زعيم “داعش” الجديد.. عراقي من “الجيل المؤسس”

منى فرحمنى فرح12/03/2022
لم تكن بداية العام 2022 جيدة بالنسبة لتنظيم "داعش". فهتافات الغلو التي رفعها أنصاره عند اقتحام سجن "غويران" في سوريا، نهاية كانون الثاني/ يناير، سُرعان ما تحولت إلى نحيب لدى علمهم بمقتل زعيمهم أبو إبراهيم الهاشمي القُرشي، في غارة أميركية يوم 3 شباط/ فبراير. بالأمس، قرر التنظيم أن يكون له زعيم جديد.

أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، في رسالة صوتية، تعيين أبو الحسن القرشي زعيماً للتنظيم خلفاً لزعيمه السابق أبو إبراهيم القرشي، الذي قُتل بعملية أميركية خاصة في إدلب في شباط/ فبراير الماضي. ولم تتضمن الرسالة أي معلومات عن الهوية الحقيقية للقرشي، لكن مسؤولين أمنيين عراقيين قالا لوكالة “رويترز”، أمس (الجمعة)، إن اسمه جمعة عوض البدري من العراق، وإنه الأخ الشقيق الأكبر لزعيم “داعش” الأسبق أبو بكر البغدادي، الذي قُتل أيضاً بعملية أميركية في إدلب عام 2019، وقال أحدهما إن جمعة إنتمى للتنظيم عام 2003 وكان يرافق البغدادي بشكل دائم ويقدم له إستشاراته في الأمور الشرعية، وأضاف أن البدري الذي إنتقل مؤخراً من سوريا إلى العراق ظلّ لفترة طويلة رئيساً لمجلس شورى “داعش” (مؤلف من خمسة أشخاص)، وهي هيئة قيادية تتولى مسائل التوجيه الاستراتيجي وتقرر من يتولى القيادة عند مقتل زعيم التنظيم أو أسره.

إختيار شخص مثل جمعة عوض البدري (عراقي) لا يُشكل تحولاً في مركز ثقل الجماعة طالما أن هذا المركز ما زال معقود النصاب لشخصية من العراق كما أن “الخليفة” هو من جيل المؤسسين الذين قاتلوا لأول مرة ضد الجيش الأميركي في العراق منذ عقدين من الزمن، فيما أدت الضربات التي تعرض لها التنظيم في العراق وسوريا ومقتل معظم قادته وإعتقال بعضهم الآخر إلى إستمرار التصرف بطريقة لامركزية، وهو الأمر الذي يُعزّز دور الأذرعة.

وقبيل مقتل أبو إبراهيم الهاشمي القُرشي، كان هناك قلق متزايد من عودة ظهور ما يُعرف بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش). فإلى جانب عملية اقتحام سجن “غويران” (المعروف أيضاً باسم سجن “الصناعة”) في أقصى شمال شرقي سوريا، حيث تمكن مقاتلو التنظيم من الحفاظ على سيطرتهم على المنشأة لعدة أيام والتصدي لهجوم عسكري قوي من قبل قوات أميركية – كردية مشتركة، كانت هناك علامات مُقلقة تدل على أن التنظيم بدأ يستعيد حيويته.  فقد كشف تقرير، أصدره فريق مراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي في شباط/ فبراير، أن “داعش” عاد إلى أفغانستان، وقوته تتنامى في أنحاء مختلفة من إفريقيا. وفي العراق وسوريا هناك عوامل عدة من شأنها أن تساهم في عودة التنظيم، ليس أقلها إستمرار الإنقسامات السياسية والطائفية الصارخة، والتحديات الاقتصادية، وتداعيات جائحة كورونا، والأوضاع الاجتماعية البائسة في المناطق الريفية.. وما إلى ذلك.

