فكرة “الإتفاق المؤقت” ليست بجديدة. طرحت في الأسابيع الأخيرة، خلال مداولات عديدة بين واشنطن وتل أبيب قادها كل من مستشاري الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والإسرائيلي ايال هولتا، بعدما تيقن الجانبان أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا يمكن أن تلزم نفسها بتفاهمات قابلة للنقض مع بدء العد العكسي للإنتخابات النصفية في مثل هذه الأيام من العام 2022، فضلاً عن أن مفاعيل الإتفاق النووي الموقع عام 2015 تشارف على نهايتها، ذلك أن معظم القيود النووية المفروضة على إيران تنتهي عام 2025، وفي هذا التاريخ، إما يكون بايدن (أو من يختاره الديموقراطيون) قد فاز بالإنتخابات الرئاسية أو سلّم منصب رئاسة الولايات المتحدة إلى رئيس جديد ينتمي إلى الحزب الجمهوري.
وفي الوقت نفسه، باتت المطالبة بعودة إيران إلى ما كانت عليه عام 2015 ضرباً من الخيال في ضوء ما حققته إيران من “فرص” نووية خلال العام المنصرم. وثمة إعتقاد أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يفضي إلى إنتاج أول قنبلة نووية إيرانية، وهذا الخيار، وبرغم الضوابط الشرعية التي وضعها الإيرانيون لتحريم الوصول إليه، يبقى “أقل خطورة بكثير من إحتمال لجوء إيران إلى استخدام العلوم النووية التي بلغتها لمصلحة تطوير أسلحتها التقليدية غير النووية، حيث يمكن لطهران إستخدام تقنياتها النووية في تطوير القوة التدميرية لصواريخها البالستية، على سبيل المثال لا الحصر، وهذا لا يُعتبر إنتهاكاً لقوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على حد تعبير أحد المتابعين للملف التفاوضي.
تحظى فكرة “الإتفاق المؤقت” بدعم أوروبي على أن يكون مقدمة للتوصل إلى إتفاق نووي جديد بين إيران وأميركا والدول الأوروبية وروسيا عام 2025
على هذا الأساس، تكثفت المشاورات بين الأميركيين وباقي شركائهم، من أجل بلورة فكرة التوصل إلى إتفاق سياسي مرحلي مع إيران في الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، بوصفه “أفضل الحلول المتاحة”، وفي حال لم تنجح الدول المجتمعة في التوصل إلى مثل هذا الإتفاق، تلجأ الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا وإنكلترا) إلى تفعيل “آلية فض النزاع” (Snapback mechanism) بهدف ممارسة المزيد من الضغط على طهران.
إستناداً إلى ما تقدم، تحظى فكرة “الإتفاق المؤقت” (المرحلي) بدعم أوروبي على أن يكون مقدمة للتوصل إلى إتفاق نووي جديد بين إيران وأميركا والدول الأوروبية وروسيا عام 2025، لكن يبقى الأهم: ما هو مضمون “الإتفاق المرحلي” المزعوم؟
وفق المعلومات الأولية، يتضمن إقتراح الإتفاق المتداول بين أميركا والدول الأوروبية العناصر الآتية:
أولاً؛ يبادر الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن خلال الصلاحيات التي يمنحه إياها الدستور الأميركي، إلى تعليق العقوبات المفروضة على إيران كل ثلاثة شهور، وبالتالي، يسمح لإيران بالحصول على بعض أموالها المجمدة في الخارج في إطار تأمين السلع الأساسية والحيوية للشعب الإيراني، وتحصل إيران على حق بيع النفط وإجراء تبادلاتها التجارية والمصرفية بحرية تامة، وبعبارة أوضح يمكن القول إن هذه الخطوة هي بمثابة تعليق مؤقت للقسم الأكبر من العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران.
