مأزقان روسي وأميركي.. يصنعان تسويةً أم شتاءً نووياً؟

حتى لحظة إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس، أن التهديد النووي في أعلى مستوياته منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل نصف قرن، كان المسؤولون الأميركيون غير مقتنعين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيعمد فعلاً إلى الضغط على الزر النووي، سواء كان تحذيرياً أو تكتكياً أو إستراتيجياً، في حال ساءت أحوال جيشه أكثر في الميادين الأوكرانية، ولمس "تهديداً وجودياً" لوحدة الأراضي الروسية. 

كلام بايدن والذي خفّف منه البيت الأبيض لاحقاً، كان الإشارة الوحيدة إلى جدية الأزمة النووية التي تلوح في الأفق. فهل كان هذا بمثابة تمهيد ضروري لإقناع الصقور في الإدارة الأميركية والكونغرس بجدوى عقد لقاء مع بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في منتجع بالي الأندونيسي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وهو إحتمال لم ينفه بايدن؟

مثل هذا اللقاء، إن عُقِدَ لا يُشكل فقط خفضاً للتصعيد في أوكرانيا، وإنما ينزع أيضاَ فتيل إحتمال إندلاع صراع نووي بين روسيا والولايات المتحدة وإقتراب “يوم القيامة”، وفق تعبير بايدن نفسه.

ليست الجدية الروسية في الذهاب نحو الخيار النووي، هي العامل الوحيد الذي قد يحمل بايدن على التفكير بلقاء محتمل مع بوتين. إذ أن هناك موازين قوى على الساحة الأوكرانية تميل بشكل واضح منذ أشهر لمصلحة المعسكر الغربي، وهذا تطور لا يُستهان بالإنعكاسات التي تركها على وضع بوتين في داخل روسيا وخارجها. فالرجل يمر الآن بأضعف لحظات حكمه الممتد منذ عشرين عاماً. إذن في هذه الحال، لماذا لا يفكر بايدن في أن هذا هو الوقت المناسب لإنتزاع تنازلات روسية لم تكن ممكنة قبل سبعة أشهر؟

الأزمات الداخلية والعالمية لا تجعل الولايات المتحدة في وضع مريح حتى ولو كانت تكسب في أوكرانيا؛ فهل التأزمات على جانبي الصراع، تعجل بالدفع نحو تسوية سياسية للنزاع الأوكراني، أم تذهب بها شوطاً أبعد.. نحو الشتاء النووي؟

بوتين اليوم هو غيره قبل 24 شباط/فبراير الماضي. المغامرة الأوكرانية تعثرت. وروسيا محاصرة غربياً بعقوبات واسعة ومتدحرجة. وتداعيات قرار التعبئة الجزئية الذي أعلن في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، كشفت أن غالبية الشعب الروسي تؤيد الحرب طالما هي بعيدة عن التأثير المباشر على حياتها اليومية. وبحسب إستطلاع لمركز “ليفادا”، فإن 47 في المئة من الروس يشعرون حيال قرار التعبئة الجزئية “بالقلق والخوف والرعب”، بينما يشعر 23 في المئة “بالصدمة”، ويشعر 13 في المئة “بالغضب والإحتقار”. فقط 23 في المئة أبدوا “إعتزازهم بروسيا”. كما أن فرار مئات آلاف الشباب الروسي إلى الدول المجاورة.. أو حتى الأبعد، كلها أمور مقلقة ومؤشرات على أن الحرب كانت مرتجلة ولم تأخذ في الحسبان إعتبارات كثيرة.

الإهتزاز الروسي في أوكرانيا، بدأ ينعكس تقلصاً في النفوذ الإقليمي لموسكو. ذلك أن بعض الجمهوريات التي كانت ضمن “الفضاء السوفياتي” شرعت بالتفلت من القبضة الروسية. وعلى سبيل المثال، بات النزاع الأرميني-الأذري مسألة أميركية وأوروبية، أكثر منها روسية. زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الشهر الماضي ليريفان كانت مؤشراً على هذا الإتجاه. وطاجيكستان وقرغيزستان، يطغى الحضور الصيني فيهما على النفوذ الروسي التقليدي. وهذه مولدوفا وأرمينيا وأذربيجان، تحضر القمة الأوروبية الموسعة في براغ. واللافت للإنتباه أكثر أن صربيا حضرت أيضاً برغم علاقتها التقليدية بروسيا.

ويتعمق مأزق روسيا مع الحذر الصيني من الوقوف صراحة إلى جانب روسيا في أوكرانيا. وبعض الشركات الصينية إنسحبت من روسيا تجنباً للعقوبات الغربية. وفي ذروة الإرباك، ذهبت روسيا إلى خيار الإستعانة بمسيرات إيرانية وراجمات كورية شمالية، لأن الصين واقعة تحت الرقابة الأميركية الصارمة، وأي مساعدة عسكرية صينية لروسيا، يمكن أن تُعرّض العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين للمخاطر.

