يُعد دخول البيت الأبيض صعبا إلى حد كبير نظرا لضخامة عدد الصحفيات والصحفيين المعتمدين فى واشنطن، إذ يقدر عددهم بعدة آلاف، من ضمنهم عدة آلاف من الصحفيات والصحفيين الأجانب. ودخول البيت الأبيض حاليا خلال عهد الرئيس جو بايدن يختلف عن دخوله خلال عهود الرؤساء السابقين الجمهورى جورج بوش والديمقراطى باراك أوباما والجمهورى دونالد ترامب.
أتحدث هنا عن دخول المركز الصحفى الملحق بالبيت الأبيض والذى أذهب إليه بدون انتظام خلال حكم الإدارات الثلاث الأخيرة. وبجانب المركز الصحفى حضرت عدة مؤتمرات صحفية للرؤساء بوش وأوباما وترامب عقدت داخل الغرفة الشرقية، أكبر غرف البيت الأبيض وأكثرها فخامة، فى مناسبات عدة. ولا يحصل على بطاقة الصحافة الدائمة الخاصة بالبيت الأبيض إلا ممثلات وممثلو كبار وسائل الإعلام الأمريكية المرئية والمكتوبة على غرار أسوشيتد برس، ونيويورك تايمز وفوكس نيوز، كذلك يستطيع ممثلو وممثلات وسائل الإعلام الأجنبية الحصول على هذه البطاقة إذا استوفت بعض الشروط التى من أهمها أن يتم تخصيص مراسل أو أكثر يتفرغون لتغطية البيت الأبيض، بحيث يتواجد فى المركز الصحفى يوميا ويغطى أحداث البيت الأبيض بصورة منتظمة، وهى شروط تتطلب جهة إعلامية ضخمة ذات موارد كبيرة.
***
تميز المؤتمر الصحفى للبيت الأبيض خلال عهدى بوش وأوباما بالملل؛ إذ إن أغلب الأسئلة يتم الرد عليها بطريقة دبلوماسية وسطية دون التصريح بأخبار أو أنباء جديدة أو عاجلة. لم يوفر المؤتمر الصحفى فرصة للصحفيين والصحفيات للحصول على إجابات غير معلومة مسبقا لأسئلتهم. وتعلق الأمر بوجود إدارات منضبطة ومنظمة على قمتها رئيس لا يتحدث إلا بحساب، وبعدما يكون استمع لكبار مستشاريه. لكن الوضع تغير بصورة دراماتيكية مع وصول ترامب للبيت الأبيض، وعدم توقفه عن كتابة تغريدات مثيرة للجدل، ورفضه الانصياع لآراء ونصائح مستشاريه قبل الإدلاء برأيه فى القضايا الخلافية المثيرة. وعاد الملل التقليدى للمكتب الإعلامى بالبيت الأبيض بعد وصول جو بايدن للحكم فى كانون الثاني/يناير الماضى.
خلال عهد ترامب شاهدنا معارك كلامية وصدامات متكررة بين الرئيس ذاته وعدد من الصحفيين الذين استغلوا تلقائية ترامب فى التعامل مع الصحفيين وسجلوا العديد من النقاط. وعلى الرغم من تفوه ترامب فى عدة مناسبات بألفاظ وعبارات غير لائقة تجاه بعض الصحفيين، لم يمانع الصحفيون، بل تعمدوا استفزاز ترامب لإطالة أمد النقاش والسجال مع رئيس أقوى دولة فى العالم.
وأضافت طبيعة ترامب المزيد من الدراما على المؤتمر الصحفى اليومى للبيت الأبيض والذى حضره ترامب عشرات المرات خاصة بعد تفشى وانتشار فيروس كورونا.
