“فورين أفيرز”.. نظرة يمينية إلى الأنظمة الديموقراطية.. والإستبدادية!

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب اليميني لارى دايموند تناول فيه ما أسماه "تدهور حال الديموقراطية فى الولايات المتحدة"، والتأثير السلبى لـ"القوى الاستبدادية" كالصين وروسيا "بتدمير قيم الديموقراطية فى العالم أجمع".

استهل الكاتب دايموند المقال بالإشارة إلى تردى مستويات الديموقراطية حتى فى البلدان التى تجرى انتخابات حرة ونزيهة. أظهرت الأحداث الأخيرة فى أمريكا أن مبادئ الديموقراطية على المحك فى البلد الذى من المفترض أنه يناضل من أجل إرساء قواعد لها. إذ شهدت الولايات المتحدة واحدة من أكبر الأزمات فى الحقوق السياسية والحريات المدنية على مدى السنوات العشر الماضية. لا ننسى نصيب الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى إشعال جزء من هذه الأزمات، فقد أساء استخدام السلطة الرئاسية على نطاق غير مسبوق فى تاريخ الولايات المتحدة، بسبب الترويج للأكاذيب والتحريض على الشغب.
وأشار الكاتب إلى الخطر الذى تشكله الأنظمة الاستبدادية العدوانية على الديموقراطيات فى العالم. يتجلى الدليل على ذلك فى حرب روسيا على أوكرانيا وضغط الصين على تايوان. إنها الأنظمة الاستبدادية المسلحة النووية العدائية مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وربما قريبا إيران هى التى تهدد أمن سلاسل التوريد الأمريكية.

***

أردف الكاتب القول إن من المنطقى التساؤل عما إذا كان الصراع العالمى بين نظامين سياسيين، الديموقراطى والاستبدادى، هو أفضل طريقة لتأطير المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. يتساءل النقاد عما إذا كان ينبغى للولايات المتحدة أن تبدأ «حربا باردة جديدة»، بحجة أن العالم الحالى متعدد الأقطاب لا يتناسب مع واشنطن. لذلك يحتاج صانعو السياسة الأمريكيون إلى توخى الحذر حيال إجبار الدول على الاختيار بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى. ولا نغفل الحقيقة الصعبة التى تتمثل فى شن النظامين الاستبداديين الرئيسيين فى العالم، الصين وروسيا، حملات عالمية متطورة لتشويه قيم الديموقراطية وتخريبها. وفى هذا القرن الجديد، لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين للرد على حملاتهم. حيث ساهمت الحروب فى أفغانستان والعراق، والجهود الفاشلة لفرض سيطرة الدولة فى الخارج، والأزمات المالية المتتالية، والضغوط المتزايدة للشعبوية الداخلية والتطرف فى الإضرار بالصورة الدولية للولايات المتحدة.
وبالتالى حدث تحول كبير فى روح العصر الذى نعيشه. لقد ترسخت رواية مفادها أن الديموقراطيات فاسدة ومهترئة، وأنها تفتقر للقدرة على التغيير، وعليه يكمن المستقبل فى أنظمة استبدادية أقوى وأكثر كفاءة مثل الصين..

***

فى بادئ الأمرـ يوضح الكاتب ـ “يكمن حل قضية الديموقراطية فى السلطة. لكن هذا لا يعنى على الإطلاق تأييد استخدام القوة لفرض الديموقراطية، إنه نهج دائم الفشل فى الغالب. ولكن كما أشار عالم السياسة صموئيل هنتنجتون، فإن القوى العسكرية والدبلوماسية تخلق السياق الجيوسياسى الذى تزدهر فيه الديموقراطية. إن الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية أمر حيوى للحفاظ على أمن الديموقراطيات ضد التعدى الاستبدادى. يجب على الولايات المتحدة تطوير ونشر الأصول العسكرية التقليدية والجيل الجديد منها، هذا ضرورى لردع المنافسين الاستبداديين، وأولهم، الصين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على صانعى السياسات الاهتمام بصقل القوة الاقتصادية والقيادة التكنولوجية للولايات المتحدة. إن ضمان بقاء الاقتصاد الأمريكى أقوى اقتصاد فى العالم، وأن يظل الدولار العملة الدولية المهيمنة، أمر حيوى. يجب عليها أيضا الاستمرار فى القيادة فى مثل هذه الحدود التكنولوجية مثل الحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعى والهندسة الحيوية والروبوتات. إذ يعد البقاء فى المقدمة فى هذه القطاعات أمرا بالغ الأهمية لضمان استمرار التفوق العسكرى للولايات المتحدة والقيادة العالمية الشاملة، كما أنه يبعث برسالة حول الميزة النسبية للأنظمة الديموقراطية”.

حدث تحول كبير فى روح العصر الذى نعيشه. لقد ترسخت رواية مفادها أن الديموقراطيات فاسدة ومهترئة، وأنها تفتقر للقدرة على التغيير، وعليه يكمن المستقبل فى أنظمة استبدادية أقوى وأكثر كفاءة مثل الصين

واسترسل الكاتب فى القول بأن هناك أزمتين فى انتظار صانعى السياسة الأمريكيين ويجب عليهم معالجتهما. أولا، تشوه المشهد الإعلامى فى معظم بلدان العالم بسبب الرقابة العلنية والجهود السرية لتخويف الصحفيين المحترفين والسيطرة عليهم وفسادهم. ثانيا، ليس لدى الولايات المتحدة استراتيجية واضحة لترسيخ قيم الديموقراطية فى العالم.

