إسرائيل تضرب أو لا تضرب المفاعلات النووية الإيرانية؟

في العام 2003، أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله السيّد علي خامنئي، فتوى تُحرّم صنع وإنتاج أسلحة نووية. فهل تضطره التطورات الراهنة أن يعيد النظر فيها؟

بدلاً من أن تتلقف إسرائيل والولايات المتحدة هذه الخطوة؛ التي تحوّلت بعد سنتين إلى سياسة رسمية إيرانية؛ بذل الطرفان جهوداً مكثفة ومتّصلة لتدمير البرنامج النووي الإيراني عبر وسائل مختلفة منها الهجمات السيبرانية والاستخبارية. وقد أرفقا تلك الهجمات بـ”تحذيرات” ملخصها أن أميركا لن تسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية.

قبل عامين، نفّذت إسرائيل مناورة جوية ضخمة تُحاكي هجوماً بعيد المدى على المنشآت النووية الإيرانية. إسرائيل لم تكن آنذاك تريد توجيه رسالة تهديد إلى إيران فحسب، بل وأيضاً تبليغ رسالة إلى واشنطن بأنها (إسرائيل) قادرة بمفردها على ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

آنذاك أيضاً، وكما هو الحال اليوم، لم تكن واشنطن تُشكك بقدرة إسرائيل على تنفيذ هجمات، بل في إمكانية نجاحها في ذلك، لأن الأمر يحتاج إلى قدرات عسكرية لا تملتكها تل ابيب: قنابل زنة 30 ألف رطل، وطائرات ثقيلة تستطيع أن تحمل هذه الأوزان الهائلة من القنابل المطلوبة.

***

تلك كانت الصورة قبل أن تُطلق إسرائيل سلسلة عمليات الاغتيال والتخريب في إيران، ثم توجّه الضربات الموجعة للغاية لـ”حزب الله” وحركة “حماس”، بهدف تصفية خطوط الدفاع الإيرانية في المشرق وشرق المتوسط. وهذا ما جعل ايران نفسها مكشوفة استراتيجيا أمام الدولة اليهودية.

طهران، بدروها، تلقت الرسالة، وردت بـ 200 صاروخ بالستي طال كل أنحاء إسرائيل. والآن، جاء دور إسرائيل لكي ترد على الرد.

لكن، كيف سيكون الرد المرتقب؟

رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، ومعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وعدد من جمهوريي لجان الاستخبارات في الكونغرس، يدعون إلى انتهاز ما يصفونها بـ”الفرصة الذهبية” التي يُوفّرها انكشاف الردع الإيراني، والمسارعة إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية “هنا.. والآن”.

لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ما تزال تخشى أن يفشل الهجوم في تحقيق أهدافه، وأن تتورط الولايات المتحدة أكثر في حرب لا تريدها في الشرق الأوسط (الذي غادرته مُثخّنة بالجراح التي أصيبت بها في العراق وأفغانستان). فالتورط أكثر وخوض حرب جديدة سيؤديان حتماً إلى تضعضع مواقع أميركا الاستراتيجية العُليا في حربها الساخنة في أوروبا الشرقية (أوكرانيا) وحربها الباردة في آسيا/الباسيفيك.

ثمة مؤشرات بأن إسرائيل ربما تلتزم، مؤقتاً، بالطلب الأميركي بعدم قصف المنشآت النووية الآن. لكن، في وسع إسرائيل، بدلاً من ذلك، توجيه ضربة موجعة للغاية قد لا تتحملها إيران (إستهداف قيادات عُليا إيرانية، بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي). ولو حصل هكذا سيناريو، ستضطر لتوجيه رد مُدمّر قد لا تتحمله أميركا؛ التي ستخشى حينذاك أن تفرغ إسرائيل من قطاع واسع من سكانها (الاشكيناز أساساً)، فتقوم هي بضرب إيران.

***

هل ثمة سيناريو ثالث – بين سيناريو الحرب المحدودة وسيناريو الحرب الشاملة – تتقبل بموجبه كلٌ من إيران وإسرائيل الخسائر التي مُنيتا بها (إسرائيل في كارثة غزَّة.. وإيران في جراح لبنان)، فتفسحا المجال أمام هدن دبلوماسية مديدة أو متوسطة المدى؟

ربما. لكن ليس قبل أن تتخلى إسرائيل عن أمرين إثنين:

الأول؛ أنها يجب أن تُدمّر البرنامج النووي الإيراني، وأن تُخرج إيران نهائياً من “الحدائق الخلفية” لإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق، لتُمهد بذلك الطريق أمام ولادة “الإمبراطورية اليهودية الكبرى” في الشرق الأوسط.

الثاني؛ أن لا تحدث مفاجآت من شأنها أن تقلب موازين الحرب الراهنة رأساً على عقب، بخاصة لغير مصلحة الدولة اليهودية.

بالنسبة للأمر الأول؛ لا يبدو الآن وارداً في الأفق، طالما أن مثلث “القدس- تل أبيب- حيفا” لا يزال صامداً.

أما بالنسبة للأمر الثاني؛ فهو من طبائع الحرب نفسها، التي يعرف عُتاة المخططين الاستراتيجيبن كيف تبدأ، لكنهم لا يستطيعون قطّ أن يعرفوا كيف تتطور وكيف تنتهي، لذلك يُطلقون على ذلك تعبير “مفاجاة البجعة السوداء”.

***

ثم.. أليس من المحتمل الآن أن يكون المرشد الإيراني في وارد إعادة النظر بفتواه التي أطلقها قبل 11 عاماً (في 2003)؟

الجواب: ممكن جداً.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عن فدرالية الكورونا وشوبنهاور
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل بدأ العدّ التنازلي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية؟