يتذرع المدافعون الذكوريون عن قمع المرأة بخرافة قديمة مفادها أنها أكثر شهوانية من الرجل بعشرات المرات وبالتالي هي خائنة بالفطرة. الذكوري، حامل هذه الثقافة المجتمعية، يتعامل مع جسد المرأة كما يتعامل مع شيء يمتلكه. هو حر التصرف به، يكسوه، يعريه، يحفظه، يحجبه، بلا أي إرادة لهذا الجسد.
وكل حر يدافع عن جسده/ها، من وجهة نظره، وعن جسد أي إنسان آخر، مستباح دمه/ها ومستباح وجوده/ها كله، كونه/ها في الخانات المصنفة بالعهرية.. إلخ.
هذا التعامل ينم عن خوف شديد من جمالية جسد المرأة، فهو لا يرى ولا يتخيل أنه يمكن مشاركة جسده وقبوله من الأنثى عندما تكون حرة.
فالسلطوي يشك في رغبة الآخر الذي يتسلط عليه، فيه، وهو حر.
واستسقاء الذكوري مادته المعرفية يكون عادة مِن الروافد الدينية والمجتمعية. فهذا الانغلاق المعرفي هو الذي أحدث هذا التعصب اللانساني تجاه المرأة.
فالنساء “موجودات بواسطة، ومن أجل نظرة الآخرين أي بمثابة موضوعات مضيافة، جذابة وجاهزة، وننتظر منهن أن يكن أنثويات، أي مبتسمات، لطيفات، مجاملات، خاضعات، محتشمات، محافظات وحتى منزويات”، كما يقول بيار بورديو في كتابه “الهيمنة الذكورية”.
فالذكوري يستخدم التجريد للمرأة من كل بُعدِ إلا البُعد الحسي، بما يتناسب مع كبته الجنسي، فتصبح جسدا فقط بلا أي بُعد آخر، وهذا ظلم ما بعده ظلم للمرأة.
وقد تقبل المرأة الذكورية بالخضوع وترفض المساواة، وهذا يدل على تغييب وتشويه كامل لمفهوم حريتها. ويطرح هذا الأمر الفهم التاريخي للمرأة وأي ثقافة تتشربها.
وتُستخدَم هذه النظرة بين الرجل والرجل، فالرجل أيضا يُجرِد الرجل من أبعاده كلها، إن كان يدافع عن حقوق المرأة المستلَبة.
طريقة المُقيّدين معرفياً هي عدم محاولة الفهم بل الاستسهال في التصنيف لكي لا يواجه مَجهوله النفسي ونوازعه المكبوتة.
الإنسانة العربية تحيا حريتها في الخفاء المطلق في داخلها أو الخفاء شبه المطلق مع شريكها المُحرّم عليها. تهرُب من السجن بعد انغلاق العيون وتعود إليه قبل أن تنفتِح. يسري ذلك أيضاً على الإنسان الذي يحيا حريته بالطريقة ذاتها
مفهوم الحرية
الحرية هي محاولة للوصول إلى أقل كبت للكيان الذاتي، والحرية عقلية ووجدانية وجسدية وتخيلية، وليست عقلية فقط.
والعقل لا يُحرِر إلا الكبت العقلي، وكبت الجسد يُحرره الفِعل (الجمالي كالرقص والجنس إلخ..).
إن كبت الوجدان يُحرّره الفن، الحب، الشِعر.
وكبت المخيلة يُحرره الأدب (المجاز، الأساطير، التعبير إلخ..).
وكبت الأبعاد والحدود يُحرره الشعر وهذا أقصى ما يمكن أن يفعله الإنسان للتحرر.
وما يثير التقزز هو أولئك الذين يستخدمون الجسد في التصور الديني أداة لقمع الآخرين والسيطرة عليهم وعلى ذواتهم، ويتساوى هؤلاء مع الذين يستخدمون الجسد وسيلة وحيدة للتحرر من هذا التصور.
الطرفان يستخدمانه بلا جماليته، الأول، يستخدمه لقمع ما يخاف منه، أما الثاني فيستخدمه هو وحده، لأنه لم يتخلص أيضاً من كبته.
فالأفعال ليست مرتبطة بالمفاهيم دوما بشكل حاد وصارم، إنما تخضع لسياق هو الذي يُضفِي عليها معناها.
أصول النظرة للجسد والايروتيك
لا يمكن الحديث عن الجنس أو الإيروتيك عموماً والكبت خصوصاً من دون الحديث عن الدين لأن أفكاره هي المُسيطِرة على كل أفعال الأفراد في المجتمع.
