التقارب التركي المصري.. هل تستفيد منه ليبيا؟

لكل من مصر وتركيا مصالح سياسية وأمنية ونفطية في ليبيا تجعلهما قادرتين (إذا أرادتا) على استعمال نفوذهما لفرض العودة الى الانتخابات النيابية والرئاسية المؤجلة وتقبل نتائجها.. وصولاً إلى إيجاد تسوية للأزمة الليبية.

تتعرض حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد دبيبة الى انتقادات قاسية نتيجة انسداد الأفق السياسي وتأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية إلى أجل غير مسمى.

يُحمّل الكثيرون عبد الحميد دبيبة شخصياً مسؤولية اضاعة فرصة الانتخابات (24 كانون الاول/ديسمبر 2021) تنفيذاً لقرارات لجنة الحوار الوطني وفق مخرجات مؤتمر جنيف (2020) تحت اشراف الامم المتحدة والتي اقرت قيام حكومة انتقالية تتولى الاعداد للانتخابات الرئاسية والنيابية ومن بين القرارت توصية ان لا يكون رئيس الحكومة مرشحاً للانتخابات الرئاسية.

نكث الدبيبة بالوعد وعرقل اجراء الانتخابات في موعدها بذريعة عدم اتفاق الاطراف الليبية على صيغة دستورية وقانون انتخابي. وبذلك ضاعت الفرصة ودخلت البلاد في حالة شلل سياسي وفوضى امنية تُوّجت بظهور الميليشيات المسلحة في الشوارع والساحات الليبية.

اخفاق حكومة دبيبة في تنفيذ المهمة التي اوكلت اليها حرّكت برلمان طبرق، السلطة الوحيدة المنتخبة. عقد رئيس البرلمان عقيلة صالح جلسة في مقره في الشرق بحضور عشرين نائبا من الغرب وانتخبوا وزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج فتحي باشاغا خليفة لدبيبة.

دبيبة رفض قرار تعيين باشاغا واصر على مزاولة مهماته من المقر الحكومي في طرابلس حيث طلب من حلفائه من جماعات الاخوان المسلمين والميليشيات التابعة لهم حراسة المقر ومنع باشاغا من دخول طرابلس، وبالفعل حاول الأخير دخول طرابلس بالحسنى والقانون ولم يفلح، وادت حالة التوتر والتشرذم الى وجود حكومتين وسلطتين واحدة غربا في طرابلس برئاسة دبيية واخرى شرقا في سرت برئاسة فتحي باشاغا تتنازعان الشرعية.

ان سيطرة دبيبة، سياسيا وعسكريا، على العاصمة طرابلس منحته امتيازات وتفوقاً على غريمه باشاغا. لان العاصمة هي المركز الذي يتواجد فيه البنك المركزي والهيئة الوطنية للنفط. اي الثروة والسلطة. دبيبة في عدة مناسبات رفض تحويل حصة عادلة من صادرات النفط الى حكومة سرت مما زاد من نقمة اهل الشرق والهلال النفطي عليه وصولاً إلى التلويح بفتح ملفات الفساد المتهم بارتكابها عن طريق الصفقات النفطية والعقارية التي تولت شركاته كاحد رجال الاعمال الكبار تنفيذها بعد سقوط نظام معمر القذافي.

ليبيا في موقعها الاستراتيجي الفريد قد تكون البديل الاقرب والارخص للغاز والنفط الروسي. التقاء المصالح وتبادل المنافع للدول الاقليمية والدولية قد تلتقي للانخراط في مشروع غاز ونفط شرق المتوسط. لا يكتمل المشروع بدون اشتراك ليبيا وهي على مرمى حجر من اوروبا، هل يمكن ان يكون التقارب المصري التركي مدخلا للتهدئة والتعقل في ليبيا؟

وترافق جمود وشلل التأزم الليبي الداخلي مع تراجع الاهتمام الدولي بالوضع الليبي، وزاد الطين بلة اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في الشتاء الماضي، ما أدى إلى حجب الاهتمام الدولي عن ليبيا وترك الليبيين يمعنون في خلافاتهم وانانيتهم بدون رقيب او حسيب. ولم يتجدد الاهتمام الدولي بليبيا الا بعد استفحال المعارك في شوارع طرابلس حين عيّن الامين العام للامم المتحدة الديبلوماسي السنغالي والافريقي الهوى عبدالله باتيلي، المندوب السادس الاممي منذ ثورة فبراير 2011.

