انتُخب فلاديمير بوتين رئيسا لأول مرة عام 2000 ــ وباستثناء الفترة بين عامى 2008 و2012 التى كان فيها حليفه ديميترى ميدفيديف رئيسا، كان يحكم من دون أى منافسة وبسلطات لا حدود لها. تستمر فترة حكم بوتين الحالية حتى العام 2024، وقد استبق بوتين هذا التاريخ بإجراء تعديلات دستورية عام 2020 تسمح له بالبقاء فى السلطة حتى عام 2036، وسيكون عمره حينها 84 عاما.
***
تختلف آراء المعلقين والمسئولين فى دول المعسكر الغربى فى تصور الثمن الواجب على الرئيس الروسى دفعه بسبب شنه حربا يرونها غير مبررة على أوكرانيا، وفى الوقت الذى يتحرك فيه مسار الغزو عكس الخطط الروسية الأولية، خاصة في ما يتعلق بحجم الخسائر البشرية التى تقع بين الجنود الروس، والتى بلغت أكثر من خمسمائة جندى خلال أسبوع القتال الأول طبقا للبيانات الرسمية الروسية.
كشف سير القتال حتى الآن سوء تقدير أجهزة المخابرات الروسية في ما يتعلق بقوة وتجهيزات وفعالية مقاومة الجيش الأوكرانى، كما أن هناك بلا شك أخطاء استخباراتية فيما يتعلق بتقدير قوة المقاومة المدنية والقبول الشعبى بالقوات الروسية. ويبدو أن أغلبية الأوكرانيين يرفضون الغزو الروسى لأراضيهم، وهذا ما لم يتوقعه بوتين، وهو الابن البار لأجهزة المخابرات السوفيتية والروسية.
***
جدّدت الحرب على أوكرانيا، والتى جاءت مخالفة للقانون الدولى ولتقاليد القارة الأوروبية، نظرة كثيرين من ممثلى النخب السياسية الأمريكية والأوروبية بضرورة التفكير فى الإطاحة بالرئيس الروسى شخصياً.
كشف سير القتال حتى الآن سوء تقدير أجهزة المخابرات الروسية في ما يتعلق بقوة وتجهيزات وفعالية مقاومة الجيش الأوكرانى، كما أن هناك بلا شك أخطاء استخباراتية فيما يتعلق بتقدير قوة المقاومة المدنية والقبول الشعبى بالقوات الروسية
وفى خطاب “حالة الاتحاد” الذى ألقاه الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم الأول من مارس/ آذار، وصف بوتين بأنه من الطغاة، وقال إن «الكثير من الطغاة يعتقدون أن العالم يتآمر ضدهم. إن المنعطف التاريخى الذى نعيشه الآن سيؤدى إلى تغيرات كبرى فى العقد المقبل وهو أمر لا يحدث كثيرا».
وتابع بايدن «هناك فرصة حقيقية للمحافظة على استقرار العالم وخفض التوتر فى أنحاء عدة بعد إفشالنا مخطط بوتين، ثمة تبعات سلبية كبيرة على روسيا جراء خطوة بوتين، غزو أوكرانيا، بينما يستفيد المعسكر الغربى منها». وأضاف بلهجة حاسمة «هناك فرصة حقيقية أن يدفع بوتين ثمنا باهظا لهذا الغزو على المدى البعيد، وسيفشل فى نهاية المطاف».
وبعد أيام من خطاب بايدن، دعا ليندسى جراهام، السيناتور الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، إلى اغتيال بوتين، ورأى أن هذا قد يكون الحل الوحيد لإنهاء الأزمة التى أشعلتها الحرب الروسية على أوكرانيا. وقال جراهام فى ظهور له على شبكة “فوكس نيوز” الإخبارية إن السبيل الوحيد لإنهاء هذا الأمر “هو أن يقوم أحد فى روسيا بالتخلص من هذا الشخص، ستقدمون لبلدكم وللعالم خدمة عظيمة».
