سميح صعب15/05/2022
منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي، تنتظر تركيا وإسرائيل، على حافة النهر، مجرى الحرب للإستفادة من الوقائع الجيوسياسية الجديدة التي لا تلقي بثقلها على الحدود الأوروبية الآيلة إلى التبدل فحسب، بل إن تردداتها تطاول الفضاءات الأقرب إلى أوروبا ومنها الشرق الأوسط.
في الإنتظار، تبدو سوريا وكأنها ساحة الإختبار الرئيسية لكل من تركيا وإسرائيل. الدولة العبرية بنت “حيادها” المعلن على تجنب وقوع طيارين إسرائيليين في الأسر في الأراضي السورية، وفق ما قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في معرض تبريره العزوف الإسرائيلي في الأيام الأولى للحرب الأوكرانية عن المسارعة إلى الإنضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا. وكان غانتس يشير إلى أن تل أبيب لن تجازف بإغضاب روسيا كي لا تسمح لدمشق بتفعيل منظومة صواريخ “إس-300” المضادة للطائرات، أو بالحد الأدنى عدم توفير الأسباب التي قد تستفز موسكو وتدفعها إلى تفعيل منظومة “إس-400” التي نشرتها على الأراضي السورية عام 2018، وتالياً حرمان إسرائيل من شن غارات على المواقع الإيرانية والقوى الحليفة في سوريا.
وإلى الخشية من صواريخ “إس-300″، تخشى إسرائيل من غض الروس الطرف عن زيادة النشاط الإيراني على الأراضي السورية، بما يؤدي إلى تعزيز قوة “حزب الله” في لبنان وسوريا.
“الحياد” الإسرائيلي الذي تعرّض للإهتزاز بعد كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن الأصول “اليهودية” للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وهتلر، عاد إلى الإستقرار، عقب الإتصال الهاتفي الذي بادر إليه الرئيس فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وما تخلله من كلام إسرائيلي رسمي عن تقديم الزعيم الروسي”إعتذاراً”.
“الحياد” التركي، كما “الحياد” الإسرائيلي، في الحرب الأوكرانية، يخدم الأهداف الإستراتيجية للجانبين، وليس حياداً مجانياُ. وعين أردوغان أيضاً على الجوار السوري في مرحلة يعتقد بأن لا واشنطن ولا موسكو في وضع يمكنهما من ردع أنقرة عن القيام بمغامرة عسكرية عبر حدودها الجنوبية
ناهيك عن ذلك، هناك حسابات تتعلق بالعلاقة المباشرة بين روسيا وإسرائيل، التي 15 في المئة من سكانها من أصول روسية بينما لا يزال يوجد 600 ألف يهودي في روسيا، ونصف هذا العدد موجود في أوكرانيا. ومع ذلك، هناك أصوات إسرائيلية ترى أن الضرورة “الأخلاقية” تقتضي أخذ جانب الغرب في المواجهة. وعبّر عن هذا الموقف وزير الخارجية سابقاً شلومو بن عامي، الذي إعتبر أن الثمن الذي يجب دفعه لقاء ذلك، لن يعدو مجرد خسارة “تكتيكية” لحرية إسرائيل في المناورة فوق المجال الجوي السوري.
ولإسكات هذه الأصوات بدأت الحكومة الإسرائيلية تدخل تغييراً على موقفها في الأسابيع الأخيرة مثل المشاركة في الإجتماع، الذي عقد في قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا لممثلي 40 دولة برئاسة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن من أجل البحث في السبل الكفيلة بمساعدة أوكرانيا عسكرياً من أجل إلحاق الهزيمة بروسيا. وبعد الإجتماع، بدأت إسرائيل بإرسال خوذات وسترات واقية والتعاون مع كييف في المجال الإستخباراتي.
الخطوات الإسرائيلية الحذرة في الإتجاه الأوكراني، لا تزال تل أبيب تغلّفها بالدعوة إلى الحوار بين روسيا وأوكرانيا. وكان بينيت زار موسكو في الأيام الأولى للحرب، وعرض إستضافته مع زيلينسكي في القدس، اخذاً في الإعتبار الضرر الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل إذا ما طالت الحرب وكانت الدولة العبرية مجبرة على الإنحياز إلى هذا الطرف أو ذاك.
