قبل أشهر وفى تسوية تاريخية، وافقت حكومة مدينة مينيابوليس على دفع مبلغ 27 مليون دولار لعائلة فلويد كتعويض عن وفاته على يد شرطة المدينة، وفيما اُعتبر أكبر تسوية تسبق محاكمة فى قضية قتل بالخطأ فى تاريخ الولايات المتحدة.
وفيما لا يعد فلويد الأمريكى الأسود الوحيد الذى يتعرض للقتل على يد الشرطة الأمريكية، فإن لحظة مقتله التى شاهدها الملايين حول العالم، أطلقت موجة عارمة من الغضب المشوب بالعنف فى أحيان كثيرة، وهيمنت حادثة قتل فلويد على النقاش العام داخل أمريكا وخارجها لأشهر طويلة. وفى حين تهدف التسوية المالية الضخمة والحكم بسجن الشرطى الأبيض لأكثر من عشرين عاما إلى توصيل رسالة قوية مفادها أن حياة السود مهمة، وأن واشنطن جادة فى مواجهة قسوة الشرطة ضد السود، فمن غير المرجح أن يكون دفع المال وحده أو سجن الشرطى كافيين لمعالجة الجذور المتأصلة للعنصرية داخل المجتمع الأمريكى، والتى لم تقتصر على قطاع الشرطة، بل تمتد وبوضوح للحزب الجمهورى منذ خساراته الثلاث فى انتخابات 2020 حين خسر البيت الأبيض ومجلسى النواب والشيوخ.
***
وبغض النظر عن العقوبة والتعويض، لا يعتقد الكثير من المراقبين أن يكون هناك تأثير بعيد المدى، أو أن تؤدى إلى تغييرات واسعة النطاق فى ممارسات الشرطة، أو باتجاه تبنى الإصلاحات التى يطالب بها البعض فى مجال الشرطة. ومن الصعب جدا تحقيق إصلاحات واسعة النطاق فى قطاع الشرطة الأمريكية بسبب لامركزية الشرطة الأمريكية وتفتيتها بين أكثر من 18 ألف وكالة تنفيذ قانون على مستوى الولايات والمقاطعات، بما يجعل جميع أعمال الشرطة محلية فى جوهرها، ومن الصعب جدا سن تشريعات عامة للإصلاح فى مختلف أرجاء الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن مقتل فلويد وسجن الشرطى الأبيض سيدشنان فصلا جديدا فى كفاح الأمريكيين/ات السود نحو المساواة والعدالة. إلا أن عمق الانقسام على أساس حزبى فى الكونجرس حول تشريعات إصلاح الشرطة، لا ينفصل فى جوهره عن جهود المجالس التشريعية المحلية فى ولايات يسيطر عليها الحزب الجمهورى للتضييق ووضع عقبات على تصويت السود وبقية الأقليات. ويرمى الكثير ممن ينتمون للحزب الجمهورى بالمسئولية على خسارتهم انتخابات 2020 (الرئاسة والنواب والشيوخ) إلى التوسع فى التصويت بالبريد، وزيادة الفترة المتاح التصويت فيها، وهو ما دفع إلى تصويت الأقليات التى تصوت عادة للحزب الديمقراطى بنسب كبيرة.
قال السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام «إن التوسع فى التصويت هو كابوس بالنسبة لنا، وإنه بدون تغييرات فلن نفوز مرة أخرى من جديد فى الانتخابات الرئاسية»
وضاعف تكرار اتهامات الرئيس السابق دونالد ترامب بتزوير الانتخابات من الضغوط على المشرعين/ات المحليين لتعديل قوانين التصويت.
وشهدت ولاية جورجيا إقبالا قياسيا على التصويت والمشاركة فى انتخابات عام 2020 وصوّت السود بنسب مرتفعة وهو ما أدى لفوز الرئيس جو بايدن بالولاية ليصبح أول مرشح ديمقراطى يفوز بأصوات الولاية منذ 3 عقود. وتشهد ولاية جورجيا زيادة مطردة فى نسب السكان من السود والأقليات الأخرى خاصة الهيسبانيك. ووقع حاكم الولاية بريان كيمب على مشروع قانون رقم 202، وهو دليل شامل من 98 صفحة يجرى تغييرات شاملة على قواعد التصويت الغيابى فى الولاية، ويقلل الوقت المتاح أمام الناخبين/ات للاقتراع، ويتشدد مع متطلبات تحديد هوية الناخبين/ات، ويضيق على التصويت أيام الآحاد.
كما وقع حكام ولايات أريزونا وفلوريدا وأيوا، وكلهم من الحزب الجمهورى، على قيود جديدة على التصويت فى الوقت الذى تعمل فيه المجالس التشريعية فى ولايتى بنسلفانيا وتكساس على الدفع بإجراءات مماثلة.
ويؤمن وزير العدل الأمريكى جارلاند أن قوانين ولاية جورجيا الجديدة تهدف إلى «تقييد وصول الناخبين السود إلى صناديق الاقتراع».
وقال جارلاند إن «هناك العديد من الأمور التى يمكن مناقشتها والاختلاف حولها فى أمريكا، لكن حق جميع المواطنين المؤهلين فى التصويت ليس واحدا منها. والحق فى التصويت هو حجر الزاوية فى ديمقراطيتنا، وهو الحق الذى تنبع منه جميع الحقوق الأخرى فى نهاية المطاف».
***
ولم تقتصر جهود مواجهة تضييق الحزب الجمهورى على تصويت السود على وزارة العدل، ويقوم الكثير من النشطاء السود بجهود واسعة لإعادة الاهتمام بحق السود فى التصويت من خلال حملة شعارها «أصوات السود مهمة».
وتسعى هذه الحملات لتوعية وإشراك الناخبين/ات السود فى بناء قوة تصويتية سوداء فى جميع أنحاء الجنوب الأمريكى. وبعد ستين عاما من تبنى قوانين الحقوق المدنية التى ساوت السود والبيض فى كل شىء، لا يزال الأمريكيون/ات السود يواجهون معوقات كبيرة فى صناديق الاقتراع.
وفى حديث مع شبكة “فوكس” الإخبارية قال السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام «إن التوسع فى التصويت هو كابوس بالنسبة لنا، وإنه بدون تغييرات فلن نفوز مرة أخرى من جديد فى الانتخابات الرئاسية».
ويرمى الكثير من الجمهوريين والجمهوريات بالمسئولية على خسارتهم الثلاثية فى انتخابات 2020 (الرئاسة والنواب والشيوخ) إلى زيادة نسب تصويت السود والأقليات الأخرى، وهو واقع لا يمكن تجنبه مع زيادة أعداد الأقليات والمهاجرين/ات، من هنا يقوم الحزب الجمهورى فى المستويات المحلية برفض واقع أمريكا الجديد الذى سيدفع لاحقا لتخلى البيض عن أغلبيتهم بين الأمريكيين لصالح أمريكا جديدة أكثر تنوعا عن أمريكا القديمة التى لا تزال عالقة فى عقول الكثير من القادة الجمهوريين.
(*) بالتزامن مع “الشروق“