إخراج سوريا من العزل.. تقاطع مصالح أميركية -روسية؟

منذ أن سهّلت روسيا في مجلس الأمن في 9 تموز/يوليو الماضي صدور قرار بتجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى التركي إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، يدور سؤال لا إجابة يسيرة عليه، حول الثمن المقابل الذي تقاضته موسكو.    

يومذاك بدا أن الضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً على نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة جنيف في 16 حزيران/يونيو، هو الذي أتاح تجديد قرار مجلس الأمن. كان ذاك إنطباعاً لا يتفق مع التعامل بين الدول، وأن لا تنازلات بالمجان.

من يراقب حركة الإنفتاح الأردني على سوريا بعد زيارتين بفارق شهر للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لكل من الولايات المتحدة وروسيا في تموز/يوليو وآب/أغسطس على التوالي، لن يجد صعوبة في الربط بين التسامح الأميركي وخطوات عمان المتسارعة نحو سوريا من زيارة وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب للأردن، إلى معاودة رحلات الخطوط الجوية الملكية وفتح معبر جابر- نصيب البري بين البلدين، متجاوزاً “قانون قيصر”. والملاحظ أن عبدالله الثاني لم يكتفِ بلقاء بايدن، بل بحث الملف السوري مع قادة الكونغرس الذي يُظهرون تصلباً حيال دمشق أكثر من البيت الأبيض.

الإندفاع الأردني إصطدم بأحداث درعا الأخيرة، لكن روسيا التي تنسّق خطواتها مع عمان، سارعت إلى نزع فتيل الإنفجار في الجنوب السوري، وأبرمت تسويات جديدة إستكملت بها تسويات 2018، مما مهد لفتح المعبر بين الأردن وسوريا. وليس هذا فحسب، بل إن الربط الكهربائي بين الأردن ولبنان عبر سوريا، لا يمكن إنجازه إذا لم تتوافر بيئة آمنة في جنوب سوريا.

قد تكون أميركا مستعدة لتقديم بعض التنازلات لروسيا في سوريا، الأمر الذي أتاح الإنفتاح الأردني والمصري واللبناني واللقاءات التي جمعت سبعة وزراء خارجية عرب بنظيرهم السوري فيصل المقداد على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة

وإلى الأردن، تبدي مصر حماسةً للتطبيع العربي مع سوريا والعمل لإعادتها إلى جامعة الدول العربية، بينما سبق أن عاودت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان فتح سفاراتها في دمشق، ولا تخفي الجزائر رغبتها في أن تكون القمة العربية التي تستضيفها نقطة تحول في العلاقات العربية حيال سوريا.

لكن مثل هذه الإنعطافة لن تحدث من دون ضوء أخضر أميركي. فهل ثمة ملامح لتعديل أو تغيير في الموقف الأميركي حيال دمشق؟

لا يوجد في العلن ما يوحي بتعديل أو تغيير في موقف واشنطن، وكل ما يتلمسه المراقبون هو غياب رد فعل أميركي رافض للتطبيع الأردني والمصري الجاري حالياً مع دمشق. ذلك، يقود إلى إستنتاج بأن هذا هو المقابل الذي حصلت عليه روسيا من أميركا عندما وافقت على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى التركي في تموز/يوليو المنصرم.

ومعلوم أنه سبق لروسيا أن تولت قبل ثلاثة أعوام مسألة إقناع الدول العربية ودول في الإتحاد الأوروبي، برعاية عودة اللاجئين إلى سوريا والبدء في إعادة الإعمار، بعدما تمكنت الحكومة السورية من إسترداد أكثر من 70 في المئة من مساحة سوريا. إلا أن المسعى الروسي إصطدم بفيتو أميركي، وبتصعيد في العقوبات وصولاً إلى تطبيق “قانون قيصر”، بينما يحول إنتشار نحو 900 جندي أميركي في شمال شرق سوريا، دون إستغلال سوريا ثروتها النفطية التي تتركز في دير الزور والرقة والحسكة.

والسؤال البديهي، هل باتت روسيا تملك اليوم من الأوراق، ما يُمكنها من إقناع أميركا برفع “الفيتو” عن التطبيع العربي مع سوريا؟

هنا لا يكفي النظر إلى ما يحصل في سوريا وحدها أو في الجوار القريب، وإنما يتعين القيام برصد أوسع لخريطة المتغيرات بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة حركة طالبان إلى الحكم.