والدين هو عامل رئيسي في خلق الانفصام بين إرادة الفرد الباطنية وأفعاله الواقعية. فهو يحيا جنسياً في مخيلته ويمارس عمليات جنسية كاملة إلى أن يجد من يرتبط بها جنسياً، وهذه الحياة التخيلية تُدمر قدرات كثيرة في الإنسان ومنها القدرة على الحب، والقدرة على الإبداع.
الإنسانة العربية تحيا حريتها في الخفاء المطلق في داخلها أو الخفاء شبه المطلق مع شريكها المُحرّم عليها. تهرُب من السجن بعد انغلاق العيون وتعود إليه قبل أن تنفتِح. يسري ذلك أيضاً على الإنسان الذي يحيا حريته بالطريقة ذاتها.
عقدة الذنب والحرية
تربية عقدة الذنب والخطيئة من خصائص الكثير ممن حاولوا الثورة على تلك المفاهيم، فالمكبوت حائر بين ما تَربى عليه، وبين ما يريده جسده.
وحتى إن كان حراً فهو حر في الخفاء وفي داخله فقط.
يستشعر أنه يفعل شيئاً غير أخلاقي بالنسبة له وبالنسبة للمجتمع.
لأن المجتمع يُحرِّم أفعالاً هي حقوق طبيعية ويعتبرها عاراً أو خطيئة..
انفصام الأقنعة
في المجتمع المكبوت، كل شيء محرّم في الظاهر وكل شيء محلل في الخفاء.
وهذا الانفصام يؤدى إلى انفصامات أخرى منها الانفصام الأناوي والتشكل على حسب شخصية الآخر المُحتَك به أو أقرب سُلطة تلحق به.
إنه يمثل طوال الوقت ولا يكون على حقيقته إلا وحيداً.
الرغبة في العري والذات الواحدة غريزة طبيعية للإنسان لكنها صعبة التحقق.
آثار الكبت الجنسي
من آثار الكبت الجنسي هو اعتبار الآخر المغاير في الجنس أداة متعة فقط واغفال أي شيء آخر ممكن ان يعطيه إياه. تقزيمه في جسد بنكران كامل لبقيته، هو نكران كامل لإرادته ورغباته ومشاعره وأفكاره، وهو تقزيم للذات المكبوتة لنفسها وحصرها لكل هذه الطاقة غير الجسدية.
الكبت وجمالية الجنس
الكبت يُدمر جماليات كثيرة حتى أنه يدمر جماليات الجنس نفسه عند ممارسته بعد الكبت لفترة طويلة. الكبت هنا يقزم قيمة المرأة وجماليتها كمشارِك بالمناصفة مع الرجل في العالم.
وكون المرأة الأضعف اجتماعياً لأسباب كثيرة فيتم الاستغلال السياسي والاجتماعي والديني لذلك.
الكبت الجنسي عند الرجال يحجب قيمة النساء وأيضا العكس.
تسييس النشوة
الكبت الجنسي عند الانسان الذى بدون فكر ولا تأمل، الذى لا يشعر بنشوة أخرى غير نشوة الجنس يجعله محصوراً نفسياً ويعيش الرغبة بالتخيل والتهالك على تحقيقها. هو يفعل كل شيء للوصول إلى جسد المرأة بأدق تفاصيله ويشعر بالفخر الذكوري بعد ممارسة الجنس معها، أما هي فيجب أن تشعر بالعار والدونية لا بل يجب أن يُشعرها بأنها عاهرة، برغم نشوة كليهما. بذلك يتم تسيِيس النشوة لصالح الاقوى اجتماعياً. لصالح السلطة وعلى حساب كل معاني وقيم الشراكة الإنسانية.
إنه يتزوج ليقضى حاجته الجنسية فقط، كأنه يستأجر عاهرة لمدة طويلة بالمهر والشقة والذهب.
ربما يحتج كثيرون على التوصيفات أعلاه، وحجتهم في ذلك أن المرأة راضية بهذا القهر، وأنها حرة في أن تُقيِّد نفسها ويجب أن نحترم حقها وإلا نكون كمن يساهم في تقييد رأيها لا الدفاع عن حقوقها. جوابي أن الإحتجاج مرفوض لأن المرأة قيمة إنسانية وكلما توافرت عناصر إستقلاليتها كلما كان دورها المجتمعي أكبر وأفعل.
(*) راجع الجزء الأول: الإيروتيك العربي.. وفلسفة الجسد