ثانياً؛ تُجمد إيران برنامجها النووي عند النقطة التي وصل إليها وتقوم ببيع مدخراتها من اليورانيوم المخصب التي تفوق إحتياجاتها، وتوقف تخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى من النسبة التي تحتاجها لأغراض صناعية وعلمية (سلمية) وتفتح الباب أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بمهامهم وفق الآلية نفسها التي كانوا يعتمدونها قبل أن تُعلّق إيران الإلتزام بتعهداتها في الإتفاق النووي.
ثالثاً؛ يكون هذا الإتفاق ساري المفعول حتى نهاية الولاية الرئاسية الحالية للرئيس بايدن وفي حال فوز الديموقراطيين في الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة يتم توقيع إتفاق نووي جديد بين إيران وأميركا في إطار 5+1 أي نكون أمام “الإتفاق النووي 2″، وفي حال فوز الجمهوريين، يتخذ كل من الطرفين القرار الذي تفرضه الظروف والتطورات في الوقت المناسب.
عبدالله بن زايد اقترح على الأسد استئناف المفاوضات مع اسرائيل من حيث توقفت قبل 13 عاماً، وذلك بهدف تسريع عملية إعادة إعمار سوريا، مقابل إبتعاد المستشارين الإيرانيين وحلفائهم عما يسمى “الخط الإستراتيجي لاسرائيل”، أي بشعاع 80 كيلومتراً.. وذلك من أجل تجنب الحملات الجوية الإسرائيلية
وحسب المصادر ذاتها فإن روسيا والصين لا تعارضان هذا الإتفاق، وهما أبلغتا المبعوث الأميركي روبرت مالي بموقفهما، إلا أن روسيا تؤكد أن هذه الخطوة يجب أن تكون في سياق عودة أميركا إلى الإتفاق النووي وبأن يكون قرار تنفيذ الإتفاق المؤقت قراراً جماعياً ومشتركاً بين 5+1 وإيران، وذلك بهدف تجنب حصول أي خلل في الإتفاقات الدولية، لأن روسيا تعتقد أن عدم الإهتمام بالمعاهدات الدولية سوف يُعرّض الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم للخطر، وحسب هذه المصادر أيضاً، فإن اسرائيل والدول الإقليمية الحليفة لأميركا وافقت على هذا الإتفاق، وهذا ما دفع وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان إلى زيارة دمشق ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد قبل حوالي الأسبوعين.
ووفق المعلومات المتداولة في طهران، فإن عبدالله بن زايد اقترح على الأسد استئناف المفاوضات مع اسرائيل من حيث توقفت قبل 13 عاماً، وذلك بهدف تسريع عملية إعادة إعمار سوريا، مقابل إبتعاد المستشارين الإيرانيين وحلفائهم عما يسمى “الخط الإستراتيجي لاسرائيل”، أي بشعاع 80 كيلومتراً.. وذلك من أجل تجنب الحملات الجوية الإسرائيلية!
الجدير ذكره أن هذه المفاوضات جرت عام 2008 في اسطنبول في حقبة رئيس الوزراء الأسبق ايهود أولمرت بوساطة تركية، على قاعدة السلام مقابل الأرض، غير أنها لم تحقق الهدف المرجو منها.
وثمة إعتقاد أن زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق مؤشر على أن الجولة السابعة من مفاوضات فيينا ستفضي إلى نتائج إيجابية وسوف تؤثر على الأجواء السياسية في المنطقة، وإنطلاقاً من هنا أيضاً من المتوقع أن تشهد مفاوضات أستانة المقبلة أيضاً تطورات جديدة من قبل إيران وروسيا.
وسوف يسمح “الإتفاق المؤقت” للفريق الإيراني المفاوض برئاسة علي باقري كني أن يقنع الرأي العام الإيراني بأن الإتفاق هو نتيجة السياسة الجديدة لحكومة ابراهيم رئيسي وليس امتدادا لسياسة الرئيس حسن روحاني.
