فرنسا 2022: ضبابية إنتخابات رئاسية وإنقسامات سياسية!

يوم الأحد المقبل هو موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في فرنسا أي للتنافس على دخول قصر الاليزيه! من يفوز بقصب السباق اليسار أم اليمين؟
تُظهر البيانات أن الانقسام بين اليسار واليمين في فرنسا تراجع مع مرور الوقت وفقد الفرنسيون معنى هذا «الانقسام» سياسياً. هذا ما تشي به الحملة الانتخابية الرئاسية وما يتخللها من نقاشات وحوارات على البلاتوهات التلفزيونية وصفحات الإعلام المكتوب والإفتراضي.
وبرغم أن الانقسام «يسار- يمين» يواصل هيكلة مواقف وقيم النساء والرجال الفرنسيين، في المجال الاقتصادي وكذلك في المسائل الثقافية أو القضايا الاجتماعية الكبرى، إلا أن هذه المجالات تشهد أيضاً تداخلات تبعاً لإعتبارات عديدة، إجتماعية ودينية وعرقية تعكس التغييرات التي طالت القيم الفردية للفرنسيين.
هذه التحولات تنعكس على الحملة الرئاسية التي تعقدت بسبب غزو أوكرانيا وعواقبه الجيوسياسية التي لو جاءت قبل حين لكان لها انعكاسات كبيرة على الانقسام السياسي وعلى مبدأ «يسار- يمين» في الداخل الفرنسي.
كوكتيل متداخل
وتشير العديد من المقالات والتعليقات إلى ضبابية التيارات الإيديولوجية داخل القوى السياسية الفرنسية ليس فقط تجاه نظرتها إلى الحرب الروسية في أوكرانيا ولكن أيضاً نظرتها إزاء المجالات الاقتصادية والثقافية والبيئية.
تقف وسائل الإعلام حائرة أمام الحزب الشيوعي الفرنسي هل هو راديكالي أم جمهوري؟ وكذلك الأمر أمام حزب الخضر: مطالب الخضر البيئية «راديكالية» ولكن خطهم السياسي وسطي لا بل في بعض المجالات يميني؟
برغم ذلك تحرص بعض وسائل الإعلام الفرنسية على إستخدام مصطلحات تقليدية: على سبيل المثال لا الحصر مثل يسار الوسط أو اليسار المعتدل أو «اليسار الجمهوري» (اشتراكي) أو يمين الوسط أو «اليمين الجمهوري» (الجمهوريون الديغوليون كما يمكن وصف الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون) أو الراديكالي (جان لوك ميلانشون مرشح فرنسا الأبية) أو (إيريك زمور المرشح اليميني المتطرف) أو “اليسار الراديكالي” (رابطة العمل الثورية أو الحزب المعادي للرأسمالية). أي أنه يوجد التباس دلالي يجعل من الصعب إسقاط هذا الوصف على هذا أو ذاك المرشح في المجالات كافة. فتقف وسائل الإعلام حائرة أمام الحزب الشيوعي الفرنسي هل هو راديكالي أم جمهوري؟ وكذلك الأمر أمام حزب الخضر: مطالب الخضر البيئية «راديكالية» ولكن خطهم السياسي وسطي لا بل في بعض المجالات يميني!
يعود الاستخدام الواسع – والعملي – لمصطلحي اليسار واليمين إلى قرن أو قرنين، ولكن ليس من الضرورة استدعاء التاريخ لتقييم هذا الانقسام الذي يعود إلى الثورة الفرنسية، فهو حاضر في الأذهان منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن في انتخابات عام ٢٠١٧ حضر هذا الأمر بقوة. ذلك أن الرئيس المنتخب من خارج السراي السياسي الفرنسي رفع شعار “لا يسار ولا يمين” وذهب أبعد من ذلك في بعض المجالات بشعار «في نفس الوقت» أي يمينًا ويسارًا في آن واحد.
الهجرة والإسلام نموذجاً
في السابق، كان بإمكان الفرنسيين دائمًا تحديد مواقع السياسيين باستخدام مفردات مثل اليسار واليمين وبالتالي تلمس برنامجهم السياسي من خلال هذا التقسيم التقليدي. اليوم يطالب مؤيدو اليمين كما اليسار بالمزيد من الإنفاق العام على الصحة والتعليم، بينما تختلف الفئات كلها في مسألة تخفيض عدد موظفي الدولة. مرشحو اليمين يطالبون بالحد من عدد الموظفين بعكس مرشحي اليسار، إلا أن الفئتين تطالبان بزيادة أعداد العاملين في مجالات الصحة وزيادة أعداد رجال الأمن والشرطة! بالمقابل، فإن الرئيس المنتهية ولايته عمل على خفض عدد العاملين في المستشفيات قبل أن تفاجئ العالم جائحة كوفيدـ19، وهو عمد إلى خفض عدد الموظفين ولجأ إلى خصخصة العديد من مهمات الدولة، وكذلك عمل على الحد من ميزانيات وزارة الدفاع قبل أن تفاجئه الحرب في وسط أوروبا.
هذا الشعور بانتفاء الانقسام بين اليسار واليمين يجعل الناخبين يشككون ليس فقط في برامج المرشحين ولكن أيضاً في المفاهيم السياسية التي يمكن أن تقودهم إلى صناديق الاقتراع هذه السنة.
وبسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، لم يقم ماكرون بحملة انتخابية بل اكتفى برسالة إلى الفرنسيين ضمّنها الاتجاهات الرئيسية لحملته، ولكن غابت عنها الإشارات المباشرة أو غير المباشرة إلى اليسارأو اليمين، ولو أنها قاربت موضوعات تلامس الخطاب التقليدي بالإتجاهين (يمين-يسار)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، محاربة عدم المساواة أو رفع الحد الأدنى للأجور أو دعوة المواطنين للمشاركة في الانتخاب، وهي من أولويات من يوصف باليساري في الإعلام الفرنسي. كما طاول مسألة زيادة ساعات العمل والسعي لخفض الضرائب وهي مطالب يمينية بحتة.
الهجرة والإسلام واللاجئون يشكلون قاسماً مشتركاً بين معظم المرشحين

