حزب الله قبل الترسيم وبعده.. لا تغيير في قواعد الإشتباك!

أطلق العديد من الكُتّاب العنان لأقلامهم في التحليل حول أبعاد توقيع الورقة النهائية لترسيم الحدود البحرية بين كل من لبنان وإسرائيل، وإذا كان لبنان الرسمي قال كلمته بلسان رئيس الجمهورية ميشال عون، فإن حزب الله ستكون له إطلالته السياسية الكبيرة على هذه "المشهدية" من خلال خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله اليوم (السبت).

وعلى جاري عادة السيد نصرالله الحوزوية، فإنه يبني خطابه في أي قضية مفصلية يتناولها، بصورة تراكمية متدرجة، ومن يراجع خطاباته على مدى الشهور الماضية في ملف ترسيم الحدود البحرية، يستنتج كيف تتوزع رسائل حزب الله بين عدو يقرأها جيداً وبين داخل لبناني كان وسيبقى مُشرعاً على قراءات عديدة ومتناقضة، تبعاً للإنقسام اللبناني القائم منذ 2005 حتى يومنا هذا.

في خطابه المقتضب حول ترسيم الحدود، قال نصرالله إنّ ما حصل في ملف الترسيم “هو انتصار كبير وكبير جدًا للبنان الدولة والشعب والمقاومة”، نازعاً عنه شكلاً ومضموناً شبهة التطبيع، مشيراً إلى أن “العدو الإسرائيلي اعترف أنه لم يحصل على أي ضمانات أمنية في ملف ترسيم الحدود البحرية”، مؤكداً أن “لبنان أنجز خطوة مهمة ستضعه أمام مرحلة جديدة في تاريخه”.

وفي إنتظار ما سيقوله نصرالله (السبت)، ينظر كثيرون إلى سلوك حزب الله في ملف الترسيم بوصفه “سلوكاً براغماتياً عاقلاً ينتمي إلى مدرسة الواقعية السياسية” وليس على “الطريقة الصحافية” (نسبة إلى وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف في آخر زمن صدام حسين).

ثمة من يقول إن ما جرى “هدنة غير معلنة”، وإن الاستقرار في البحر “سوف يمتد إلى البر”، وإن “المقاومة باتت لزوم ما لا يلزم”! وذهب البعض أكثر من ذلك، مدعياً “سقوط جزء مهم من بكارة أيديولوجية المقاومة”.. وإن “حزب الله من اليوم وصاعداً أصبح مكبل اليدين”! ولن يجرؤ على القيام بأي أمر على الحدود من شأنه زعزعة الاستقرار وأن يتحمل مسؤولية تفويت فرصة استفادة لبنان من ثروته الغازية!

تعيدنا هذه العينة بالذاكرة إلى تحليلات مشابهة، عشية التحرير عام 2000، اعتبرت أن حزب الله قد سُحبت من تحت أقدامه ذريعة بقائه كمقاومة لاحتلال لم يعد موجوداً، لكن الأخير وجد ضالته آنذاك بأن ثمة أرض لبنانية ما زالت محتلة (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر)، وبالتالي المقاومة ما زالت حاجة لتحرير تلك الأرض.

وبعد مُضي 22 عاماً على التحرير، مروراً بحرب تموز 2006، “لم يعد دور المقاومة وسلاحها مرتبطاً بتحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة بقدر ما هو يشكل حماية دائمة للبنان طالما على حدوده الجنوبية الكيان العبري”. واليوم، وبعد انجاز الترسيم البحري، باتت “المسؤولية مزدوجة على حزب الله؛ حماية الحدود البرية وحماية الثروة النفطية أيضاً”، بخلاف ما يتوهم أو يُحلّل البعض في لبنان وخارجه عن تراجع دور المقاومة.