وحسب التقديرات الأوروبية، فإن إيران في حال موافقتها على هذا الإتفاق يمكنها إجراء تبادلات مالية وتجارية تقدر بنحو 300 مليار دولار حتى الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024 موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة (رفض الإيرانيون أي تقييد لشروط سحب أموالهم).
وتشير المعلومات إلى أنه خلال اللقاء الأخير الذي جمع الدبلوماسي الإيراني علي باقري كني بنظرائه الأوروبيين، طالبت الدول الأوروبية بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية في الجولة السابعة من المفاوضات بهدف التوصل إلى نتائج سريعة إلا أن الجانب الإيراني رفض هذا الإقتراح وأصر على أن تلعب الدول الأوروبية دور الوساطة بين الطرفين (مفاوضات غير مباشرة).
وحسب الأخبار المتواترة، فإن الدول الأوروبية أكدت لعلي باقري كني أن بايدن لا يمكنه أن يقدم إمتيازات أكثر للجانب الإيراني وأنه ليست مطلق اليدين في الكونغرس الأميركي، وردّ الجانب الاوروبي بأن من شأن “الإتفاق المؤقت” تلبية متطلبات “قانون استراتيجية رفع العقوبات والحفاظ على المصالح الوطنية” التي أقرها البرلمان الإيراني في العام 2020.
مفاوضات فيينا المقبلة ستركز على الإمتيازات التي يمكن للفريق الإيراني المفاوض الجديد الحصول عليها في إطار “الإتفاق المؤقت”
وبعد مرور أكثر من 100 يوم على استلام حكومة رئيسي زمام الأمور في إيران، أصبح من الواضح ان الأوضاع الإقتصادية الإيرانية مرتبطة بشكل كبير بالعقوبات الغربية، حتى أن هناك مؤشرات تؤكد بان إيران لكي تتمكن من استثمار الإمتيازات الإقتصادية الناتجة عن قبول عضويتها مؤخراً في منظمة شانغهاي عليها أن تعمل على تصويب الإلتحاق بإتفاقية الشفافية المالية الدولية (FATF) في البرلمان الإيراني، وأن تسعى إلى التخلص من العقوبات. كل هذا في وقت تخشى فيه الحكومة الإيرانية أكثر من أي وقت مضى أن تتحول المطالب الإقتصادية ـ الإجتماعية إلى تحديات أمنية في الشارع الإيراني يصعب السيطرة عليها.
يقود ذلك إلى الإستنتاج أن مفاوضات فيينا المقبلة ستركز على الإمتيازات التي يمكن للفريق الإيراني المفاوض الجديد الحصول عليها في إطار “الإتفاق المؤقت”، علماً أن إيران ما زالت تؤكد حتى الآن أنها سوف تعود إلى الإلتزام بكافة تعهداتها في حال التزام جميع الدول بتعهداتها في إتفاق 2015، ولكن الظروف الراهنة والصلاحيات المحدودة لبايدن في البيت الأبيض وللحزب الديموقراطي في الكونغرس الأميركي أقنعت إيران بوجوب البحث عن إمكانية الحصول على أكبر قدر ممكن من الإمتيازات في إطار ما يسمى “الإتفاق المؤقت”.
وبناء على ما تقدم يجب أن نتوقع أن يكون هدف الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بين الفريق الإيراني والفريق الأوروبي الثلاثي (فرنسا وألمانيا وإنكلترا) ومن خلفهم الولايات المتحدة هو حصول الإيرانيين على أكبر قدر من الإمتيازات في إطار ما يسمى “الإتفاق المؤقت”، ويجب أن ننتظر لنرى هل سيتمكن الوفد الإيراني الصغير من العودة بنتائج إيجابية في مواجهة أربعة وفود كبيرة أم أن الإصرار على التمسك بمواقفه الأولية سوف يعيد الأمور إلى نقطة الصفر في إنتظار تعيين موعد جولة ثامنة جديدة ونتائج غير متوقعة؟