***
من جهة أخرى، فرضت واشنطن، وبالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين، عقوبات على بوتين والعشرات من كبار المسئولين الروس، إضافة للمئات من كبار رجال الأعمال وأثرياء روسيا المعروفين بقربهم من دائرة بوتين. وأدت العقوبات الغربية إلى خسارة كثير من الروس ثرواتهم إثر ذلك، كما انخفضت قيمة الروبل الروسى إلى مستويات قياسية أمام الدولار واليورو.
تهدف عقوبات الغرب إلى إظهار التكلفة المرتفعة لاستمرار بوتين فى الحكم، وتحاول العقوبات كذلك تسهيل تململ النخبة الروسية من تبعات قرار بوتين بشن الحرب على أوكرانيا.
تعتقد دوائر أمريكية أنه بدون دعم النخبة المالية والصناعية الروسية، يصعب على بوتين، من الناحية النظرية، استمرار سيطرته القوية على مفاصل الدولة الروسية. لكن يظهر التاريخ الحديث عدم تأثير العقوبات الدولية على قيادات الدول والأنظمة الاستبدادية، وإن كانت تؤثر وبشدة على شعوبها، تكفى نظرة على رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون اليوم، أو الرئيس صدام حسين رئيس العراق خلال تسعينيات القرن الماضى، أو حتى النظام الحاكم فى كوبا خلال الستين عاما الأخيرة منذ نجاح ثورتها وفرض الكثير من العقوبات الأمريكية عليها.
***
وبعيدا عن الدوائر الأمريكية، طالبت مجلة “الإيكونيميست”، وهى أهم المجلات الأسبوعية فى العالم، بأن يدفع بوتين ثمنا لحربه، وأشارت إلى أن «الحقيقة البغيضة هى أن السيد بوتين شن هجوماً غير مبرر على دولة مجاورة ذات سيادة. إنه مهووس بالتحالف الدفاعى الواقع غرب بلاده (الناتو). وهو يدوس على المبادئ التى يقوم عليها السلام فى القرن الـ 21، ولهذا السبب يجب على العالم أن يجعله يدفع ثمنا باهظا نتيجة عدوانه».
إذا خرجت روسيا بهزيمة من مغامرتها فى أوكرانيا، فسيكون ذلك إشارة لعدم بقاء بوتين رئيسا حتى 2036 كما كان يأمل
وذكر وزير الدولة لشئون القوات المسلحة وعضو البرلمان البريطانى، جيمس هييبى، فى مقابلة صحفية، أن «أيام بوتين ستكون معدودة إذا فشل فى أوكرانيا، فى وقت تراجعت فيه حملته العسكرية كثيرا عن جدولها الزمنى المخطط له».
وقال هييبى، وهو رائد سابق فى الجيش البريطانى، إن قوات بوتين لم تتمكن من الاستيلاء على المدن الرئيسية فى أوكرانيا خلال الأيام القليلة الأولى من القتال على النحو المنشود، وهذا دليل كافٍ على عدم سير الخطط الروسية كما كان مخططا لها.
***
لا يُعرف عن روسيا دقة استطلاعات الرأى بها، لكن من الظاهر أن بوتين يتمتع بشعبية كبيرة بين الروس كرئيس قوى ساهم فى استقرار البلاد، وتحسين مستوى معيشة المواطنين والمواطنات.
من هنا يبقى أن سير القتال بصورة مغايرة لرغبة بوتين، يزيد احتمالات أن تغوص روسيا فى مستنقع جديد فى أوكرانيا بما يستحيل معه الحفاظ على مستوى المعيشة الذى عرفه الروس قبل الحرب.
أما إذا خرجت روسيا بهزيمة من مغامرتها فى أوكرانيا، فسيكون ذلك إشارة لعدم بقاء بوتين رئيسا حتى 2036 كما كان يأمل.
(*) بالتزامن مع “الشروق“