باراك لجنوده: “لا تقتلوا مغنية حماية للإنسحاب من لبنان”! (95)

في كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، يروي الكاتب رونين بيرغمان في فصل بعنوان "الحرب الشاملة"، ابرز الاحداث التي حصلت في العام 2000 وتركت بصمتها العميقة في تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي".

يقول رونين بيرغمان ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم ينتظر صدور النتائج النهائية للانتخابات في 17 مايو/ايار عام 1999، حيث أظهرت المؤشرات فوز حزب العمل اليساري بقيادة ايهود باراك، فاعلن استقالته من الحياة السياسية.. “وكان نتنياهو قد انتخب بسبب التفجيرات الانتحارية التي شنتها حركة “حماس”، ولكن سنوات وجوده في الحكم طُبعت بسلسلة من الفضائح السياسية، وازمات داخل التحالف الذي يقوده، وسلسلة اخفاقات امنية مثل محاولة الاغتيال الفاشلة للقيادي في “حماس” خالد مشعل (في الأردن)، والحائط المسدود الذي وصلت اليه الجهود الدبلوماسية مع الفلسطينيين. وكان يُنظر الى إيهود باراك بوصفه النقيض الكامل لنتنياهو، والضابط الاكثر حصولاً على اوسمة في الجيش “الإسرائيلي”، وهو كان مساعد رئيس الوزراء اليساري اسحاق رابين ثم خلفه بوعد اخراج الجيش “الإسرائيلي” من لبنان واحلال السلام. وفي “كلمة النصر” له امام مئات الآلاف من انصاره الذين تجمعوا في الساحة الرئيسية في تل ابيب التي باتت تحمل اسم “ساحة رابين” التي قتل فيها قبل سنوات، اعلن باراك “انه فجر يوم جديد، والسلام هو مصلحة مشتركة ويحمل في طياته منافع لا تحصى للشعبين”. وكان باراك قد اخبر نواباً في الكنيست قبل بضعة اشهر ما اعلنه في “احتفال النصر” امام الحشود “ان السلام الحقيقي مع سوريا والفلسطينيين هو ذروة تحقيق الرؤية الصهيونية”.

كان باراك يخشى ان يؤدي اغتيال عماد مغنية الى استفزاز حزب الله ودفعه الى قصف المستعمرات “الإسرائيلية” وشن هجمات ضد اهداف “إسرائيلية” في الخارج، الامر الذي يتطلب عندها رد فعل “إسرائيلي” وهذا ما يجعل الانسحاب المفاجىء من لبنان امراً مستحيلاً

يضيف بيرغمان أن باراك “عمل على تنفيذ سياساته بطاقته المذهلة وتصميمه الكبير واحساسه بالاهداف التي يضعها، وهو عندما كان سيد العمليات الخاصة، كان مُشبعاً بالثقة بالنفس وكان متيقناً بقدرته على تخطيط مناوراته الدبلوماسية بالطريقة نفسها التي كان يُخطط فيها لعمليات القتل المتعمد خلف خطوط العدو، ولكن تبين ان ما يصح في المستويات الأمنية لم يكن لينجح في العمليات الدولية المعقدة، وكان باراك نادراً ما يصغي لنصائح مساعديه”.

وهكذا انخرطت “إسرائيل” في مفاوضات مع سوريا برعاية اميركية، ويقول بيرغمان إن الرئيس الأميركي بيل كلينتون إجتمع بالرئيس السوري حافظ الأسد في جنيف في 26 مارس/اذار عام 2000 واخبره ان لدى باراك الرغبة في الانسحاب من مرتفعات الجولان، باستثناء تعديل حدودي صغير جداً مقابل السلام مع سوريا، وكانت لغة كلينتون الى حد ما اقل حماسة واغراء مما كان متوقعاً. ولكن الأسد الذي اتى الى الاجتماع وهو يعاني من امراض مختلفة (توفي في 10 يونيو/حزيران 2000) كان اكثر عناداً من اي وقت مضى في استعادة كل انش من الاراضي (السورية). وقد انفجر الاجتماع فقط بعد دقائق قليلة اعقبت الرسميات المعتادة بين الرئيسين وبدء النقاش في الامور الحساسة.