والموقف التركي أشبه بالموقف الإسرائيلي، فالرئيس رجب طيب أردوغان حريص على الظهور بمظهر الحياد ولا يكل من تكرار الدعوة إلى قمة بين بوتين وزيلينسكي في تركيا، من أجل البحث في تسوية سلمية. وسبق أن إستضافت تركيا جولتين من الحوار الروسي-الأوكراني.
و”الحياد” التركي، كما “الحياد” الإسرائيلي، في الحرب الأوكرانية، يخدم الأهداف الإستراتيجية للجانبين، وليس حياداً مجانياُ. وعين أردوغان أيضاً على الجوار السوري في مرحلة يعتقد بأن لا واشنطن ولا موسكو في وضع يمكنهما من ردع أنقرة عن القيام بمغامرة عسكرية عبر حدودها الجنوبية، على حساب القوات السورية المدعومة من روسيا وعلى حساب “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.
وتصاعد الإشتباكات بوتيرة يومية في أرياف الرقة وحلب وإدلب، قد يكون بمثابة تمهيد لعملية عسكرية تركية، تضع الأساس الميداني لإقتراح أردوغان بإعادة مليون لاجىء سوري من تركيا. كما أن عملية “قفل المخلب” العسكرية التركية لمطاردة “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق، قد تجد قريباً نسختها السورية في ظل ظروف ملائمة أبرزها الإنشغال الروسي بأوكرانيا وممالأة واشنطن لأنقرة.
ويرى أردوغان في الحرب الأوكرانية فرصة لتوسيع الدور الإقليمي لتركيا من البحر الأسود إلى جبال قنديل في العراق مروراً بسوريا. ويسعى من خلال “حياديته” إلى إثبات نفسه لاعباً لا يمكن الإستغناء عنه سواء بالنسبة إلى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة أو بالنسبة إلى روسيا. هو من جهة حامي الضفة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي في ذروة تجدد المواجهة الغربية مع روسيا، لكنه في الوقت نفسه يعارض إنضمام فنلندا والسويد من الشمال الأوروبي إلى الحلف، ويريد ثمناً لرفع الفيتو على عملية الإنضمام. وهذا الثمن لا ينحصر في الهدف المعلن لأنقرة وهو ضرورة التضييق على كوادر “حزب العمال الكردستاني” الموجودين في البلدين، وإنما يسعى إلى تنازلات أميركية في سوريا، ومساعدته على إعادة اللاجئين السوريين من تركيا، لأن ورقة اللاجئين هي الأقوى التي تستعملها المعارضة التركية ضده قبل عام ونيف على موعد الإنتخابات الرئاسية. ويريد أردوغان دعماً أميركياً لمشروع مد أنابيب غاز من إسرائيل إلى تركيا، والذي على أساسه ذهب إلى ترميم العلاقات مع تل أبيب.
بعد أوروبا، الشرق الأوسط هو الأكثر تأثراً بنتائج حربٍ تتوزع شظاياها في أنحاء العالم
ولعل نقطة الضعف الرئيسية التي لا يجد أردوغان حلاً لها هي الوضع الإقتصادي الداخلي الذي يزداد سوءاً منذ أكثر من عامين وأدى إلى تراجع شعبيته، وكان الدافع وراء تغيير سياساته والإنفتاح على دول الخليج وإسرائيل لجذب الإستثمارات.
وعلى عكس السياسة التي إنتهجها أردوغان منذ أكثر من عقد وقامت على العداء للنظام السوري، ثمة مؤشرات لإنفتاح تركي على دمشق لحل مشاكل اللاجئين والأكراد. هذا الدور التركي المتعاظم، بدأ يستفز إيران الداعم الرئيسي لدمشق. وبالتزامن مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران الأسبوع الماضي، صدر إنتقاد لافت للإنتباه عن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لتركيا بسبب بنائها السدود على الحدود مع إيران مما يتسبب بزيادة حدة الجفاف في الأراضي الإيرانية. ربما كان اللوم الإيراني تعبيراً عن تبرم سياسي من الدور التركي المتزايد في العراق وسوريا، أكثر من إنحساره في النواحي الفنية لعملية بناء السدود.
بعد أوروبا، الشرق الأوسط هو الأكثر تأثراً بنتائج حربٍ تتوزع شظاياها في أنحاء العالم.