واللافت للإنتباه أن مقتل القُرشي فرض تحولاً قيادياً مهماً على “داعش”. صحيح أن العديد من قادة هذا التنظيم قتلوا في الماضي، لكن توقيت هذه الخسارة سيء بشكل خاص بالنسبة للجماعة: فهي تعاني من تضاؤل الإمدادات النقدية، وعدم توفر العناصر القيادية المناسبة، بالإضافة إلى تقهقرها في العراق (عقر دارها). وبعد مقتل آخر زعيم لهم يجب على القيادة الأساسية في سوريا والعراق الآن تقديم حجة قوية بما يكفي لجعل عناصرها في مختلف أنحاء العالم يبايعون “الخليفة الجديد” الذي من المحتمل أن يكون مجهولاً مثلما كان القرشي. وسواء نجحوا أو فشلوا، فهم سيقررون مصير “داعش” كمنظمة عالمية تربط “الجماعات الجهادية” من غرب أفريقيا إلى شرق آسيا.

يذكر أن فروع “داعش” المنتشرة في أنحاء متفرقة حول العالم كانت بإنتظار تحديد هوية زعيمها الجديد، لأن الخيار له علاقة مباشرة بأسباب انضمامهم إلى “داعش” في المقام الأول – ألا وهي تحقيق “الشرعية المتصورة” لـ”خليفة عالمي يقود الإمبراطورية الإسلامية”.

وقبل عام فقط من مقتل أبو بكر البغدادي، أي في العام 2019، قرر فرع “داعش” في غرب إفريقيا؛ وبعد مناقشة علنية، مبايعة “الخليفة” فقط لأنه تم اختياره من قبل “مجلس الاختيار الموقر”، وبالتالي فاختياره شرعي. وبعد عام واحد فقط، بايع هذا الفرع، جنباً إلى جنب مع باقي أفرع التنظيم وبالطريقة ذاتها؛ القرشي “المجهول” ما يُعد بمثابة “إنقلاب” على تقاليد الخلافة المتبعة. استمرت ولاية القرشي عامين فقط، لم تسمع جماعة “داعش” خلالها شيئاً عنه ولو مرة واحدة..

الإنتقال الأصعب

إن تماسك تنظيم داعش، على الصعيدين المحلي والعالمي، مشروط بإجماع الأعضاء على أن زعيمهم “شرعي” وعلى هذا الأساس يبايعونه. والآن مع اختيار الزعيم الرابع منذ تأسيس التنظيم، ثمة أسباب للإعتقاد بأن هذا سيكون الانتقال الأصعب. فاستبدال القُرشي بشقيق البغدادي لم يكن أمراً سهلاً بعد فقدان “داعش” العديد من القادة المحتملين، وظهور تصدعات داخلية جادة وخطيرة نتيجة صراعات القيادات الباقية.

ففي العام 2004، بايع زعيم “جماعة التوحيد والجهاد” أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وأصبحت الجماعة تُعرف باسم “القاعدة في العراق”. بعد أشهر من مقتل الزرقاوي في غارة جوية أميركية عام 2006، شكل أتباعه ما يُعرف بـ”دولة العراق الإسلامية”. توسعوا لاحقاً في سوريا وأعادوا تسمية أنفسهم بـ”الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” (داعش). وبذلك، أرسوا قواعد خاصة لتداول الخلافة في قيادة التنظيم لا تزال مُتَّبعة حتى يومنا هذا.

إقرأ على موقع 180  "داعش" يطلق "غزوة الثأر": استراتيجية "الاستنزاف"

في منشور صدر عام 2006، أعلن التنظيم أنه سيختار “الخليفة” (زعيمه) بالطريقة نفسها التي كانت مُتبعة في عهد الدولة الإسلامية الأولى (التي تأسست عام 622). وإستناداً إلى ذلك، شكل قادة “داعش” لجنة تضم ممثلين من مختلف الجماعات التي اندمجت تحت لواء التنظيم، مهمتها اختيار القادة. واتفقوا على أن أهم معيار لاختيار “المرشد الأعلى” أو “الزعيم” هو أن يكون مُلماً بالتعاليم الدينية الإسلامية ويتفوق بها. وكشرط غير مكتوب، اتفقوا أن يكون “الزعيم” من سلالة قبيلة قريش (القبيلة التي ينتمي إليها النبي محمد). كانت الفكرة هي بناء الشرعية في عملية الخلافة من خلال ربطها بالهوية القبلية للخلفاء الراشدين الأربعة الأوائل الذين حكموا بعد وفاة النبي محمد.

