أميركا ضلَّت طريقها في مكافحة الإرهاب.. وفشلت

منى فرحمنى فرح14/08/2021
وضعت الولايات المتحدة نفسها منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، على سكة ما أسمتها "الحرب على الإرهاب، أما النتيجة فهي إرتفاع مستوى "الإرهاب العالمي" وضحايا "الهجمات الإرهابية" أضعاف ما كانوا عليه قبل عقدين من الزمن، كما يقول الباحثان هال براندز (*) وميشال أوهانلون (**) في تقرير نشره موقع "فورين أفيرز" بتاريخ 12 الحالي.

“الحرب هي سلسلة من الكوارث التي تؤدي إلى انتصار”.

هذه واحدة من الأقوال الشهيرة المنسوبة لرئيس الوزراء الفرنسي الراحل جورج كليمنصو. قد تكون طريقة جيدة للتأمل في ملحمة الولايات المتحدة في “الحرب على الإرهاب”. فعلى مدى 20 عاماً، كافحت واشنطن (وفشلت في الغالب) من أجل خفض المستوى العام للإرهاب العالمي وخلق مناخ سياسي “أفضل” في العالم الإسلامي. وتحملت كذلك الغوص في مستنقعات خطرة وطاحنة، وتكبدت نكسات حادّة ومهينة في كثير من الأحيان. لكن، على المستوى الأساسي، حققت الولايات المتحدة هدفها الإستراتيجي: لقد منعت وقوع هجمات كارثية على أراضيها، وذلك بفضل تفوقها في تدمير شبكات الإرهابيين وزعزعة كل ما من شأنه أن يشكل “ملاذاً آمناً” لهم.

لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً مقابل تحقيق مثل هذا النجاح. ومع ذلك، فقد انخفض هذا الثمن بشكل دراماتيكي بمرور الوقت مع تطوير واشنطن لنهج أفضل لمكافحة الإرهاب. فبعد أن تعهدت بإلتزامات عسكرية غير مستدامة ومكلفة على نحو لا يمكن تحمله في كل من أفغانستان والعراق، اضطرت الولايات المتحدة للالتزام بالانسحاب من الشرق الأوسط بسرعة كبيرة والسماح للتهديدات القديمة بالظهور من جديد.

لكن منذ العام 2014 تقريباً، استقرت واشنطن على نموذج إستراتيجي جديد “البصمة المتوسطة الحجم” medium-footprint model، أي مكافحة الإرهاب بالاعتماد على استثمارات متواضعة، خصوصاً في ما يخص العمليات التي تنفذها عادة القوات الخاصة والقوة الجوية لدعم القوات المحلية التي تخوض عمليات القتال وتتعرض للموت. عندما يقترن هذا النهج بأدوات غير عسكرية، مثل التعاون الاستخباراتي وتفعيل جهود إنفاذ القانون والمساعدات الاقتصادية، فإن مثل هذه الاستراتيجية ستوفر حماية جيدة إلى حد ما وبتكلفة مقبولة.

“استراتيجية البصمة المتوسطة” ليست رصاصة فضية. إنها فقط تقدم حلولاً تدريجية ولكن غير كاملة للمشاكل السياسية الكامنة وراء العنف المتطرف. كما أنها تتطلب مقايضات مع أولويات أخرى، مثل التنافس مع الصين، وهي معرضة للخطر سياسياً بسبب ارتباطها بحروب طويلة محبطة. ومع ذلك، تشير تجربة العقدين الماضيين إلى أن “استراتيجية الأثر المتوسط” لا تزال أفضل الخيارات السيئة المتاحة للولايات المتحدة.

قلة فقط هم من توقعوا أن الولايات المتحدة ستنفق تريليونات الدولارات وتضحي بآلاف الأرواح في معركة عالمية لا نهاية لها ضد الإرهاب. وأنها ستمضي عقدين من الزمن تقاتل في أفغانستان، ومن ثم تضطر لتغادر هذا البلد فيما حركة طالبان لا تزال ناشطة وفعّالة وتتابع مسيرها

مكافحة مستدامة للإرهاب

من المؤكد أن الحرب على الإرهاب لم تسر كما كان يرغب صانعو السياسة في الولايات المتحدة. ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) مباشرة، قلة فقط هم من توقعوا أن الولايات المتحدة ستنفق تريليونات الدولارات وتضحي بآلاف الأرواح في معركة عالمية لا نهاية لها ضد الإرهاب. وأنها ستمضي عقدين من الزمن تقاتل في أفغانستان، ومن ثم تضطر لتغادر هذا البلد فيما حركة طالبان لا تزال ناشطة وفعّالة وتتابع مسيرها؛ وأنها ستغزو العراق في عام 2003، وتنسحب منه في عام 2011، ومن ثم بعد بضع سنوات ستضطر لإعادة قواتها إلى هناك مرة أخرى من أجل تدمير ما يُسمى بتنظيم “دولة الخلافة”، والذي ساهم في وجوده أخطاء ارتكبتها واشنطن بذاتها في وقت سابق.