يساهم كل ذلك في تراجع مقياس الثقة السياسية بالمرشحين، فالبرامج السياسية كانت في السابق تشير إلى القيم التي كانت تنقسم عادةً بين يسار ويمين أما في هذه الأيام فقد باتت متشابكة في المجالات كافة، خصوصاً في قضيتي الهجرة والإسلام: يتفق المرشحون من أقصى اليمين إلى اليسار (باستثناء اليسار المتطرف – رابطة النضال العمالي والحزب الجديد المعادي للرأسمالية) على وجوب «ضبط» الهجرة ومعالجة أوضاع اللاجئين من «الجنوب» (أي العرب والأفارقة والمسلمين بشكل عام). بالمقابل، اليمين المتطرف يطالب بـ«شحن» ذوي الأوضاع غير القانونية إلى بلادهم وكذلك نزع الجنسية عن المحكومين بسبب جنح تزيد عن سنتين أو أحكام جنائية، بينما مرشحو اليسار بما فيهم ماكرون يطالبون بتشديد الرقابة على الحدود وصولاً إلى نوع من «الهجرة الانتقائية» أي استقبال اللاجئين وفق الطلب وحسب ضرورات سوق العمل!

إقرأ على موقع 180  إسرائيل تبحث بالنار.. عن مكان في "إتفاق بكين"

من هم المرشحون بمعزل عن “التصنيفات الكلاسيكية” وتبعاً لأرقام آخر إستطلاع للدورة الأولى المقررة الأحد المقبل؟

إيريك زمور (٦٣ سنة). يرشح نفسه لأول مرة. أنشأ حزبه الخاص بإسم «استرجاع (الأرض)» Reconquête، في إشارة لاستعادة الأندلس وطرد المسلمين منها. يدعو إلى طرد اللاجئين والمهاجرين. (نال 9%).
مارين لوبن (٥٣ سنة). محامية تترشح للمرة الثالثة. وريثة والدها جان ماري لوبن مؤسس الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة. غيرت اسم الحزب ليصبح Rassemblement National (نالت 23%).
فاليري بيكريس (٥٤ سنة)، من حزب ديغولي تغير اسمه من (الاتحاد من أجل حركة شعبية) إلى «الجمهوريون» Les Républicains. (نالت 8%).
نيكولا دوبون أنيان (٦١ سنة). يترشح للمرة الثالثة وكان سابقاً حليفاً لليمين المتطرف وأسّس حزب «هيا فرنسا» Debout la France. (نال 2%).
جان لا سال (67 سنة). رجل اشتهر بحراكه المثير منذ دخل الجمعية العمومية عام ١٩٧٧. والده كان راعياً في جبال البيرينه (جنوب غرب). يدافع عن المزارعين والتقاليد الفرنسية وقد أسّس تنظيم «نقاوم» Résistons. (نال 3%).
إيمانويل ماكرون (٤٤ سنة). الرئيس المنتهية ولايته. قبل خمس سنوات زعزع انتخابه الساحة السياسية الفرنسية وغير المشهد بأن خلط اليسار باليمين قبل أن يؤسس حزبه الخاص «الجمهورية إلى الأمام» La République en Marche. (نال 28%).
آن هيدالغو (٦٢ سنة). للمرة ثانية تترشح امرأة عن الحزب الاشتراكي Parti Socialiste وهو اليوم حزب ضعيف للغاية. هيدالغو هي رئيسة بلدية باريس. (نالت 2%).
يانيك جادو (٥٤ سنة). أول مرة يترشح للرئاسة. أمين عام حزب «الخضر» Europe Ecologie-Les Verts. (نال 5%).
فابيان روسيل (52 سنة). مرشح الحزب الشيوعي «الأصيل”. يترشح للمرة الأولى باسم Parti Communiste. (نال 2.5%).
جان لوك ميلانشون (70 سنة). يترشح للمرة الثالثة وهو وزير اشتراكي ومؤسس حزب «فرنسا المتمردة» La France Insoumise (نال 15.5%).
فيليب بوتو (٥٥ سنة)، يترشح للمرة الثالثة. عامل في قطاع السيارات في مصنع فورد في بلانكفورت (جنوب غرب فرنسا). دخل السياسة في سن الـ ١٨ في ما بات يعرف «الحزب الجديد المعادي للرأسمالية» NPA (نال 1.5%).
ناتالي أرتو (٥٢ سنة)، وهي تترشح للمرة الثالثة لتمثل تنظيم «النضال العمالي» (Lutte ouvrière). (نال 0.5 %).

Print Friendly, PDF & Email
بسام خالد الطيّارة

كاتب لبناني وأستاذ جامعي مقيم في باريس

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  قيس سعيّد ضد النخبة التونسية.. أي أُفق للصراع؟