قبل يومين، إنعقدت في جنيف جولة ثانية من “الحوار الإستراتيجي” بين الولايات المتحدة وروسيا. تمثلت أميركا بنائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان بينما تمثلت روسيا بنائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، وكان عنوان هذه الجولة هو البحث في إمكان خفض الترسانة النووية للبلدين.

يتعين إنتظار القمة العربية المقبلة في الجزائر وما ستسفر عنه بالنسبة لموضوع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وفي الوقت نفسه مراقبة مآلات الإنتشار العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا

وفي موازاة نقاشات جنيف، كان رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي يدلي بشهادة في الكونغرس، يؤكد فيها أن محاربة تنظيم “القاعدة” في أفغانستان باتت “شبه مستحيلة” بعد الإنسحاب الأميركي من هذا البلد، وأن إتصالات تجري مع روسيا بغية إستخدام القواعد العسكرية الروسية في جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة، كي تتمكن أميركا من ملاحقة “القاعدة” و”داعش” في أفغانستان.

إذن، هناك حاجة أميركية إلى تعاون روسي في أفغانستان، بينما “الحوار الإستراتيجي” في جنيف يفتح الباب أمام توافقات بين واشنطن وموسكو تمتد من خفض الأسلحة النووية إلى معالجة أزمات دولية ساخنة، على غرار ما كان يجري إبان الحرب الباردة. تلك الحرب لم تمنع التأسيس لمراحل من التوافق بين الدولتين العظميين.

إقرأ على موقع 180  لا الصاروخ ولا القنبلة.. إنها المفاتيح يا عزيزي جو!

أيضاً، يجب عدم تجاهل مسألة مهمة، تتعلق بالتركيز الأميركي على المواجهة مع الصين. وكثير من السياسيين والمراقبين الأميركيين، يحذرون من معاداة الصين وروسيا في وقت واحد، لأن ذلك سيترتب عليه خطأ إستراتيجي في السياسة الخارجية.

وفي غمرة التصعيد مع الصين وتأسيس الأحلاف ضدها من “أوكوس” إلى “كواد” وإهتزاز ثقة الأوروبيين بحلف شمال الأطلسي والدفع الفرنسي نحو تطبيق فكرة قيام دفاع أوروبي مستقل، بعد الإنهيار الأفغاني وأزمة الغواصات مع أوستراليا، قد تجد واشنطن أن المرحلة تقتضي تنازلاً في مكان ما لروسيا.

وإذا أبحنا لأنفسنا بعض التصرف في التحليل، قد تكون أميركا مستعدة لتقديم بعض التنازلات لروسيا في سوريا، الأمر الذي أتاح الإنفتاح الأردني والمصري واللبناني واللقاءات التي جمعت سبعة وزراء خارجية عرب بنظيرهم السوري فيصل المقداد على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.

ثم كان لافتاً للنظر أن بوتين عاجل فور خروجه من الحجر الصحي بسبب كورونا، إلى إستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للبحث في مسألة إدلب (وللمفارقة كان الرئيس السوري بشار الأسد آخر من إستقبله بوتين قبل الحجر). وكأن التسوية التي أرستها موسكو جنوباً، تريد مثيلاً لها في الشمال. وهذا لن يتم إلا بالتنسيق مع أنقرة. وفي وقت لا يزال من المبكر الحكم على ثمار قمة سوتشي، يجب ملاحظة تزايد نشاط الطيران الروسي في المنطقة.

ولا يغيب عن البال أيضاً في مجال تأكيد الدور الروسي في سوريا، التساؤلات التي طرحها أكثر من مسؤول إسرائيلي، حول تزايد فعالية الصواريخ السورية في التصدي للصواريخ الإسرائيلية في الآونة الأخيرة. وسائل الإعلام الإسرائيلية عكست عدم الإرتياح في تل أبيب للمسألة التي إستدعت زيارة عاجلة من وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى موسكو.

ومع ذلك، لا يمكن الذهاب في التفاؤل أكثر من اللازم، ويتعين إنتظار القمة العربية المقبلة في الجزائر وما ستسفر عنه بالنسبة لموضوع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وفي الوقت نفسه مراقبة مآلات الإنتشار العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  بايدن على أرض الدماء.. أنا صهيوني!