طفح الكيل. كل ما قيل في “المنظومة الحاكمة والفاسدة” قد قيل مراراً، صبحاً وظهراً ومساءً. عمر هذه المهزلة الرثة، من عمر الشتائم التي ملأت آذاننا، ورأتها بصائرنا على كل الشاشات. الزعامات التي أهينت وأذلت، لم تصب بأذى. انها حاكمة ومستيقظة وتدافع بكل الخبث وعبقريات الكذب، عما ارتكبته، بالصمت.
كلمات لم تتحول إلى لكمات. ما يطلق عليه لقب الشعب، بدا هزيلاً جداً. لقد تفجر الشعب غضباً واضاء املاً في 17 تشرين. كنا على وشك التغيير. غريب.
غريب جداً إلى حد الاعجاز. كان الظن أن الطغمة تعيش ايامها او اسابيعها الاخيرة. اغبياء نحن. هؤلاء المزمنون جداً اقوى من الآلهة. انهم سلالة اصلية. انهم صناديق المال بلا حلال. انهم فلاسفة الكذب الذي تصدقها الجباه التي تشبه النعال. الطغمة، اقوى سلطة بين انظمة الحكم السائدة. لقد اصيبت في مراكزها ومسؤولياتها ومواقعها واخلاقها وارتكاباتها وفضائحها وسرقاتها وانتهاكاتها وارتهاناتها ومؤامراتها.. ومع ذلك، فهي لا تزال الاقوى.. من ظنوا انهم كانوا على وشك احداث التغيير، تغيروا كثيراً. كثيرٌ منهم ارتد. عاد إلى قطيعه. دافع عن زعيمه. اتهم فقط الزعيم المنافس. عادت الاصطفافات المذهبية والطائفية الكارثية إلى الانتظام.
مؤلم إلى حد البكاء والنشيج، أن يقتصر الحضور على أهالي واصدقاء، ضحايا انفجار او تفجير المرفأ. الطعن بالتحقيق، وهو على ما يبدو، جدي وجريء، بلغ درجة الحقارة. كانوا وحيدين. الآخرون انقسموا بين تثبيت “الحصانات” وبين رفعها. مسكين القاضي الشاب. من كان معه؟ من وقف الى جانبه. قلة نادرة. أما الآخرون. المتحدرون من السلالات المذهبية الحقيرة، فإما صمتت، واما استنكرت وإما استفظعت. لذا الحصانات باقية، طالما لبنان ما زال على قيد موته غير المنجز.
كلمات. ما نفع الكلمات؟ تابعوا الشاشات اللبنانية. لم تنج من الانحياز والانتقاء. كل الشاشات مع “الثوار”. ولكن ” الثوار” انواع واصناف وازلام. شاشة تدافع عن زعيم واخرى تصمت عن مرتكب، ونادراً ما يتم التشهير بمرتكب. الأهم أن الشاشات لم تتوقف ابداً عن استضافة عشيرة او عشائر المرتكبين وزبانيتهم وكتابهم. لا أحد مع الناس الا قليلاً. سقط لبنان سقوطه الأخير. كل شاشة اتهمت خصمها الطائفي والسياسي بارتكاب الكارثة. فهناك من يسمي بري وهناك من يبرئه. حاكم مصرف لبنان لا يظهر على الشاشات المحلية. الكذب على الشاشات العربية والاجنبية، تنقذه من اللعنات. ثم لا ننسى. انه محظي ومدعوم من مرجعيات دينية ومذهبية مختلفة، ومدعوم من شاشات تعرف أن تاريخها يحمل بصمات وعطاءات مصرفية سخية. ثم لا ننسى، أن الدول القريبة المهتمة “بإنقاذ لبنان” من طبقته، تدعم الزعيم المالي لهذه الطبقة. فهو مقدس اميركياً وفرنسياً، وعلينا أن نبخره صبحاً ومساءً. ولولاه، لكان لبنان قد أفلس.