خليفة الزرقاوي على زعامة تنظيم “دولة العراق الإسلامية” كان أبو عمر البغدادي، من قُدامى المحاربين في “تنظيم القاعدة في العراق”، وله نسب يمكن عزوه إلى قبيلة قريش. قُتل ابو عمر البغدادي عام 2010 في عملية نفذتها قوات خاصة (أميركية وعراقية). بعد أيام من الصمت، تم اختيار أبو بكر البغدادي القرشي بالطريقة نفسها، واستمر في قيادة الجماعة. وهو من أعلن “دولة الخلافة”. قُتل البغدادي في سوريا عام 2019 على يد القوات الأميركية الخاصة، ليحل محله أبو إبراهيم الهاشمي القُرشي بعد خمسة أيام.

طريق محفوف بالمخاطر

يذكر ان أبو إبراهيم الهاشمي القُرشي القُرشي كان قد تولى منصبه في وقت كان التنظيم يشهد تراجعاً كبيراً في أدائه وأمكانياته ومواقعه، لذلك لم يحقق أي نجاحات خلال فترة ولايته. أضف إلى ذلك إلى أنه قضى كل فترة توليه منصب “الخليفة” شبه معزول إلى حد ما. وكان القُرشي قد ارتقى بسرعة في صفوف “داعش” منذ عام 2007، وبحلول عام 2014 كان قد أصبح واحداً من كبار المستشارين الدينيين للبغدادي، وزُعم أنه كان من المسؤولين عن الإبادة الجماعية للمجتمعات اليزيدية في العراق. بُترت ساق القُرشي أثناء خدمته للبغدادي، ربما نتيجة غارة جوية عام 2015 استهدفت كبار قادة “داعش”. لكن عهده كان متعثراً بسبب قصص عن عمله كمُخبر خاصة بعد أن أصدرت الحكومة الأميركية ملفات استجواب تظهر أنه قدم عن طيب خاطر معلومات تفصيلية حول الأيام الأولى لـ”داعش” إلى خاطفيه الأميركيين عندما كان في سجن عراقي. حتى أنه أفشى معلومات ساعدت الجيش الأميركي على قتل أحد قادة تنظيم “القاعدة في العراق”، أبو قسورة، عام 2008.

من نواحٍ عديدة، تولى القرشي مسؤولية منظمة تعاني من مشاكل في العراق وسوريا، لكنه كان قد تلقى تدريبات جيدة على يد سلفه ليكون مهيئاً لإدارة تمرد عالمي. واصل القُرشي دعم الأفرع البعيدة للمجموعة بالمال والمستشارين، وهي مناورة أبقت على معنويات المؤيدين بينما كانت المجموعة تكافح من أجل تحقيق مكاسب في مناطق تواجدها الأساسية (التاريخية). أما آخر إنجازاته قبل مقتله فلم تكن غريبة عن أفعاله طوال حياته: فجّر الرجل نفسه وسط زوجته وأطفاله خلال الغارة الأميركية التي استهدفته..

لقد حقق الرئيس الأميركي جو بايدن فوزاً كان بأمس الحاجة إليه بإتخاذه قرار قتل القرشي. كانت العملية ناجحة، ما يدل على أن الضغط مستمر على تنظيم داعش، وإن أصبح اليوم أكثر ضعفاً مما كان عليه قبل ثلاث سنوات، لاسيما بعد مقتل البغدادي وخسارته الكثير من مواقعه.

“انتصار بايدن” جاء في الوقت المناسب. الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان والضغط الصيني على تايوان والحرب الروسية الأوكرانية دفعت الحلفاء إلى التساؤل عمَّا إذا كان بإمكان الولايات المتحدة القيام بأمرين في وقت واحد: ردع قوى عُظمى ومحاربة الإرهابيين.

(*) الجزء المترجم بتصرف عن “الفورين افيرز“، من إعداد هارورو إنغرام (متخصص في الجماعات المتطرفة – جامعة جورج واشنطن)، وكريغ وايتسايد (أستاذ في الكلية الحربية البحرية الأميركية). وهما مؤلفا كتاب “قراءة في “داعش”: نصوص بارزة لتنظيم الدولة الإسلامية”.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  الصين في طريقها إلى "القمة".. الهيمنة على أوروبا!