سيتواجد الرئيسان الشهر القادم فى قمة دول الـ20 فى إندونيسيا، ولا توجد أى خطط لعقد لقاء بينهما حتى الآن. إلا أن عدم انعقاد قمة بين الرئيسين يحمل مخاطر جديدة للأمن العالمى خاصة مع تهديد موسكو بإمكانية اللجوء للسلاح النووى للحفاظ على وحدة التراب الروسى.
كان الرئيس الروسى قد أشار إلى أن الولايات المتحدة خلقت «سابقة» باستخدام الأسلحة النووية ضد اليابان فى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ثم هدد بوتين بعدها، وفى نفس الخطاب، باستخدام كل الوسائل المتاحة له لحماية الأراضى الروسية.
لتجنب السيناريو الكارثى النووى، يجب على إدارة بايدن ردع موسكو عن التفكير فى استخدام الأسلحة النووية على أى مستوى فى الصراع الأوكرانى، طالما يتم إغلاق النافذة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو.
***
زادت تهديدات الخيار النووى فى وقت تبدو فيه روسيا غير قادرة على تحقيق انتصار واضح فى حربها على أوكرانيا على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على بدء القتال.
منذ عدة أشهر يحذر مسئولون أمريكيون من أن روسيا قد تلجأ إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل، إذا عانت من انتكاسات فى ساحة المعركة. ويأمل الرئيس الروسى، وكبار مستشاريه، فى أن يؤدى التهديد باللجوء للأسلحة النووية التكتيكية إلى تحطيم عزم الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، لدعم أوكرانيا؛ ومراجعة حجم مخاطر الاقتراب من مواجهة روسية مباشرة مع دول حلف الناتو.
إذا خضعت واشنطن لتهديدات موسكو، سيكون ذلك تراجعا كبيرا من الموقف الأمريكى الحالى، وقد يفتح الباب أمام المزيد من الابتزاز النووى الروسى. فى الوقت ذاته، سيؤدى اضطرار الولايات المتحدة للرد على أى هجوم نووى روسى إلى دفع حلف الناتو إلى مواجهة نووية مفتوحة، وهو ما تجنبه العالم على مدى العقود السبعة الماضية.
يبدو أنه لا توجد إلا طريقة واحدة لردع الرئيس الروسى لكن لم يلجأ إليها الرئيس بايدن بعد، وهى التأكيد على أن عواقب إدخال السلاح النووى فى الحرب الأوكرانية سيكون من نتائجها تدمير الجيش الروسى والقضاء على حكم الرئيس بوتين نفسه
***
يلقى الكثير من الخبراء الأمريكيين باللوم على الرئيس بايدن لفشله فى ردع الرئيس الروسى، وهو ما جعله يتمادى فى عدوانه ليصل لدرجة التهديد بالخيار النووى. إن عملية الردع أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، ويُشترط للردع أن يقتنع أطرافه بجدية مواقف الأطراف الأخرى.
لم تحقق جهود إدارة بايدن لردع روسيا نجاحا يذكر خلال الفترة من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى عبور القوات الروسية الحدود الأوكرانية يوم 24 فبراير/شباط 2022. ولم تنجح إدارة بايدن فى ردع روسيا عن ضمها لأربعة أقاليم أوكرانية فى الدونباس. أخيرا لم ينجح بايدن فى ردع بوتين فيما يتعلق بالخيار النووى، مما سهل من مهمة بوتين بالتهديد الجاد بالخيار النووى خلال الأسابيع الأخيرة.
