى سويسرا وقد يعود موحياً بالنصر. لكنه نصر بطعم الهزيمة للمودعين اللبنانيين. فبراءته التي ينشدها لا تفسر ثروة بمئات الملايين لموظف من الفئة الأولى مهما علا شأن راتبه، ولا تفسر لماذا حول أموالاً في ٢٠١٦ الى الخارج في وقت كان يبني فيه هرم هندسات تشفط دولارات اللبنانيين من الخارج الى الداخل. فهل كان يعلم ان الداخل مفقود والخارج مولود؟ إذا كان يعلم، وهذا الراجح، سيكرر تطبيق القاعدة ويخرج من الحاكمية قبل نهاية ولايته في ٢٠٢٣ لكن بشروطه هو.. ودون ذلك معركة سيسمع اصداؤها العالم، او تكتم كما يكتم افراد العائلة سفاح القربى!

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  هل سيعود اللاجئون واللاجئات إلى بلدهم سوريا؟