حرب أكتوبر، كما يرويها بيرغمان: فائض القوة يهزم “إسرائيل” (32)
(FILES) A file photo taken on October 19, 1973 shows Israeli Defence Minister General Moshe Dayan (R) looking towards the Syrian side of the Golan Heights, four days after the beginning of the Yom Kippur War. - Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu on March 21, 2019, welcomed US President Donald Trump's pledge to recognise Israel's disputed annexation of the Golan Heights, which it seized from Syria in 1967. "At a time when Iran seeks to use Syria as a platform to destroy Israel, President Trump boldly recognises Israeli sovereignty over the Golan Heights," he wrote on his personal Twitter account. "Thank you President Trump!" Trump's statement of intent on the strategic plateau Israel seized in the Six-Day War came after US Secretary of State Mike Pompeo visited Jerusalem and stood shoulder-to-shoulder with Netanyahu at the Western Wall. (Photo by - / AFP) (Photo credit should read -/AFP via Getty Images)

يُعنون رونين بيرغمان مؤلف كتاب “انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية”، الفصل الحالي من كتابه المترجم أدناه بـ"الغطرسة"، وهو بهذا العنوان وبالتفاصيل التي يوردها عن حرب اكتوبر عام 1973 يحاول تبرير الهزيمة التي منيت بها "اسرائيل" في تلك الحرب قبل 48 سنة.

يقول رونين بيرغمان ان الفشل الذريع الذي انتهت اليه عملية ليلهامر في النروج (قتل عامل مغربي لجمع النفايات ظنّ الموساد انه القيادي الفلسطيني الفتحاوي ابو حسن سلامة) لم يستطع ان يطغى على شعور النشوة العارمة التي كانت تعيشها القيادات العسكرية والسياسية “الاسرائيلية” جراء عملية “ربيع الشباب” (اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت). فعملية قتل القادة الفلسطينيين اوجدت شعورا من الثقة الفائضة لدى القيادات “الاسرائيلية” وليس فقط لدى قيادة “الموساد”.

بعد يومين عملية فردان (ليل 10 نيسان/ أبريل 1973)، تسلق وزير الدفاع موشيه دايان اعلى قمة حصن “ماسادا”. (قلعة تقع على مرتفع صخري بارز شرق صحراء النقب الفلسطينية بالقرب من البحر الميت بارتفاع 49 متراً عن مستوى البحر الابيض المتوسط. وتقول الاسطورة اليهودية ان ماسادا كانت عبارة عن صخرة حولها ملك اليهود هيرود الذي نصبه الرومان على القدس الى قلعة حصينة بين العامين 31 و37 قبل الميلاد وقد فضل اليهود المتعصبون المقيمون في القلعة ان يقتلوا انفسهم وكل افراد عائلتهم على الاستسلام للرومان). من تلك القمة، اعلن دايان أننا “سننشيء اسرائيل جديدة بحدود واسعة جدا وليس فقط بالحدود التي انشئت عليها في العام 1948”.

يضيف بيرغمان، ان الثقة بالنفس يمكن ان تنحدر بسهولة الى ثقة زائدة وهو ما ادى الى مزالق اكبر بكثير من تلك التي وقعت فيها وحدة “قيسارية” في ليلهامر، وينقل الكاتب عن ايهود باراك قائد عملية قتل القادة الفلسطينيين والذي تولى بعدها الكثير من المسؤوليات العسكرية والسياسية من ضمنها رئاسة اركان الجيش ووزارة الدفاع ورئاسة الوزراء قوله ان هذه الغطرسة لها عواقب كارثية على الامة باجمعها، ويضيف باراك “لقد بدا لي ان قادة البلاد وصلوا الى استنتاجات خاطئة بعد عودتنا من العملية الناجحة في بيروت، فقد ادت العملية الى اضفاء شعور زائد بالثقة بالنفس يفتقد الى الاسس، فمن المستحيل ان تبني على عملية كوماندوس موضعية لكي تُعمم الامر على قدرات الجيش بأكمله، وكأن جيش الدفاع الاسرائيلي بات قادرا على فعل اي شيء واننا بتنا لا نُقهر، فقد رأى وزير الدفاع ورئيسة الوزراء وكل المسؤولين الاخرين ان الموساد ووحدة سيريات تلقوا امرا وعملوا خلال اسابيع قليلة على تنفيذه بنجاح وهذا ما اعطاهم شعورا ان هكذا قدرات هي حالة عامة في كل المؤسسة العسكرية، ولكن نجاحنا في حرب الايام الستة وفي العمليات التي تلتها كانت ناجمة عن التخطيط الدقيق والاستخدام الاقصى لعنصر المفاجأة، فقد كنا نحن من يبادر ومن يحدد الجدول الزمني والنتائج. ومع شعورنا المستجد بالامن والرضا عن النفس لم نفكر ابدا انهم يمكن ان يفاجئونا هم ايضا وان يتسببوا لنا بضرر بالغ”.