من يعتقد أن حزب الله قبل الترسيم ليس كما بعده، “فلينتظر حين يُجرّب العدو الإخلال بقواعد الاشتباك ليرَ كيف ستتصرف المقاومة” براً أو بحراً، بإختصار شديد؛ “المعادلات القائمة مع العدو الإسرائيلي قبل 27 تشرين الثاني/أكتوبر 2022 (موعد التوقيع على الاتفاق) هي نفسها بعد هذا التاريخ”

وفيما خص الهدوء الموعود الذي سوف ينعم به لبنان غداة اتفاق الترسيم، والذي ترى فيه جهات، إقليمية ودولية، فرصة لتعطيل دور المقاومة، يرحب حزب الله به، ومنطق الأمور يقول: “من لم يمانع استتباب الأمن على الحدود الجنوبية قبل الترسيم، من الطبيعي أن لا يمانع ذلك بعد الترسيم، والذي سوف يُتيح للبنان الاستفادة من ثروته الغازية”.

في الأصل، لم تكن المقاومة يوماً “مقاومة هجومية”، إنما كانت ولا تزال “مقاومة دفاعية”، فيما العدو هو الذي يبادر للاعتداء على لبنان وليس العكس. وبالتالي، “اتفاق الترسيم لن يلجم حزب الله ويمنعه من القيام بشيء يزعزع الاستقرار على الحدود، إنما من شأنه أن يلجم العدو الذي لطالما مارس فعله العدواني سواء ضد لبنان أو غيره من الدول العربية”.

في جعبة المقاومة “أكثر من رد على العدو، ولم تسنح الظروف لاستحقاقها حتى تاريخه، وهذا لا يدل على تراجع المقاومة أو ضعفها، إنما يدل على حكمة المقاومة ودرايتها بعواقب الأمور”. لكنها “لا تقبل أي تغيير ومهما كان بسيطاً في قواعد الاشتباك القائمة منذ العام 2006 حتى يومنا هذا”.

وبطبيعة الحال، سوف تستمر المقاومة على نفس الوتيرة، والترسيم “لن يغير شيئاً في استراتيجيتها، سواء على صعيد الحدود الجنوبية او لناحية دورها في الإقليم كرافعة وسند وظهير لكل المقاومات في المنطقة، لا سيما في فلسطين المحتلة”، والتي لم تر ضيراً باتفاق الترسيم، حيث قال اسماعيل هنيه، رئيس المكتب السياسي لـ”حركة حماس”، للرئيس ميشال عون، إثر لقائه في بعبدا في زيارته الأخيرة للبنان في حزيران/يونيو الماضي: “فلترسم الحدود مع العدو على خط 29 و30 حتى.. افضل من أن يسرقها هو.. لاحقاً، عندما نحرر فلسطين نعيد الترسيم فيما بيننا”، وهذا ما يدحض ما يُشاع عن “نقزة” في الشارع الفلسطيني تجاه اتفاق الترسيم.

إقرأ على موقع 180  أيّها اللبنانيّون.. هذا هو قضاؤكم!

وعلى قول المثل “المي بتكذب الغطاس”، من يعتقد أن حزب الله قبل الترسيم ليس كما بعده، “فلينتظر حين يُجرّب العدو الإخلال بقواعد الاشتباك ليرَ كيف ستتصرف المقاومة” براً أو بحراً، بإختصار شديد؛ “المعادلات القائمة مع العدو الإسرائيلي قبل 27 تشرين الثاني/أكتوبر 2022 (موعد التوقيع على الاتفاق) هي نفسها بعد هذا التاريخ”.

ولتدليل على أهمية انجاز الترسيم، سوف يحتفل حزب الله به لاحقاً، وسيصبح إحتفالاً سنوياً، “هو كانتصار حرب تموز 2006، وحرب تحرير الجرود 2017، بل يتميز عنهما بأنه الانتصار الوحيد الذي لم يكلف المقاومة نقطة دم واحدة”.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  حزب الله بين التحرير والتغيير.. بين الممكن والمرتجى!