باتيلي في جلسة خاصة عن ليبيا في مجلس الامن حث المجتمع الدولي على الاسراع في اجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لانتاج سلطة منتخبة من الشعب عن طريق صناديق الاقتراع. كما طالب الاطراف الليبية المتنازعة بالتوافق على صيغة دستورية مقبولة من الجميع والكف عن ممارسة التجاذبات والعراقيل التي تقترفها بعض الاطراف لتأخير بل نسف الانتخابات. لم يسم باتيلي الجهة التي يقصدها بالاسم برغم أن المقصود هو رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد دبيبة الذي استفاد من غض النظر الدولي عن وجود حكومتين وسلطتين في المرحلة السابقة.

والمعروف ان كل طرف ليبي يتمتع بعلاقات وطيدة مع حكومات اقليمية ودولية. حكومة الوحدة تحظى بدعم من بريطانيا والجزائر وتركيا. حكومة الاستقرار تحظى بدعم من روسيا وفرنسا ومصر. ويبقى السفير الاميركي ريتشارد نورلاند عيناً ساهرة على مصالح اميركا الاستراتيجية، فيراقب مخزون ليبيا النفطي والغازي الكبير لتوظيفه بخدمة الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها. وهكذا تبقى ليبيا ضحية التخاذل الداخلي والتآمر الخارجي وتستمر الحكومتان تتناكفان وتتنافسان ارضاءً لمصالح شخصية وخارجية غير عابئتين بالمصلحة الوطنية الليبية، وخير دليل هو توقيع دبيبة على صفقات نفطية وعسكرية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الأمر الذي اغضب اليونان وقبرص ومصر، الدول التي ترفض ادعاءات انقرة بوجود حدود بحرية لها في المنطقة الاقتصادية الليبية المتنازع عليها وخاصة في حدود جزيرة كريت.

ازمة اخرى ضربت المجتمع الليبي وتتمثل في اعادة فتح ملف قضية لوكزي بعد قيام جماعات مسلحة تابعة لحكومة دبيبة بخطف مسؤول جهاز المخابرات السابق ابو عجيلة مسعود المريمي المشتبه به في صنع القنبلة وتفجير طائرة البان اميركان فوق لوكربي (1988) حيث قتل 270 راكبا بينهم 190 اميركيا. بعض الاوساط الليبية تتهم حكومة دبيبة بالقاء القبض على المريمي لتسليمه الى الولايات المتحدة الاميركية مقابل منافع شخصية لدبيبة. خصوصا ان ملف القضية اقفل سنة 2008 ودفعت ليبيا 2.7 مليار دولار اميركي تعويضات لاهل الضحايا.

إقرأ على موقع 180  فرنسي رئيساً لحكومة لبنان.. بتغطية حريرية!

الازمة الثالثة التي قامت بوجه دبيبة تتمثل باتهامه ببيع حصة ليبيا من الأسهم في شركات نفط عالمية مثل توتال بدون موافقة واطلاع البرلمان الليبي.

والمؤسف ان الليبيين منقسمون قبائل ومناطق واحزاباً وجماعات، والمجتمع الدولي منقسم ايضاً، فكل دولة تنظر الى ليبيا من زاوية مصالحها التي تعتبر ليبيا فرصة للاستثمار في النفط والغاز واعادة الاعمار وسوقا للسلاح، غير أبهين بمعاناة الليبيين (7 ملايين نسمة) وتوقهم للامن والاستقرار والحياة الطبيعية.

لا بوادر للتوافق بين الافرقاء الليبيين لانهاء المرحلة الانتقالية والتأسيس لحياة سياسية تنطلق من الانتخابات. الليبيون عاجزون عن ايجاد حلول لازماتهم والقوى الاقليمية والدولية أعجز منهم في فرض الحلول عليهم.

ثمة بصيص امل من التقارب التركي المصري والمصافحة ـ المصالحة التي تمت بين اردوغان وعبد الفتاح السيسي في الدوحة برعاية قطرية رسمية. انقرة والقاهرة تستطيعان توظيف علاقاتهما الجيدة مع غرب وشرق ليبيا لاقناع السلطتين بضرورة الاتفاق على صيغة دستورية تمهد لاجراء انتخابات قريبة.

ليبيا كنز نفطي وغازي كبير في وقت تتطلع فيه الدول الكبرى والصغرى الى غاز ونفط شرق المتوسط لسد حاجاتها من الطاقة. ليبيا في موقعها الاستراتيجي الفريد قد تكون البديل الاقرب والارخص للغاز والنفط الروسي. التقاء المصالح وتبادل المنافع للدول الاقليمية والدولية قد تلتقي للانخراط في مشروع غاز ونفط شرق المتوسط. لا يكتمل المشروع بدون اشتراك ليبيا وهي على مرمى حجر من اوروبا، هل يمكن ان يكون التقارب المصري التركي مدخلا للتهدئة والتعقل في ليبيا؟

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ما هي أبرز التحديات الاستراتيجية الآنية أمام حكومة نتنياهو؟