موشيه دايان رداً على العرض المصري: “انا افضل شرم الشيخ من دون سلام على السلام من دون شرم الشيخ”!

يضيف بيرغمان ان الايمان العميق بقدرات القوات المسلحة والاعتقاد بان الاذرع العسكرية الثلاث، الجيش و”الشين بيت” و”الموساد” بامكانهم ان ينقذوا “اسرائيل” من اي خطر يتهددها، جعل القيادات السياسية تشعر بان لا حاجة ملحة للتوصل الى تسوية ديبلوماسية مع العرب، على الرغم من عدم موافقة الآخرين خارج البلاد على هذا الامر. ففي العام 1972 اطلق مستشار الامن القومي الاميركي هنري كيسنجر مبادرة دبلوماسية سرية هدفت الى التوصل الى اتفاق سلام او اتفاق عدم اعتداء بين مصر و”اسرائيل”، فقد كان كيسنجر يعتقد انه طالما ابقى “الاسرائيليون” على احتلالهم للاراضي المصرية التي غنموها عام 1967، فان مصر ستفعل كل ما يمكنها لاستعادة تلك الاراضي، وانها مسألة وقت قبل اندلاع الحريق الهائل في الشرق الاوسط.

ويتابع بيرغمان ان مبادرة كيسنجر وصلت الى ذروتها مع الاجتماعات الدراماتيكية التي حصلت في احد المنازل السرية الآمنة للوكالة “سي اي ايه” في شارع ارمونك في نيويورك في 25 و26 فبراير/ شباط عام 1973 بينه وبين مبعوث رسمي مصري أوفده الرئيس أنور السادات.

خلال تلك الاجتماعات السرية، اعلن المبعوث المصري عن استعداد بلاده لتوقيع اتفاقية سلام مع “اسرائيل” شرط أن تتضمن اعترافاً “اسرائيلياً” بالسيادة المصرية على شبه جزيرة سيناء مع الابقاء على الجنود “الاسرائيليين” فيها، على ان ينسحبوا منها بشكل كامل لاحقا مقابل اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وهذا الامر كان بصورة غير مسبوقة لصالح “اسرائيل”، ومقابل ذلك، انذر الرئيس المصري انور السادات “الإسرائيليين” انه ما لم يتم الأخذ بهذا العرض في مهلة اقصاها شهر سبتمبر، ايلول فانه سيذهب الى الحرب. فجاء الرد من رئيسة الوزراء جولدا مائير بالرفض قائلة لكيسنجر “سنمرر هذا الامر”، اما وزير دفاعها موشيه دايان، فقد قال رداً على العرض المصري “أنا افضل شرم الشيخ من دون سلام على السلام من دون شرم الشيخ”!

في غضون ذلك، كانت كل من مصر وسوريا في ذروة تحضير قواتهما للحرب، فقد كانتا تناوران بتحريك قوات كبيرة نحو الخطوط الامامية ومن ثم الى الخلف. كما كانتا تجريان تدريبات جوية مكثفة مع حيازتهما على انظمة صواريخ ارض ـ جو سوفياتية الصنع وتدربان قوات الكوماندوس لديهما على استخدام صواريخ “ساجر” المضادة للدروع وتقومان بمناورات عسكرية ضخمة تضمنت سيناريو عبور قناة السويس بقوات كبيرة.

