ظنّ الإسرائيليون أن “حزب الله” لن يُقدم على التصعيد إلى حد التهديد بالحرب في موضوع ترسيم الحدود البحرية، انطلاقاً من حراجة وضع الحزب في مواجهة الانهيار الإقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان، لكنهم فوجئوا بتصميم الحزب على خوض غمار الترسيم البحري على حد السيف، مما أربك مراكز القرار والتقدير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لناحية كيفية التعامل والرد بحزم دون الانزلاق إلى حرب لا تريدها إسرائيل، وفي الوقت نفسه لا تظهر الأخيرة بموقع الضعيف والمتراجع أمام تهديدات حزب الله.
ويقول المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل إن سوق الغاز الإسرائيلية “بدأت بالبحث عن بدائل من بدء أعمال التنقيب عن الغاز في حقل “كاريش”، التي كان من المخطط أن تبدأ في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، تخوفاً من عدم حدوث ذلك جرّاء التصعيد”، ويضيف أن خطر التصعيد بين إسرائيل ولبنان بشأن آبار الغاز في البحر المتوسط، “ارتفع بصورة كبيرة، فالأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصرالله وجد فأساً جديدة للحفر-الخلاف بشأن الحدود البحرية بين الدولتين-ويبدو أنه لا ينوي التوقف في الوقت القريب”.
ويشير هرئيل إلى أن هذا هو السبب “وراء عمليات جس النبض حيال شركات طاقة أُخرى. فبحسب الخطة الأصلية، بدء التنقيب في “كاريش” كان من المفترض أن يسمح لمجموعة الشركات الأُخرى، التي تشغل حقل “لفيتان”، بأن تطلب السماح لها بتحويل جزء من الغاز الذي تقوم باستخراجه إلى السوق المصرية، حيث ستكون الأسعار أعلى. وفي الآونة الأخيرة، تم تمرير رسائل لهذه الشركات، مفادها أن هذه الخطوة من الممكن أن تؤجَّل، إذا صمّم حزب الله على تصعيد الجبهة في أيلول/ سبتمبر”.
وإذ ينقل هرئيل “تقديرات الاستخبارات” بشأن احتمال اندلاع حرب شاملة ما بين إسرائيل وحزب الله بأنها “لا تزال منخفضة”، إلا أن ضابطاً إسرائيلياً رفيع المستوى يستعيد تجربة العام 2006 (أسر الجنديين ومن ثم الإنزلاق إلى الحرب).
ليلاخ شوفال: ثمة تقدير أنه إذا وُقّع الاتفاق قبل استخراج الغاز من كاريش يمكن، حينها، تقليص فرص التصعيد الذي لا يرغب فيه أحد، لأن الشركة التي ستنقّب في لبنان هي الشركة نفسها التي ستنقّب في إسرائيل. وعلى أي حال، ستكون الفترة المقبلة فترة توتر على الحدود الشمالية. ونأمل بأن تنتهي المفاوضات على الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن
لا تستسيغ إسرائيل محاولة حزب الله تمكين لبنان من تكرار تجربة رسم الخط الأزرق عام 2000 بعد التحرير، من موقع القوة والنديّة، في الترسيم البحري. ويرى البروفيسور شاؤول حورب، في “يسرائيل هيوم”، أن الدولة العبرية كان بمقدورها الاستعداد أكثر لمواجهة تهديد حزب الله ودرء مخاطره. ويسأل؛ “لماذا اختارت إسرائيل نصب منصة كاريش في مكان حساس بهذا القدر، يوجب تخصيص وسائل كثيرة لحمايتها؟ من الواضح لكل ذي عقل أنه لو كانت المنصة نصبت جنوباً عن مكانها الحالي لكان ممكناً الدفاع عنها بشكل أفضل وبكلفة أدنى”.
بدوره، يخشى دنيال سوبلمان، الباحث في جامعة هارفرد، في مقالة له في “هآرتس”، أنه “من الممكن في الفترة المقبلة أن يفضل “حزب الله” الدفع بإسرائيل إلى حرب استنزاف، بهدف عرقلة، أو تأخير، أو منع تشغيل المنصة، من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة. وبهذا، يتحول حقل “كاريش” إلى شبيه بحري بمستوطنات غلاف غزة”.
وهذا ما لا يخدم الأهداف الإسرائيلية بطبيعة الحال، الطامحة للعب دور في حل أزمة الطاقة في العالم، التي نتجت إثر الحرب الأوكرانية، والسعي الأوروبي إلى الاستغناء عن الغاز الروسي. هذا علاوة على الاستفادة المادية المغرية في ظل أسعار الغاز المرتفعة.
وأمام هذا الواقع المأزوم، وضيق الوقت، يرى غيورا أيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في مقالة له في “يديعوت”؛ أنه كان من الممكن استغلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى إسرائيل، ودفعه لإصدار بيان باسمه، يتسم بالحدة والحزم تجاه الرئيس اللبناني والشعب اللبناني في موضوع الترسيم البحري، ووضعه بين خيارين؛ إما التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل بناء لخط الحدود البحرية الذي اقترحه لبنان (الخط 23)، وحينها يتسنى للبنانيين استخراج غازهم، أو “سأمنع (الرئيس الأميركي) عنكم أي مساعدة من الغرب (بما في ذلك صندوق النقد الدولي)”.
وينقل الصحافي في “يديعوت” يوسي يهوشواع عن مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي “إنهم لا يفكرون في تحريك المنصة (من كاريش)، وأن هذا الأمر غير مطروح. إلى جانب ذلك، كما أوضح المستوى السياسي في الأيام الأخيرة، إسرائيل مستعدة للدفع قدماً بالمفاوضات، بوساطة أميركية، بصورة تخدم مصلحة لبنان أيضاً”.
وتقول الصحافية في “يسرائيل هيوم” ليلاخ شوفال إنه في الأيام الأخيرة، “توجهت جهات إسرائيلية رفيعة المستوى إلى الولايات المتحدة، وطلبت من الوسيط الأميركي في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان عاموس هوكشتاين تسريع المفاوضات بين الدولتين، قبل أن تؤدي استفزازات حزب الله إلى تقديرات خاطئة، وإلى تصعيد غير مرغوب فيه بين إسرائيل وحزب الله”. وتضيف “ثمة تقدير أنه إذا وُقّع الاتفاق قبل استخراج الغاز من كاريش يمكن، حينها، تقليص فرص التصعيد الذي لا يرغب فيه أحد، لأن الشركة التي ستنقّب في لبنان هي الشركة نفسها التي ستنقّب في إسرائيل. وعلى أي حال، ستكون الفترة المقبلة فترة توتر على الحدود الشمالية. ونأمل بأن تنتهي المفاوضات على الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن”.
هل تتمكن إسرائيل من إستخراج الغاز من حقل كاريش في أيلول/ سبتمبر المقبل، إذا لم تتنازل للبنان؟
حتماً ستكون تل أبيب مُحرجة أمام جمهورها بمجرد حصول لبنان على متر مربع واحد جنوب الخط 23، وتسجيل انتصار لبناني جديد في البحر. وتكون بذلك أيضاً، قد دحضت بنفسها زيف تهديدات مسؤوليها ووعيدهم بالويل والثبور، وعلى رأسهم ما هدد به رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، في حزيران/ يونيو الماضي، عندما دعا اللبنانيين إلى المسارعة في الفرار قبل إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب المقبلة حال نشوبها. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، جريدة الأيام الفلسطينية).