في بعض الأبعاد، يمكن ببساطة وصف هذا الجهد بالفشل. إن المستويات الإجمالية للإرهاب العالمي الآن أعلى مما كانت عليه في عام 2001. واعتماداً على كيفية إجراء أحد المقاييس، فإن عدد الهجمات الإرهابية والأشخاص الذين يقتلهم الإرهابيون في جميع أنحاء العالم كل عام يبلغ ثلاثة إلى خمسة أضعاف ما كان عليه في العام 2011، برغم أن قلة من الضحايا هم أميركيون.

يعكس هذا الفشل فشلاً آخر: لقد حققت الولايات المتحدة نجاحاً ضئيلاً نسبياً في تغيير الظروف السياسية الأساسية في الشرق الأوسط الكبير وفي أجزاء من إفريقيا. لقد أدى النمو السكاني المتسارع، وانعدام الفرص الاقتصادية، وانتشار الفساد وسوء الحكم والإدارة إلى خلق حالة من عدم الاستقرار والقمع في جميع أنحاء هذه المنطقة الشاسعة. وجاءت التدخلات الأميركية، التي أسيء التعامل معها، خاصة في العراق وليبيا، لتساهم في تفاقم الأوضاع من سيء إلى أسوأ في بعض الأحيان.

“استراتيجية البصمة المتوسطة” أكثر استدامة وفعالية من أي شيء جرّبته واشنطن من قبل

وبالرغم من هذه النكسات، حققت الولايات المتحدة أهم أهدافها في الحرب على الإرهاب: منع وقوع هجمات كبيرة تتسبب بخسائر بشرية داخل الأراضي الأميركية. وعلى الرغم من أن إندونيسيا والمملكة العربية السعودية وإسبانيا والمملكة المتحدة عانت جميعها من هجمات إرهابية كبيرة في السنوات الأربع التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وتعرضت أوروبا لسلسلة من الهجمات بين عامي 2014 و2017، إلا أن عدد الأميركيين الذين قتلوا على يد جهاديين إرهابيين – منذ 11 أيلول (سبتمبر) – هم حوالي 100 قتيل فقط وهناك عدد ضئيل آخر من الأميركيين الذين قُتلوا على يد آخرين خلال العقدين الماضيين.

لقد عرفت الولايات المتحدة كيف تحمي نفسها من خلال المزج بين: إنفاذ القانون، تفعيل العمل الاستخباراتي، تنشيط الجهود الدبلوماسية، وتكثيف العمليات العسكرية ضد المنظمات الجهادية الأكثر خطورة. في أفغانستان والعراق والصومال وسوريا وأماكن أخرى، عمدت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إلى تعطيل أو تدمير الملاذات الآمنة التي أقامها ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة وفروعهما في الإقليم. كما طورت قدرة لا مثيل لها على قطع رأس المنظمات الإرهابية؛ وتقويض مصادر التمويل الخاصة بهم، ومحاصرة الجهات الداعمة لهم، وقادة العمليات؛ وإبقائهم تحت الضغط وعدم التوازن. وبحسب بعض التقديرات، فإن القوات الأميركية وحلفائها الدوليين قتلوا أو اعتقلوا 80 في المائة من قادة القاعدة ونشطائها في أفغانستان، حتى لو حل محلهم قادة جُدد!

كيف تمكنت الولايات المتحدة بالضبط من منع وقوع هجوم إرهابي كبير على أراضيها طوال فترة العقدين الماضيين؟

سؤال يبقى مثيراً للجدل. ولكن من الواضح أن هناك إجابة واحدة، وهي أن واشنطن ألحقت خسائر فادحة بأعدائها وأجبرتهم على التركيز والإنشغال في كيف يحمون أنفسهم والبقاء على قيد الحياة أكثر من كيف يتطورون ويتقدمون.