يقول رونين بيرغمان، أن كل ذلك كان بمثابة تحضير واضح للحرب ولكن لم تكن هناك اية تقارير استخبارية تؤكد هذه الحقيقة بل على العكس فقد دأبت المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية”على وصف ذلك بانه “مجرد الاعيب حربية”، فقد كان رئيس الاركان اليعازر على يقين بان جهازي “الموساد” و”امان” سيكونان قادرين على توفير 48 ساعة من الانذار المبكر لـ”اسرائيل” قبل نشوب اية حرب، وهي مهلة كافية لاستدعاء الاحتياط العسكري لديها، ولم يكن اليعازر وقادته العسكريين قلقين على اي حال بل كانوا يشعرون بالثقة بان العرب كانوا مرعوبين من “اسرائيل” ولن يتجرأوا على البدء بالحرب، واذا ما فعلوا “فاننا باعطاء امر صغير سنكسّر عظامهم”. هنا يختم بيرغمان قائلاً: لقد كانوا مخطئين.

على الرغم من عدم تحميل لجنة التحقيق الخاصة المسؤولية لجولدا مائير ووزير دفاعها موشيه دايان، فان الضغط القوي للرأي العام ادى الى تقدم جولدا مائير باستقالتها من رئاسة الوزراء في 11 ابريل/ نيسان 1974

في كل ما سبق وما يتبع يحاول الكاتب ان يقلّل من شأن الانجاز العسكري التاريخي والمشهود الذي حققه الجيشان المصري والسوري، كل على جبهته، اذ انه يغيّب بصورة متعمدة انجاز الجيش المصري في تنفيذ خطته المحكمة والجريئة وغير المسبوقة في التاريخ العسكري لعبور قناة السويس وضرب خط بارليف الذي كان يتحصن خلفه الجيش “الاسرائيلي” على طول الضفة الشرقية للقناة، كما يغيّب الانجاز السوري في تسلق مرتفعات الجولان القاسية العلو. ويمضي بيرغمان في روايته لحرب اكتوبر بطريقة توحي وكأن جبهتي السويس والجولان كانتا شبه خاليتين من الجنود “الاسرائيليين” في حين يضخم عدد القوات المصرية والسورية المهاجمة والاسلحة التي استخدمت.

إقرأ على موقع 180  تل أبيب تُدشّن "عصر المُسيرات".. رصد موكب واينبرغر في بيروت (75)

يقول بيرغمان إنه في الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من اكتوبر/ تشرين الاول، شن الجيشان المصري والسوري هجوما متوازيا ضخما ومفاجئا على “اسرائيل”، لقد كان ذلك اليوم “عيد الغفران اليهودي” حيث يصوم فيه اليهود، وحتى غير المتدينين منهم، ويذهبون الى الكنيس (دار العبادة عند اليهود) او يبقون في بيوتهم، وهكذا فان عديد القوات التي كانت منتشرة في الخطوط الامامية كان ضئيلا جدا وهي عبارة عن وحدات مؤلفة من مئات من جنود الاحتياط الذين وضعوا هناك للسماح لجنود القوات النظامية بالذهاب الى بيوتهم لقضاء العيد مع عائلاتهم.

مقابل هذه الوحدات، يضيف بيرغمان، دفع المصريون 2200 دبابة و2900 عربة مدرعة و2400 مدفع ومئات الالاف من جنود الكوماندوس والمظليين، لعبور قناة السويس. وعلى جبهة الجولان السورية، دفع الجيش السوري بستين الف جندي (ان مساحة ميدان المعركة لا يمكن ان تستوعب هذا العدد من الجنود) مدعمين بـ 1400 دبابة و800 مدفع. كما فعّل الجيشان قواتهما الجوية والبحرية. والجدير بالانتباه أن الارقام التي يوردها بيرغمان عن عديد الجيوش المصرية والسورية المتحركة على الجبهة والتجهيزات العسكرية التي بحوزتهم يستدعي السؤال كيف استطاعت كل هذه الجيوش ان تتحرك من دون ان تتمكن كل اجهزة الاستخبارات “الاسرائيلية” والجيش “الإسرائيلي” كشف “نوايا” مصر وسوريا، ولو قبل ثمان واربعين ساعة (بحسب ما كان ذكر الكاتب مسبقا)؟ الجواب البسيط هو ان هذه الاجهزة منيت بفشل ذريع تجنب الكاتب التعرض إليه.