السؤال الأهم الذى يطرح بين الصحفيات والصحفيين الأمريكيين وزملائهم غير الأمريكيين يتعلق بهوية من يدير البيت الأبيض خاصة مع إدراك الكثير منهم بقدرات بايدن المتواضعة إضافة لاعتبارات عمره المرتفع وصحته المعتلة
وخرجت تصريحات وتغريدات للرئيس ترامب تتهم عددا من أهم وسائل الإعلام الأمريكية بالعداء مع الشعب الأمريكى.
وبعد انتهاء حكم ترامب عاد الانضباط لعلاقة البيت الأبيض والصحافة الأمريكية والتى أصبحت أقل مهنية فى تناول أحداث وسياسات ومواقف إدارة جو بايدن. ولا تتعمق ولا توجه وسائل الإعلام التقليدية الشهيرة، مثل شبكة «سى إن إن» أو «أم أى أن بى سى» أو صحف مثل واشنطن بوست أو نيويورك تايمز أسئلة حادة أو صعبة على «جين ساكى» المتحدثة باسم البيت الأبيض، والتى تعد كل إجاباتها مملة ومتوقعة، على الرغم من سوء تقديرها ورفضها الإجابة على العديد من الأسئلة الصعبة من وسائل الإعلام المحافظة القريبة من الحزب الجمهورى.
***
ويمثل غياب ظهور الرئيس بايدن كثيرا فى المؤتمر الصحفى اليومى بالبيت الأبيض ظاهرة جديرة بالرصد. فقد يكون لكبر سن بايدن أو الخوف من ارتباكه فى الإجابة على أسئلة صعبة مبرر ليدفع كبار مستشاريه بعدم ضرورة مواجهته للإعلام، وترك هذه المهمة لكبار مساعديه، وهذا يعد نقيضا كاملا من شجاعة ترامب فى مواجهة الإعلام المعادى له بصورة متكررة.
إلا أن السؤال الأهم الذى يطرح بين الصحفيات والصحفيين الأمريكيين وزملائهم غير الأمريكيين يتعلق بهوية من يدير البيت الأبيض خاصة مع إدراك الكثير منهم بقدرات بايدن المتواضعة إضافة لاعتبارات عمره المرتفع وصحته المعتلة.
ويقتنع الكثيرون والكثيرات أن بايدن لا يدير البيت الأبيض بنفسه، ولا يعرف تفاصيل مهمة معقدة عن قضايا كثيرة. ويرتبط بهذا خريطة جديدة داخل الدائرة القريبة للرئيس بايدن، ولا يعرف أحد حتى الآن طبيعة علاقات التنافس والتعاون بينهم. ويتركنا ذلك متسائلين ونحن داخل أروقة البيت الأبيض عن هوية سيد البيت الأبيض الحقيقى. أسماء عديدة على رأسها رون كلاين، رئيس موظفى البيت الأبيض، أو حتى سوزان رايس، مستشارة بايدن للسياسة الداخلية. ويعمل كلاين إلى جانب بايدن منذ سنوات طويلة، وهو يشغل المرتبة الثانية فى البيت الأبيض، وسبق له أن شغل منصب رئيس مكتب نائب الرئيس السابق آل غور خلال إدارة كلينتون. فى حين عملت رايس مستشارة للأمن القومى للرئيس السابق أوباما، كما خدمت كسفيرة لبلادها فى الأمم المتحدة.
فى الوقت ذاته، لا يستبعد البعض قيام وزير الخارجية السابق جون كيرى، والذى يتحمل مهام التغيرات المناخية فى البيت الأبيض، لعب دور أكبر من منصبه فى إدارة الشئون اليومية بالبيت الأبيض. وتزامل كيرى مع بايدن لسنوات طويلة فى مجلس الشيوخ وتحديدا فى لجنة العلاقات الخارجية، كما تزاملا فى البيت الأبيض أثناء سنوات حكم الرئيس السابق باراك أوباما.
المؤكد أننا لا نعرف بعد، حتى على الرغم من وجودنا على بعد خطوات من كل هؤلاء، من يدير، أو من يديرون، الشئون اليومية بالبيت الأبيض.
(*) بالتزامن مع “الشروق“