“(…) ما جرى هو منعطف تاريخي، سواء بالنسبة إلى الجمهور العربي في إسرائيل أو بالنسبة إلى العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة. لقد كسرت “راعام” المحرّم (التابو) القديم في السياسة العربية، أي اختيار “موقف المتفرج” على الاندماج في الحيز الحكومي “الصهيوني”، الأمر الذي أقصى العرب حتى اليوم عن اتخاذ القرارات، وعن عملية توزيع الموارد الوطنية. قرار (رئيس القائمة منصور) عباس يمكن أن يُشكّل حاجزاً يفصل بين السياسة العربية القديمة التي لاقت صعوبة في التغيّر، وبين سياسة جديدة مرنة وعملية.
لكن من الصعب فهم “راعام” من طرف الجمهور اليهودي الذي بدأ يدرك في العامين الأخيرين الفروقات في السياسة العربية بعد أن تعامل معها حتى الآن ككيان واحد. تمثل “راعام” مناطق الأطراف الاجتماعية والجغرافية لجمهور عربي يعرفه الجمهور اليهودي بصورة أقل مقارنةً بسائر الأحزاب العربية والجماعات التي تمثلها.
علاوة على ذلك، من الصعب فك شيفرة حزب “راعام” في ضوء حقيقة أن الحزب الذي اندمج بصورة عميقة في اللعبة السياسية في إسرائيل هو بالتحديد كيان ديني – محافظ، وهو فرع من حركة الإخوان المسلمين، ومن الناحية الاجتماعية أقرب إلى الأحزاب الحريدية والدينية في إسرائيل مما هو قريب من اليسار الذي كان “المعسكر الطبيعي” بالنسبة إلى الجمهور العربي.
بالنسبة إلى الجمهور العربي، مثّل “راعام” بصورة واضحة تفضيله معالجة مشكلات مدنية صعبة، وعلى رأسها الجريمة والعنف، على الاهتمام بموضوعات أيديولوجية وسياسية، بما فيها الموضوع الفلسطيني. لهذه الغاية، رفع منصور عباس شعار “لا يمين ولا يسار”، موضحاً أن “راعام” ليست في جيب معسكر اليسار، وأن الحزب يتحرك في ضوء مصالح الجمهور العربي فقط، لذلك هو مستعد للتعاون مع أي طرف في السياسة الإسرائيلية.
هناك نقطة مهمة يجب أن نفهمها لا علاقة لها بـ”راعام”: على عكس ما يجري في السياسة اليهودية وحتى العربية المعروفة، المقصود حزب يمثّل حركة واسعة ويخدمها. “راعام” هو الممثل للجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إسرائيل، التي تُعتبر كياناً له بنية تحتية غنية مؤلفة من جمعيات خيرية، مساجد، أجهزة بلدية، مؤسسات تعليمية ودعائية، منظمات شبابية وطلابية ونسائية. ويقوم “راعام” بخدمة حاجات الحركة ويخضع لقراراتها. صحيح أن عباس زعيم جريء ورائد، لكنه ليس مصدر الصلاحيات العليا في “راعام”. في إمكانه التأثير من خلال الحزب، لكن المطلوب منه طوال الوقت الحصول على موافقة وتوجيهات من مصادر السلطة التي تعتمد على الشريعة.
بعكس الجناح الجنوبي، للجناح الشمالي علاقة متينة بجهات خارجية، وخصوصاً في معاقل القوة للإخوان المسلمين في المنطقة، وعلى رأسها قطر وتركيا وسلطة “حماس”، بينما علاقات الجناح الجنوبي محدودة نسبياً
عملية اتخاذ القرارات في “راعام” أكثر تعقيداً بكثير مما هي عليه في الأحزاب السياسية. منصور عباس هو النائب الثاني لرئيس الحركة الإسلامية الشيخ حماد أبو دعابس، وإلى جانبه يعمل النائب الأول (الشيخ صفوت فريج) المسؤول عن إدارة الحركة، ورئيس المكتب السياسي (إبراهيم حجازي) الذي يمثل الهيئة التنفيذية المركزية للحركة.
مَن يقرر سياسة الحركة الإسلامية كلها ـ بما فيها “راعام” – هو مجلس الشورى، مكوّن أساسي في الحركات التي تتماهى مع الإخوان المسلمين. هذه الهيئة هي التي تحسم مسائل أساسية سياسية واجتماعية وتقدم الأساس الشرعي للخطوات المتخذة. تحت القيادة القطرية تعمل قيادات مناطقية – في النقب والوسط والشمال – ولكل واحدة منها مجلس شورى محلي. قيادات وزعماء هذه المؤسسات يجري انتخابهم في مؤتمر عام يتألف من مئات الناشطين عُقد حتى اليوم 23 مرة.