يضيف بيرغمان انه خلال الايام الاولى للحرب، حقق الجيشان المصري والسوري انتصارات ملحوظة ضد الجيش “الاسرائيلي” الذي بالاضافة الى انه أُخِذَ على حين غرة، فانه قرأ تكتيكات الطرف الاخر بصورة خاطئة، فقد تمكن الجيش المصري من اقامة شريط ساحلي واسع على الضفة الشرقية لقناة السويس وتمكن الجيش السوري من اختراق مرتفعات الجولان والسيطرة عليها في العمق وبدأ يهدد بالتوجه نزولا الى وادي الاردن والجليل، “ولكن بمجهود جبار وتضحيات جسام تمكن الجيش “الاسرائيلي” من وقف الهجوم العربي”. هنا يزعم الكاتب ان الجيش “الاسرائيلي” تمكن من دفع الجيش المصري الى الضفة الغربية لقناة السويس وان وحدات منه تمكنت من عبور القناة وتقدمت لتصبح على بعد ستين ميلا (مائة كيلومتر) من العاصمة المصرية القاهرة (هذا الامر لم يحصل بالتأكيد وجل ما حصل هو ان كتيبة مؤللة من المظليين بقيادة ارييل شارون تمكنت من النزول خلف خطوط الجيش المصري الثالث على الضفة الشرقية للقناة واقفلت طرق امداده).

ولا يأتي بيرغمان على ذكر اعلان الرئيس المصري انور السادات وقف الهجوم بصورة منفردة ومن دون تنسيق مع الجانب السوري، والدخول في مفاوضات “الكيلو مائة وواحد” مع الجانب “الاسرائيلي”، ما اراح الجيش “الاسرائيلي” وجعله يسحب الكثير من وحداته المقاتلة على الجبهة المصرية ليزجها في مواجهة الجيش السوري في مرتفعات الجولان. وهنا يقفز الكاتب عن هذه الحقائق للقول ان “الاسرائيليين” تمكنوا من دحر السوريين في المرتفعات وتقدموا حتى اصبحت العاصمة السورية دمشق تحت مرمى مدفعيتهم.

يصف بيرغمان حرب اكتوبر بانها نصر كبير لـ”اسرائيل” ولكن بكلفة باهظة حيث خسرت 2300 من جنودها في حرب كان بالامكان تجنبها عبر المفاوضات او على الاقل من خلال الإستعداد الإفضل لها عبر معلومات استخبارية مسبقة. هنا يناقض بيرغمان نفسه عندما يقول ان موجة عارمة من الاحتجاجات اجتاحت المجتمع “الاسرائيلي” (كيف يمكن للمجتمع ان يحتج على نصر كبير!)، ما ادى الى انشاء لجنة تحقيق خاصة اجبرت رئيس الاركان بن اليعازر على الاستقالة وكذلك الامر مع قائد جهاز “الشين بيت” زئيري بالاضافة على عدد كبير من كبار الضباط، كما بدّدت الحرب ولو مؤقتا الشعور العسكري والاستخباري “الاسرائيلي” بالتفوق ومعه الشعور بالامن، ويختم بيرغمان انه على الرغم من عدم تحميل لجنة التحقيق الخاصة المسؤولية لجولدا مائير ووزير دفاعها موشيه دايان، فان الضغط القوي للرأي العام ادى الى تقدم جولدا مائير باستقالتها من رئاسة الوزراء في 11 ابريل/ نيسان 1974.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  من يملأ الفراغ الإستراتيجي المحتمل في الشرق الأوسط؟