سؤال: وهل لبنان غير مفلس الآن؟ وهل ملائكة السماء وملائكة الفقراء، هم السبب في سرقة الاموال وإهدارها؟
كيف تطيقون أيها اللبنانيون هذا الاعتداء عليكم. انتظروا العقوبات الأقسى. وحدكم تدفعون الثمن مما ارتكبوه: ذلاً في طوابير البنزين. موتاً بحثاً عن دواء. فاقة تبحث عن رغيف.. نحن في الدرك الاسفل. الذي لا أسفل تحته، ومع ذلك، نحن منقسمون، باستثناء قلة فاضلة، حول من يتحمل مسؤولية الانهيار؟ ومن كان وراء تفجير المرفأ؟
انتظروا العقوبات الأقسى. وحدكم تدفعون الثمن مما ارتكبوه: ذلاً في طوابير البنزين. موتاً بحثاً عن دواء. فاقة تبحث عن رغيف.. نحن في الدرك الاسفل. الذي لا أسفل تحته، ومع ذلك، نحن منقسمون، باستثناء قلة فاضلة، حول من يتحمل مسؤولية الانهيار؟ ومن كان وراء تفجير المرفأ؟
أصدَقُ الكثيرين من سلالة الرفض الجذري، اولئك الذين قطعوا بالموقف الحازم والحاسم والدائم، مع شياطين الطغمة ومن لف لفها، دينياً وسياسياً وعائلياً. انهم اقوياء برغم ضعف الحشد. مبدئيون. ماضون إلى التغيير، ولو كان مستحيلاً. لبنان، يختلف عن كل البلدان. انه يدافع طائفياً، جماعياً، ضد كل محاولة تغيير. التغيير الوحيد المقبل، هو رسملة الطائفية المفلسة، بصيغة جديدة، مضمونة خارجياً. لبنان الطائفي أبدي. لبنان العلماني، الديموقراطي، العادل، الـ.. هو من المستحيلات. اللبنان الوحيد المتاح، هو لبنان الطائفي جداً، والمدعوم دولياً وعربياً وقد يكون إلهياً.. من يدري؟
حتى الآن، لم يكتمل نصاب التغيير. المجموعات المؤتلفة بصعوبة، ليست بسوية تحقيق التغيير وان كان ممكناً هذا التغيير، فكيف؟
يعول البعض الكثير من “الثوار” (والمزدوجان مقصودان) على الانتخابات المقبلة. مساكين. ألم يقرأوا القانون الانتخابي الفائت. لا قانون سواه ابداً. استبداله يحتاج إلى عقود، وصدقونا سيكون اسوأ. كل قوانين الانتخاب التي عرفها لبنان، انتقلت من سيء إلى اسوأ. الحالي، هو الاسوأ بين القوانين السالفة..
ثم.. لنفترض أن الانتخابات قد أجريت في مواعيدها. وهذا غير مرجح، هل تتصورون الجبل (الشوف وعاليه) من دون وليد جنبلاط؟ هل تتوقعون غير “الثنائي الشيعي ” الكاسح في الجنوب والبقاع والضاحية؟ هل تتصورون أن يعاقب السنة وحدهم زعيمهم سعد الحريري ام سيكافئونه لمعاركه المتأخرة ضد ميشال عون وجبران باسيل. وهي معارك بالصوت والصورة والمذهب والمرجعيات؟ هل تتصورون أن الموارنة سيعاقبون ميشال عون ومن معه، عقوبة مؤلمة. أكثريته قد تهتز ولكنها باقية. هل فريق القوات اللبنانية سيضعف ام سيقوى، وان قوي، فهل هو مع تطييف النظام المدني العالماني، ووقف المعارك الاقليمية في الساحة اللبنانية التي تستوعب كل الصراعات الاقليمية بفذاذة نادرة وأصيلة ومزمنة. “طول عمرو” لبنان ملعب تسدد فيه الاهداف في شباك المتصارعين على أرضه؟
قانون الانتخابات هذا، سيعيد انتاج هذه الكارثة. سيعودون، كما كانوا وأسوا.. لست يائساً ابدياً. اعترف ببعض الخروقات المدنية والعلمانية. لكن السد الطائفي المنيع، يحتاج الى ما لا اجرؤ على كتابته ابداً.
يا اصدقاءنا الذين انشغلوا بجنس الملائكة السياسي.
أيها الاصدقاء الذين يختلفون على الجملة والفاصلة، رجاء ردوا على علامة الاستفهام التالية:
“ماذا انتم فاعلون معاً.. اردد: معاً”.
حتى الآن لا شيء.
بانتظار ما سيحدث او لا يحدث، الموت يقرع الابواب. الجوع أقام داخل الابواب. اليأس يبَّس القلوب. لا أمل البتة. إلا، بإعادة استيلاد هذا اللبنان، بعد فوات الأوان.
لبنان باق؟ لا اشك في ذلك. سيبقى عذابنا الدائم. هل نحن باقون؟
اشك في ذلك.