يرى بعض الاستراتيجيين الأمريكيين أن عدم ردع العدوان الروسى يمثل أحد أكثر الإخفاقات تكلفة فى السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن تفهم الخطأ الذى حدث، وكيف يمكن تجنب أخطاء مماثلة فى جهودها الدبلوماسية القادمة؟
***
عن قصد وبدون قصد، أرسلت إدارة بايدن رسائل مختلطة إلى روسيا العام الماضى، فمن ناحية، رتبت إدارة بايدن لتنسيق رد فعل غربى متحد واسع النطاق للغزو الروسى المحتمل حينذاك؛ حيث انضم الأوروبيون إلى الأمريكيين فى التهديد بفرض عقوبات صارمة، وهو ما كان. كما بادر مسئولو إدارة بايدن برفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية الحساسة المتعلقة بخطط واستعدادات موسكو لغزو أوكرانيا، ونشرها بطرق تقوض بشكل كبير التصريحات الرسمية والدعاية الروسية. وقد ساعدت هذه المعلومات الاستخباراتية فى بناء الوحدة الغربية فى مواجهة الهجوم الروسى، وبالفعل كانت حملة فعالة، وإن كانت غير تقليدية.
إلا أنه فى الوقت ذاته، بالغت أو أخطأت، إدارة بايدن فى تقديرها للقوة العسكرية الروسية وكفاءتها، ومع تأكد الأمريكيين من اقتراب روسيا من غزو أوكرانيا، أمرت واشنطن دبلوماسييها بمغادرة كييف على الفور، وعرضوا على رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكى طائرة للفرار.
لم تكن هذه رسالة ردع بل مجموعة رسائل دعّمت من يقين بوتين بنجاح الغزو. وكان الخطأ الكبير المتكرر من جانب بايدن وكبار مسئولى إدارته ممثلا فى طمأنة الروس بأن القوات الأمريكية لن تقاتل من أجل دولة غير عضو بحلف الناتو، ومن هنا لم يكن الرئيس بوتين بحاجة إلى القلق بشأن أى رد عسكرى أمريكى قوى أو فورى.
***
تدرك روسيا تردد الولايات المتحدة وألمانيا فى تقديم أسلحة أكثر تقدما لأوكرانيا يمكن أن تصل مقذوفاتها إلى داخل العمق الروسى، خوفا من ردة الفعل الروسية المتوقعة. من هنا يرى نفس هؤلاء الاستراتيجيين أن على واشنطن أن تبعث برسالة واضحة لروسيا مفادها أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدى إذا تم استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الروسية، والتى يمكن أن تكون قدرتها التدميرية بسيطة جدا مقارنة بقنابل مدينتى هيروشيما وناجازاكى. إذ يمكن للأسلحة النووية التكتيكية أن تنفجر فى السماء أو تحت سطح البحر بحيث لا تقتل أحدا، أو فى قرية صغيرة أو قاعدة عسكرية أوكرانية، بحيث تقتل مئات فقط لكن تبقى مشكلة الإشعاع النووى الذى تحركه الرياح.
وبعد التقدم الأوكرانى المتمثل فى استعادة مئات الكيلومترات التى سبق وسيطرت عليها القوات الروسية، لجأ الرئيس بوتين لاتباع نظرية الابتزاز النووى، ويبدو أن تحركه قد سُمع جيدا فى واشنطن وبقية العواصم الغربية.
ومع ذلك، يبدو أنه لا توجد إلا طريقة واحدة لردع الرئيس الروسى لكن لم يلجأ إليها الرئيس بايدن بعد، وهى التأكيد على أن عواقب إدخال السلاح النووى فى الحرب الأوكرانية سيكون من نتائجها تدمير الجيش الروسى والقضاء على حكم الرئيس بوتين نفسه.
***
فى الوقت الذى يؤمن فيه الأمريكيون أن خطر الصين هو التهديد الأكبر على الهيمنة الأمريكية على الشئون العالمية، إلا أنهم يرون فى مواجهة روسيا درسا تبعثه واشنطن للصين لردعها عن السعى لضم تايوان بالطرق العسكرية.
فى النهاية لا يعنى ردع دولة ما إذلالها، كما أكد الرئيس السابق جون كينيدى إبَّان أزمة الصواريخ الكوبية، يجب أن يعمل الردع ليدعم ويكمل الدبلوماسية. كلما كان الردع أكثر فعالية، كلما أصبح الحل الدبلوماسى أكثر مرونة وقابلية للحدوث.
(*) بالتزامن مع “الشروق“