كان على باراك ان يحافظ على وعده بالانسحاب من لبنان “ولكن من دون اي اتفاق مع اي من لبنان او سوريا”، بحسب بيرغمان. وكي يمنع حزب الله من استثمار الانسحاب لقتل عدد كبير من جنود الجيش “الإسرائيلي”، كان يجب أن يتم الانسحاب بين ليلة وضحاها وبشكل مفاجىء تماماً. ويقول بيرغمان، انه قبل وقت قصير من الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، “تمكن جهاز “أمان” من تحديد مكان وجود عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله والهدف الرقم واحد على لائحة المطلوبين لدى “إسرائيل”، اذ انه كان يتفقد خطوط التماس مع المنطقة اللبنانية المحتلة ليتأكد ما اذا كان باراك سينفذ وعده بالانسحاب ولتحضير رجاله لليوم الذي يلي الانسحاب. فخطط جهاز “أمان” لاغتيال مغنية، ولكن باراك الذي قدم الى الحدود مع لبنان والتقى كبار الضباط لديه في 22 مايو/ايار امرهم “بمواصلة المراقبة الاستخبارية للهدف وعدم ضربه، كي لا يؤدي ذلك عمليا الى ضرب كل مشروع الانسحاب. لقد كان في رأس سلم اولويات ايهود باراك التأكد من ان الانسحاب سيتم من دون وقوع اي خسائر في صفوف جيشه وكان يخشى ان يؤدي اغتيال عماد مغنية الى استفزاز حزب الله ودفعه الى قصف المستعمرات “الإسرائيلية” وشن هجمات ضد اهداف “إسرائيلية” في الخارج، الامر الذي يتطلب عندها رد فعل “إسرائيلي” وهذا ما يجعل الانسحاب المفاجىء من لبنان امراً مستحيلاً”.

يتابع الكاتب ان باراك “كان مُحقاً، على الاقل على المدى القصير، ففي اليوم الذي تلا اجتماعه مع الضباط اعطى الامر بالانسحاب الفوري للجيش “الإسرائيلي” من جنوب لبنان وقد تم الانسحاب من دون وقوع اي خسائر. لكن (السيد حسن) نصرالله احتفل بالانسحاب، مُعتبراً اياه نصراً كاملاً له، وصوّر “الإسرائيليين” على انهم جبناء رعاديد يهربون من جيش مغنية، وصرخ (في احتفال النصر في بنت جبيل) “ان إسرائيل اوهن من بيت العنكبوت.. وان روح الهزيمة تعم المجتمع الإسرائيلي.. واليهود هم حفنة من المصرفيين وليسوا شعباً جديراً بتقديم التضحيات”.

إقرأ على موقع 180  خريطة معقدة أمام قيادة "داعش" الجديدة .. ما الأولويات؟

وفي عودة الى الوراء، فان انهاء الاحتلال “الإسرائيلي” في لبنان جاء في أسوأ اللحظات الممكنة لباراك، يقول بيرغمان، فقد رأى انه لن يستطيع التوصل الى اتفاق مع السوريين، فقرر ان يسرع التعامل مع الوضع الفلسطيني، ولكن كان هناك العديد من الفلسطينيين الذين رأوا في الانسحاب من لبنان برهاناً على ان تكتيكات حرب العصابات و”الارهاب” بامكانها هزيمة اقوى جيش وأقوى اجهزة استخبارات في الشرق الاوسط وبدأوا التفكير بامكانية تطبيق هذه التكتيكات في مسرحهم.