جاء هذا النجاح بسعر أعلى بكثير مما توقعه معظم صانعي السياسة في البداية، فوفقاً لتقدير متحفظ، هناك حوالي 4 تريليونات دولار من التكاليف المباشرة وغير المباشرة، و7000 قتيل عسكري أميركي، وتحويل انتباه الحكومة بعيداً عن أولويات أخرى تهم السياسة الخارجية الأميركية. لكن معدل الإنفاق انخفض بشكل ملحوظ في العقد الماضي.

ومنذ العام 2015، انخفض عدد الجنود الأميركيين الذين يُقْتَلون في أرض المعارك كل عام إلى العشرات أو أقل، مقارنة بالمئات الذين سقطوا في العراق وأفغانستان في ذروة الحروب هناك. وبينما كانت تلك الحروب تكلف ما يصل إلى 200 مليار دولار سنوياً، فإن التكلفة السنوية للحملة الأميركية ضد “داعش” خلال الفترة من 2014 إلى 2019 كانت مجرد بضعة مليارات من الدولارات.

إن الوجود العسكري الأميركي بأكمله في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مهمات مكافحة الإرهاب وردع إيران، يتراوح الآن بين 50 مليار دولار و60 مليار دولار سنوياً- أي حوالي ثلث ما كانت تكلفه هذه المهمات في فترة الذروة (خلال سنوات حكم جورج بوش الإبن الأخيرة وأوائل فترة حكم باراك أوباما). وبالقدر نفسه من الأهمية، لم تعد الحرب على الإرهاب نزيفاً استراتيجياً أو جرحاً دبلوماسياً. ومع تقليص واشنطن وجودها العسكري في الشرق الأوسط الكبير، تمكنت من التركيز بشكل أكبر على أولويات أخرى. باختصار، الحرب على الإرهاب لم تعد تُكلف ما كانت تُكلفه في السابق، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الولايات المتحدة وجدت نهجاً أكثر استدامة يركز على إدارة المشكلات المُستعصية بدلاً من حلّها، أو ببساطة الابتعاد عنها.

مستوى الإرهاب العالمي الآن أعلى مما كان عليه عام 2001.. وضحايا الهجمات الإرهابية 3- 5 أضعاف ما كانوا عام 2011

جزّ العشب

التجارب السابقة والوقوع في الخطأ هو ما ولَّد هذه الاستراتيجية. في العقد الذي تلا الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وجدت الولايات المتحدة أن التدخلات ذات الأثر الثقيل مثل تلك التي حدثت في العراق وأفغانستان كانت وصفة للإرهاق والاستنزاف العسكري والاستراتيجي. في الوقت نفسه الأثر الخفيف جداً في مكافحة الإرهاب يمكن أن يؤدي إلى انتكاسات كارثية.

إقرأ على موقع 180  خنادق الإعلام.. ومجتمع النعاج!

فعندما انسحبت الولايات المتحدة بالكامل من العراق في عام 2011 وخفضت عمليات مكافحة الإرهاب في أماكن أخرى، ساهمت في خلق فراغ أمني خطير. فالانسحاب من العراق، على وجه الخصوص، والفوضى التي أحدثتها الحرب الأهلية في سوريا، أديا إلى تأجيج صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي غزا مناطق في العراق وسوريا وزعزع استقرار مساحات شاسعة من الشرق الأوسط.

كانت الزبدة إطلاق “استراتيجية ذات بصمة متوسطة”، والمقصود منها أن تكون عدوانية ومحدودة (في المساحة والزمن) في الوقت نفسه. تضمنت هذه الاستراتيجية الاستخدام المباشر للقوة العسكرية الأميركية – لا سيما قوات العمليات الخاصة والطائرات بدون طيار والقوات الجوية المأهولة – ضد “داعش” والجماعات الإرهابية البارزة الأخرى. لكنها استخدمت هذه الأدوات وغيرها (مثل المهام التدريبية والاستشارية والاستخبارات واللوجستيات) في المقام الأول لتمكين القوات المحلية التي يمكنها السيطرة على الأرض. فعلى سبيل المثال، شكلت كل من قوات الأمن العراقية وجهاز النُخبة لمكافحة الإرهاب في بغداد وطاقم متنوع من الحلفاء الأكراد والعرب في سوريا، الغالبية العظمى من القوات البرية التي قاتلت إلى جانب الأميركي في الصراع ضد “داعش”. في الوقت نفسه، اعتمد البنتاغون نهجاً مشابهاً في أفغانستان. فقد استخدم مزيجاً من العمل العسكري المباشر ودعم القوات الحكومية لاستهداف “القاعدة” (ولاحقاً “داعش”) مع إبقاء “طالبان” تحت السيطرة.