مجلس الشورى هو المسؤول عن تسوية التناقضات التي تعترض طريق الحركة الإسلامية. وفي حالة الجناح الجنوبي يبرز منذ أعوام توجّه ثابت: مرونة عندما يكون مصدر التناقض سياسياً، ومن جهة أُخرى تشدّد في الموضوعات الاجتماعية والثقافية. مجلس الشورى هو الذي قرر في سنة 1996 الدخول في اللعبة السياسية، وفي سنة 2021 هو الذي قرر الانضمام إلى الائتلاف، وهو أيضاً الذي أوضح أن التشريع في موضوع المثليين أو المسّ بالمقدسات الإسلامية هما “خط أحمر”.
ميزات واضحة
يمتاز الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية عموماً و”راعام” خصوصاً بعدد من الميزات الواضحة:
- يوجد في رئاسته ممثلون لجيل الشباب، أغلبيتهم من مواليد السبعينيات (مثلاً أعضاء الكنيست منصور عباس وسعيد الخرومي أو إبراهيم حجازي)، بينما مهمة الجيل المؤسس محدودة أكثر، وهم ممثَّلون في الأساس في مجلس الشورى (أغلبيتهم من مواليد الخمسينيات أو بداية الستينيات، مثل أبو دعابس أو إبراهيم صرصور الرئيس السابق للجناح الجنوبي).
- مثل معظم الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وخارجه، تتألف الحركة الإسلامية في إسرائيل، في أغلبيتها، من زعامات غير دينية، ومن أصحاب المهن الحرة (منصور عباس طبيب أسنان، إبراهيم حجازي طبيب نفسي، سعيد الخرومي يحمل شهادة في الفيزياء، وليد طه أستاذ ويحمل شهادة في العلوم السياسية). جزء أساسي منهم مرّ في مسار مشابه من التعليم في بلدته، والاندماج في مجال البلديات، ومن هناك انتقل إلى السياسة. أهمية المستوى التعليمي والمهات الدينية تبرز في الأساس وسط الجيل القديم في الحركة.
- يظهر في هذه القيادات الجمع بين جميع المراكز الجغرافية للحركة الإسلامية، وعلى رأسها المجتمع البدوي في النقب، الذي منح نصف أصوات ناخبي “راعام” في الانتخابات الأخيرة ويتمثل من خلال رئيس الجناح الجنوبي الشيخ أبو دعابس وعضو الكنيست الخروبي؛ وفي المثلث الجنوبي، وخصوصاً في كفرقاسم “عاصمة ومهد ولادة الحركة الإسلامية”؛ وفي البلدات المختلطة في وسط البلد؛ وفي منطقة الشمال التي يأتي منها، عباس (من قرية المغر) وحجازي (من تمرة).
- إلى جانب الجناح الجنوبي يعمل توأمه الجناح الشمالي الذي لديه بنية تنظيمية مشابهة ومنظومة مدنية موازية تضم حزباً لا يشارك في المجال السياسي الرسمي في إسرائيل (اسمه الوفاء والإصلاح). وبعكس الجناح الجنوبي، للجناح الشمالي علاقة متينة بجهات خارجية، وخصوصاً في معاقل القوة للإخوان المسلمين في المنطقة، وعلى رأسها قطر وتركيا وسلطة “حماس”، بينما علاقات الجناح الجنوبي محدودة نسبياً بسبب إحجام عناصر إسلامية في المنطقة من أن تكون على علاقة بكيان يعترف بدولة إسرائيل، وانضم إلى المنظومة السياسية الرسمية فيها وتحول إلى عضو في الائتلاف الحاكم.
خلاصة
يعتبر الجمهور العربي انضمام “راعام” إلى الائتلاف اختباراً تاريخياً. السياسة العربية “القديمة” فشلت والآن أُعطيت الفرصة لسبيل جديد من الاندماج والتأثير من دون التخلي عن الهوية المستقلة، وأيضاً من دون أن تكون هذه الهوية مصدراً دائماً لعدم الانتماء، في نظر الجمهور اليهودي. إذا نجح عباس، ولو جزئياً، في إيجاد رد على المشكلات الأساسية للجمهور العربي – وعلى رأسها الجريمة والعنف والضائقة الاقتصادية – فقد يتحول إلى قوة مهيمنة في المجتمع العربي، وسيتمكن من الدفع قدماً بإعادة صوغ العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة. لكن إذا فشل في مسعاه فإن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى إقصاء الجمهور العربي عن الدولة وعن المجتمع اليهودي وزيادة فرص نشوب مواجهات مشابهة لتلك التي حدثت في أيار/ مايو هذه السنة، وربما بصورة أعنف”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)