يتابع الكاتب بيرغمان، “في يوليو/تموز 2000، دعا الرئيس كلينتون كلاً من باراك و(الرئيس الفلسطيني ياسر) عرفات الى منتجعه في كامب ديفيد من اجل خوض جولات من التفاوض على امل التوصل الى اتفاقية سلام”، وينقل الكاتب عن باراك قوله “كنت اعرف ان هكذا اتفاق لا بد ان يتضمن وجود دولة فلسطينية وتسوية ما لمدينة القدس، وقد كنت جاهزاً لذلك، كنت متأكداً ان باستطاعتي اقناع الرأي العام في إسرائيل ان من مصلحتنا ان يحصل ذلك وان لا خيار آخر امامنا”. اما عرفات، فلم يكن يريد المجيء ووافق على ذلك فقط لان كلينتون وعده انه اذا فشلت المفاوضات لن يرمي باللائمة عليه. في غضون ذلك، اشارت اجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” إلى ان امراً ما يختمر بين الفلسطينيين وقد وصل الى مستويات عالية جداً، وافادت ان السلطة الفلسطينية كانت تحضر لمواجهة مسلحة من اجل الضغط على “إسرائيل” لتقديم تنازلات كبيرة.

وينقل بيرغمان عن المسؤول الفلسطيني جبريل الرجوب نفيه لذلك قائلا “لم نكن نحضر لمواجهة ولم يكن لدينا النية لذلك، ولكن الامل بطبيعته سلعة غالية جدا”، وينقل بيرغمان عن باراك قوله لمساعديه “اننا في سفينة ضخمة على وشك ان تصطدم بجبل جليدي وسنتمكن من حرفها عن مسارها المدمر فقط ان نجحنا في كامب ديفيد”.

احد مساعدي باراك: “كنا نعيش مع الشعور باننا نتنفس رائحة البارود. واينما يكون هناك بارود سيكون هناك محب لاشعال الحرائق، وهذه المرة كان المحب لاشعال الحرائق هو أرييل شارون”

ويروي بيرغمان أن جو الاجتماع في كامب ديفيد “كان احتفالياً”، وكان باراك “على استعداد لتقديم التنازلات التي تتضمن تسوية اساسية بما فيها اعطاء الفلسطينيين جزءاً من القدس الشرقية وحكم دولي في جبل المعبد الذي يقع فيه المسجد الاقصى. لم يسبق لقائد “إسرائيلي” ان وافق على تقديم هذا الحجم من التنازلات او ان اقدم على تسويات على امور كانت حتى ذلك الحين من المحرمات. ولكن باراك لم يكن قد فعل الكثير لتحضير الارضية لهذا الاجتماع، كما انه تصرف بطريقة بدا فيها الكثير من الفوقية، فقد ادار المفاوضات مع عرفات عبر مبعوثين مع العلم ان مكتبه لم يكن يبعد سوى بضعة مئات من الامتار عن مكتب عرفات. رفض عرفات ان يوقع، ربما لانه كان يعتقد ان بامكانه الحصول على ما هو اكثر من المعروض عليه من “الإسرائيليين” اذا تمنع عن التوقيع او ببساطة لانه رأى انه لا يوجد اي زعيم عربي يدعم التسوية مع العدو الاكبر، فانفجر كلينتون غاضباً وانهى القمة وحنث بوعده لعرفات بعدم القاء اللوم عليه في حال الفشل.

وينقل بيرغمان عن الدبلوماسي “الإسرائيلي” ايتامار رابينوفيتش قوله “لو ان كلينتون اتبع استراتيجية (الرئيس الاميركي السابق جيمي) كارتر وامسك برأسيهما (عرفات وباراك) ووضعهما امام بعضهما البعض حتى يتوصلا إلى تسوية لكان التاريخ قد سلك منحى مختلفاً”.

ويتابع بيرغمان، “خلال الشهرين اللذين تليا ذلك جرت محاولات عدة لجسر الهوة، ولكن كان التوتر وعدم الثقة بين الطرفين قد وصلا الى نقطة اللاعودة، وينقل عن احد مساعدي باراك قوله “كنا نعيش مع الشعور باننا نتنفس رائحة البارود. واينما يكون هناك بارود سيكون هناك محب لاشعال الحرائق، وهذه المرة كان المحب لاشعال الحرائق هو أرييل شارون”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  شيرين تتأكد مكانتها لحظة الغياب بالاغتيال