سمح هذا النهج للولايات المتحدة بالحفاظ على موطئ قدم عسكري إقليمي ضروري لمواصلة الضغط على الجماعات المتطرفة والاستعانة بمصادر خارجية لسد التكاليف البشرية والعسكرية الكبيرة من الشركاء والحلفاء.

كما استفادت من بعض المزايا الفريدة التي تتمتع بها، مثل الطائرات بدون طيار وقوات العمليات الخاصة، لشن حملات عسكرية أكبر بكثير. وفي الوقت نفسه، خفضت التوقعات السياسية – غير الواقعية التي كانت تتأمل بها البلدان المضيفة، ووعدت بإجراء تحسينات هامشية فقط، مثل تمكين الزعماء المحليين غير الطائفيين في العراق، كمدفوعات مقدمة محتملة لإصلاحات أعمق بمجرد استقرار الظروف.

بشكل عام، كانت “استراتيجية البصمة المتوسطة” أكثر استدامة وفعالية من أي شيء جربته واشنطن من قبل.

بالطبع لهذه الاستراتيجية الكثير من المشاكل أيضاً. ففي أفغانستان، لم تستطع الاستراتيجية كسر الجمود مع “طالبان”: في أحسن الأحوال، أبقت الضغط على “القاعدة” و”داعش” ومنعت “طالبان” من هزيمة الحكومة.

وفي سوريا، لم يستطع النهج الأميركي حل المشكلات الأساسية التي تفرضها الحرب الأهلية الشرسة الدائرة هناك. كما أنه لم يستطع أن يحفز التحسينات الدراماتيكية الهائلة في الاستقرار السياسي والحكم الفعَّال التي كان من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بفك الارتباط وبأمان من المناطق المتنازع عليها.

“إستراتيجية البصمة المتوسطة” تشبه ما يسميه القادة الإسرائيليون “جز العشب” – فهو يحقق نتائج فقط إذا تكرر إلى أجل غير مسمى. لقد أصبحت الحاجة إلى المثابرة تبدو أكثر إرهاقاً بمرور الوقت، كما أكد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب من أفغانستان. ازدادت قوة الجذب في المحيطين الهندي والهادئ مع اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، نظراً لأن التكاليف الأولية للحرب على الإرهاب كانت باهظة جداً، فقد أصبح من الصعب الحفاظ على التزامات عسكرية أقل دون إثارة اتهامات بإدامة “حروب أبدية” لا طائل من ورائها.

ويبدو أن الزيادة غير المجدية للقوات الأميركية في أفغانستان في عام 2009 قد أثرت على قرار الرئيس بايدن بإنهاء المهام العسكرية هناك، تماماً كما بدا أن السنوات الأولى المأساوية في العراق أثرت على قرار الرئيس باراك أوباما بسحب جميع القوات الأميركية من ذلك البلد في عام 2011.

الولايات المتحدة حققت أهم أهدافها في الحرب على الإرهاب: منع الهجمات الكبيرة التي تُوقع إصابات بشرية على أراضيها

لعبة المبارة الطويلة

هذه الأولويات المتنافسة وتكاليف المثابرة حقيقية، لكنها ليست أسباباً لواشنطن للتخلي عن نهجها الحالي في مكافحة الإرهاب. لسبب واحد، فإن المقايضة بين مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى ليست محصلتها صفراً.

الالتزامات العسكرية المطلوبة للحفاظ على التقدم في مكافحة الإرهاب أصبحت متواضعة نسبياً. وعادة يشارك فيها فقط بضعة آلاف من الجنود في بلد معين، ومعظمهم لا يشهد قتالاً برياً بشكل منتظم، ويعتمدون على دعم أساسي من القوة الجوية القادرة على توجيه آلاف الضربات سنوياً في ظروف معينة. الالتزامات بالقوات والموارد لا تنتقص من قدرة الولايات المتحدة على إبراز قوتها في آسيا، كما أن الوجود العسكري الأميركي الأوسع في الشرق الأوسط يتيح في الواقع فرض نفوذ على الصين، مما يمنح واشنطن القدرة على خنق إمدادات الطاقة في بكين في حالة الحرب وبالتالي تعزيز الردع.

علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى حد أدنى من الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير – وحد أدنى من الأمان ضد التهديدات الإرهابية – حتى تستطيع التركيز وبشكل صحيح على التحديات التي تواجهها مع الصين وروسيا. بدون ذلك، فإن واشنطن أكثر ما يخيفها هو “تأثيرات يو-يو” اللعين “yo-yo effect”  (نوع من النظام الغذائي، يُطلق عليه أيضاً “دورة الوزن”،  يساعد في إنقاص الوزن، ولكن بمجرد العودة إلى النظام الغذائي الطبيعي يستعيد الجسم ما فقده وأكثر- فجأة وبسرعة). وبالمثل، قد يؤدي أي انسحاب للقوات إلى تصاعد التهديدات التي قد تتطلب بعد ذلك تدخلاً متجدداً وبأثمان أكبر. هذه صيغة للفشل في مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى على حد سواء.

يشير تاريخ السنوات العشرين الماضية إلى أنه على الولايات المتحدة السير على خطاها الخاصة لجهة وضع أفضل ما لديها على مستوى التحكم بضبط النفس وتنظيم المهارات وصقلها. الإفراط في التمدد قد يؤدي حتماً إلى الإحباط وتبديد الموارد المحدودة. كذلك، فإن الانسحاب التام والمباشر يمكن أن يُعرض للخطر مهام مكافحة الإرهاب والمصالح الأمنية الإقليمية التي لا تزال مهمة للناخبين الأميركيين والاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.

وطالما استمر تهديد الجماعات الجهادية الإرهابية في شكله الحالي، تحتاج الولايات المتحدة إلى نهج لمكافحة الإرهاب يسمح لها في الوقت نفسه تجنب التدخلات المرهقة والإنسحاب المدمر.

“استراتيجية الأثر المتوسط” ليست حلاً مثالياً لمشكلة الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الجهادي بشكل مستمرة

أخيراً، ليس أمام الولايات المتحدة من خيار سوى الخوض في لعبة طويلة الأمد في ما يتعلق بالإصلاح السياسي. فمن دون تحقيق الاندماج السياسي للمجتمعات المحلية وتحقيق الاستقرار في العالم الإسلامي، لن يكون هناك مفرٌ من دورة التهديدات المتكررة والإضطرار للإستجابة لصد هذه التهديدات.. وهو الوضع الذي وجد آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة أنفسهم محاصرين فيه.

ولكن، كما تعلمت الولايات المتحدة من دروس أفغانستان والعراق، فإن السعي إلى تسريع وتيرة التغيير بشكل كبير ينطوي على مخاطر وتكاليف هائلة. النهج المعقول الوحيد هو تعزيز التحسين البنَّاء على الهامش، مع الاعتراف بأن الدافع الأساسي للإصلاح يجب أن يأتي من داخل المجتمعات الإسلامية نفسها.

تتطلب هذه الإستراتيجية الصبر، ولكن كما أظهر تاريخ الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة لديها القدرة على التحلي بصبر استراتيجي أكثر مما ينسبه لها الخبراء والنُقَّاد في بعض الأحيان.

“استراتيجية الأثر المتوسط” ليست حلاً مثالياً لمشكلة الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الجهادي بشكل مستمرة. لكن لا يوجد حل مثالي. ربما يكون الدرسان الأكثر أهمية في العشرين سنة الماضية هو أن جميع خيارات الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب غير كاملة، وأنه على الرغم من أن الأمور تبدو سيئة في الشرق الأوسط الكبير، فإنها دائماً يمكن أن تزداد سوءاً.

مع وصول الولايات المتحدة إلى مرحلة تاريخية في الحرب على الإرهاب، عليها أن تعترف بالأخطاء التي وقعت – وعليها أيضاً أن تحافظ على الاستراتيجية التي سمحت لها بالحصول على قدر معقول من “الصح”.

(*) هال براندز، أستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية، وباحث مقيم في معهد “أميريكان إنتربرايز”، وكاتب عمود في بلومبرغ.

(**) مايكل أوهانلون، مدير قسم الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز ومؤلف مفارقة سينكاكو: المخاطرة بحرب القوى العظمى على المخاطر الصغيرة.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  لا توافق عربياً على عودة دمشق.. و"التسعة" يجتمعون في عمّان خلال أسبوع