هذه البيئة السياسية والعسكرية غير المثالية لروسيا، ليست وحدها شرطاً ضرورياً وكافياً لمناقشة إحتمال عقد لقاء بين بايدن وبوتين في الشهر المقبل. إذ أن وضع الولايات المتحدة نفسها ليس مثالياً أيضاً، على الرغم من تبدل معطيات الميدان الأوكراني.

في بداية الحرب الأوكرانية، تعهد بايدن للأميركيين أنه لن يرسل قوات برية للقتال في أوكرانيا، وأن الدعم سيقتصر على تقديم المساعدات العسكرية والإقتصادية فحسب حتى تتمكن أوكرانيا من إفشال الهجوم الروسي. لكن ثمة ما استجد اليوم، وهو الحديث الروسي المتصاعد عن إحتمال اللجوء إلى السلاح النووي. فهل ثمة في أميركا من هو مستعد لإقحام الولايات المتحدة في حرب نووية من أجل أوكرانيا؟

أضف إلى ذلك، عوامل دولية كثيرة لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة وفي مقدمها أزمة الطاقة. ويوشك قرار تحالف “أوبيك +” الأخير بخفض إنتاج النفط مليوني برميل إعتباراً من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، على إدخال الغرب في صدمة نفطية ثانية بعد الصدمة النفطية الأولى قبل 49 عاماً عقب حرب تشرين/أكتوبر.

قرار “أوبيك +” أوقع أميركا في مأزق وأعاد طرح أكثر من سؤال حول مستقبل العلاقات الأميركية-الخليجية، وأنهى عملياً مفعول القمم التي عقدها بايدن في السعودية في تموز/يوليو الماضي. ومما يضاعف من سلبيات القرار، أنه أتى قبل شهر من الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي يفترض أن تحدد إتجاهات الكونغرس المقبل. ومن المتوقع أن ينعكس تفاقم أزمة الطاقة حكماً إنخفاضاً في تأييد الديموقراطيين وتعرضهم للخسارة؛ وبالتالي، فإن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس تقوي حظوظ دونالد ترامب بعودة قوية إلى البيت الأبيض في 2024.

إقرأ على موقع 180  الناشطة الكردية حنان عثمان: خصوصية الأكراد لا تُشكّل تهديداً لأي كيان

وتلافياً لكارثة إنتخابية، هناك أصوات داخل الحزب الديموقراطي، تطالب بايدن بالإعلان منذ الآن، أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثانية. مثل هذا القرار يُقوي حظوظ الديموقراطيين في الإنتخابات النصفية، بعدما تلقوا جرعة دعم من الإنعكاسات السلبية لقرار المحكمة العليا الفيديرالية بحظر الإجهاض قبل أشهر. لكن بايدن لا يبدو أنه في وارد حسم ترشحه لولاية ثانية منذ الآن.

والإنشغال الأميركي بالحرب الأوكرانية، جعل كوريا الشمالية أكثر جرأة في تجاربها الصاروخية التي مرت إحداها الأسبوع الماضي فوق اليابان للمرة الأولى منذ خمسة أعوام، فيما سقط صاروخ باليستي أمس (السبت) في الساحل الشرقي لكوريا الجنوبية، بينما تترقب واشنطن تفجيراً نووياً كورياً شمالياً سابعاً بين لحظة وأخرى.

هناك أصوات داخل الحزب الديموقراطي، تطالب بايدن بالإعلان منذ الآن، أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثانية. مثل هذا القرار يُقوي حظوظ الديموقراطيين في الإنتخابات النصفية، بعدما تلقوا جرعة دعم من الإنعكاسات السلبية لقرار المحكمة العليا الفيديرالية بحظر الإجهاض قبل أشهر. لكن بايدن لا يبدو أنه في وارد حسم ترشحه لولاية ثانية منذ الآن

وإذا كان التوتر الأميركي-الصيني قد تراجع نسبياً حول تايوان بسبب إنهماك الرئيس شي جين بينغ بمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في 16 الشهر الجاري، فإن المواجهة قد تتجدد بأشكال أعنف، بعد أن يضمن شي ولاية ثالثة على رأس الحزب والدولة.

 كما أن الإتفاق النووي مع إيران لا يزال في طريق مسدود، ومعه هدنة اليمن التي أخفقت الأمم المتحدة في إقناع الحوثيين بتجديدها. والعراق كما لبنان أمام إنهيارات متمادية ومستقبل مجهول.

الأزمات الداخلية والعالمية لا تجعل الولايات المتحدة في وضع مريح حتى ولو كانت تكسب في أوكرانيا؛ فهل التأزمات على جانبي الصراع، تعجل بالدفع نحو تسوية سياسية للنزاع الأوكراني، أم تذهب بها شوطاً أبعد.. نحو الشتاء النووي؟

في عام 2018، قال فلاديمير بوتين في مقابلة :”لماذا نريد هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه”؟.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  قائد الجيش اللبناني يُحذِّر السياسيين.. هل يُنفّذ؟