***

يقول الكاتب “من المؤكد أن قدرة الولايات المتحدة على إحياء قيم الديموقراطية فى الخارج لن تكون سهلة المنال، إذ لم يُعِد المواطنون الأمريكيون إحياء التزامهم تجاهها داخل وطنهم. إذا غرقت الديموقراطية الأمريكية بشكل أعمق فى مشاهد التخريب والعنف التى نشاهدها الآن، فستبدو الرسالة الأمريكية الطالبة بإحياء الديموقراطية منافقة وسيصاب حلفاء الولايات المتحدة بالإحباط. ما تحتاجه واشنطن هو العودة إلى المعايير الديمقراطية الأساسية للتسامح المتبادل وضبط النفس فى ممارسة السلطة، إلى جانب التزام لا لبس فيه من قبل جميع الجمهوريين بقبول نتائج الانتخابات المستقبلية. لذا، يجب على صانعى السياسة الأمريكيين اختيار النهج المناسب للتعامل مع البلدان التى تعانى من الأنظمة الاستبدادية. من الضرورى السعى لفهم الأيديولوجيات والطموحات التى تحفز الدول الأخرى. وهكذا، يرى المنتهكون لحقوق الإنسان أن هناك ثمنا يجب دفعه مقابل سحق المعارضة. من خلال الدبلوماسية والتطبيق الماهر لسياسة العقاب، يجب على صانعى السياسة الأمريكيين السعى لإقناع الحكام الاستبداديين بأنهم إذا خففوا من القمع وقبلوا التعددية السياسية أكثر، فإن بلدانهم ستستفيد اقتصاديا. عندها ستكون الولايات المتحدة أكثر قدرة على مساعدتهم فى الحفاظ على سيادتهم وأمنهم القومى، وسيكون القادة أكثر فعالية فى الحكم”.

إقرأ على موقع 180  روسيا تحارب والصين تراقب وأمريكا.. تُراكم!

***

“لا توجد أولوية أكثر أهمية من ضمان انتهاء حرب روسيا الوحشية ضد الديموقراطية فى أوكرانيا بهزيمة موسكو. فى الأشهر الأربعة التى أعقبت الغزو الروسى فى 24 فبراير/شباط، التزمت الولايات المتحدة بمبلغ 5.6 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، بما فى ذلك المدفعية الثقيلة والطائرات بدون طيار والصواريخ والطائرات. لكن تسليم الولايات المتحدة لتلك المساعدات العسكرية كان بطيئا فى كثير من الأحيان، ولم يتم تلبية بعض طلبات أوكرانيا للحصول على أسلحة متطورة. فى غضون ذلك، واصلت روسيا هجومها القاتل. يجب على حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة والاستخبارات التى تحتاجها لمواجهة العدوان الروسى بنجاح”، يقول الكاتب الأمريكي.
ويضيف الكاتب أن الانتصار على روسيا لحل الأزمة الأوكرانية “ليس خيارا، والسر يكمن فى كلمة تايوان. لأن انتصار روسيا سيقوى تصميم الصين أكثر فى ضم تايوان لها. من الواضح أن الصين مصممة على «إعادة توحيد» تايوان مع البر الرئيسى لأسباب رمزية وسياسية واقتصادية واستراتيجية. من الناحية الرمزية، يدعى حكام الحزب الشيوعى الصينى أن ضم تايوان من شأنه أن ينهى إذلالا طويلا ويستعيد مكانة الصين الشرعية كقوة مهيمنة فى آسيا. من الناحية السياسية، فإن استيعاب القيادة الصينية لتايوان من شأنه أن يطفئ الدليل الحى على أن المجتمع الصينى يمكن أن يحكم نفسه كديموقراطية ليبرالية. من الناحية الاقتصادية، تستضيف تايوان أكثر مرافق تصنيع أشباه الموصلات تقدما فى العالم، حيث تنتج ما يقرب من 90 فى المائة من أقوى الرقائق فى العالم. ومن الناحية الاستراتيجية، فإن الاستيلاء على تايوان سيمكن الصين من تجاوز سلسلة الجزر الأولى، أول سلسلة من الأرخبيل من البر القارى لشرق آسيا، وتأكيد السيطرة ليس فقط على بحر الصين الجنوبى وممراته إلى المحيط الهندى ولكن أيضا على غرب المحيط الهادئ. يمكن للصين بعد ذلك أن تدفع الولايات المتحدة للخروج من آسيا وتصبح هيمنة المحيطين الهندى والهادئ فى يدها”.
ويختم الكاتب بالقول بأن الظروف العالمية للديمقراطية “سيئة وتزداد سوءا. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم السياسى والمالى للأشخاص والمنظمات المكافحين من أجل الحرية. ومن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة تشجيع الانتقال إلى حكومات أكثر ديموقراطية وقانونية فى جميع أنحاء العالم. لا يستطيع صانعو السياسة التنبؤ بموعد ظهور الفرص المحورية لمناصرة الحملات الديموقراطية أو متى قد تواجه حكومة ديمقراطية متدهورة أزمة من شأنها أن تمكن الديمقراطيين من استعادة الزخم. علاوة على ذلك، يستخلص الديمقراطيون فى جميع أنحاء العالم الأمل والدروس المؤسسية والرؤى التكتيكية من التفاعلات مع بعضهم البعض. كما أن دعمها يؤكد من جديد أن الحرية السياسية والحريات المدنية هى حقوق عالمية يحق لجميع الناس التمتع بها، بغض النظر عن المنطقة والثقافة”.

(*) النص الأصلي بالإنكليزية.. والمترجم إلى العربية في “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  كتاب عن "لافارج" يفك شيفرة الإقتصاد الجزائري