هيكل.. “الأستاذ” الذي تنبأ بثورة مصر

لم يكن محمد حسنين هيكل أو الأستاذ هيكل شخصية إعلامية وصحفية عربية تخطت حواجز الحدود الجغرافية واللغوية والفنية البحتة، تلك التى يمتهنها الصحفيون العالميون وهم قلة وفى تناقص مستمر. ولم يكن من الشخصيات التى يتفق معها الكثيرون فى الآراء والمواقف. وقد يختلف معه كثيرون من «أهل الكار» عشاق مهنة المتاعب ولكنهم لا يستطيعون أن يوصموه بصفة الصحفى العادى كما كثيرون من المعتدين على المهنة اليوم أو حتى من يدعون الاحتراف وأحيانا يبالغون فى تملقهم وكأنهم مسكونون بمهنة المتاعب التى تطاردهم أينما ارتحلوا.

الأستاذ محمد حسنين هيكل كان ولا يزال بعد مائة عام ولأعوام قادمة من أكثر الصحفيين العرب والعالميين الذين احترفوا المهنة بكل تفاصيلها، فقد بدأ كصحفى حربى وكان ربما الأول عربيا ومثله بعض الصحفيين الاوروبيين والأمريكان. أقول بعضا لأن كثيرين لم يكونوا صحفيين بل كما قال «المرحوم» روبرت فسك فى أثناء تغطيته لحرب الخليج الأولى «صحفيون بملابس عسكرية وعساكر يتوقون لأن يكونوا صحفيين».. بل إن الحروب كان يدونها المقاتلون والمنتصرون حتى خرج بعض حاملى القلم قبل الآلة الكاتبة ومن بعدها “الآيباد” و”التابلت” وغيرهم فغيّروا الصورة وكانوا حقيقة المراقبين الحقيقيين.

***

هكذا بدأ “الأستاذ” كما قال فى كثير من كتبه ومقابلاته ولقاءاته وأحاديثه مع تلامذته حتى الذين منهم لم يعملوا معه ولم يلتقوا به ولم يكونوا من مبتدئى العمل بجريدة “الأهرام” العريقة.. هو كان وسيبقى بعد مائة عام وأعوام «الأستاذ» لكثير منا، نحن من تعلقنا بالمهنة حتى أصبحت هى الوله والعشق الأول وربما الأخير كما هو الذى بقى سائرا فى ممراتها الكثيرة والمتعرجة وأيضا عوالهم التى ابتعدت عن الورق والقلم حيث بدأ هو.. “الأستاذ” كان كما علمنا عن بعد ودون أن نلتقى فى حضرة صاحبة السعادة، علمنا أن الصحافة هى مهنة المتحول والمتطور وليست مهنة «لغة الخشب» كما كان يرى البعض أو كما هو البعض حتى اليوم، حتى لو تغيرت أدواته وتحولت أكثر الوسائل تطورا!

***

فى مئوية “الأستاذ” كان الحشد كبيرا ولكنه لم يكن كبيرا عليه على الأقل بالنسبة لكثير من الصحفيين الشيوخ ومتوسطى الأعمار والشباب والشابات أيضا.. هو حمل قلمه، سلاحه الوحيد، وحسه الذى لا تستطيع أى مدرسة أو مؤسسة صحفية مهما كثرت ملايينها أن تلقنه لأحد، أو تحول الجهلة والمدعين إلى صحفيين محترفين قد تختلف معهم ولكنك لا تستطيع أن تنكر إمكانياتهم المهنية العالية.

***

“الأستاذ” كان يقول للإنجليز ولكل الغرب أن هذا رأى العرب أو الشرق أو الجنوب وهو مختلف عن قراءتكم المرتبطة بمصالحكم وبكثير من نظرات الرجل الأبيض المستعمر السابق.. هو كان ملك إيصال الرسالة مع ابتسامته وبكلمات لا تشد العصب ولا تسبب ثورة فى ردود الفعل

بدت مئويته احتفالية بمرحلة أو حالة، قد لا تتكرر، ليس لأن الأستاذ هيكل خارق ولكن مثل هذه الحالات بحاجة إلى مناخات أو ربما عدد من العوامل والظروف والعلاقات والصدف وبعض الحظ والأهم شخصية لا تمل البحث والتأمل.. وجوه من زمن صحفى مصرى حافل (لم تكن هناك وجوه صحفية وإعلامية عربية إلا ربما ما ندر برغم أنه كان يقدم نفسه كصحفى عربى) وآخرون من زمن باهت لم يكن الأستاذ يعتد به وربما لا يحترمه حتى ولكنهم لم يستطيعوا أن يتغيبوا عن المشهد الأهم فى 23 سبتمبر/أيلول 2023 فى المتحف القومى للحضارة المصرية، أو العيد المائة للصحفى العربى/العالمى محمد حسنين هيكل الذى بدا كمراسل حربى وتحول مع الوقت لأهم متابع للحدث فى المنطقة وليس مصر فقط، والصحفى العربى الذى التقى واقترب من معظم الشخصيات التى صنعت بعض أو معظم تاريخنا الحديث.. هو المدون لهذا التاريخ وهو القارئ بعمق له وهو من قال ونادى كثيرا بأن نفكر فى المستقبل ولا ننغمس فى التاريخ إلا لفهم أعمق للواقع واستشراف للمستقبل.. هو “الأستاذ” الذى قال فى عام 2010 أن هناك ثورة قادمة وهو الذى كان جزءا من ثورات عدة سابقة بل هو من صاغ رسائلها وخطاباتها.

***

“الأستاذ” طالب ونادى بحرية التعبير والفكر أيضا برغم أن كثيرين يلصقونه بمرحلة كان يسودها الفكر واللون الواحد، وآخرون ربما يدينونه ويتهمونه، ولأنه لم يقدس الشخص كصحفى ولأنه كتب فى الصحف العالمية وأهمها “التايمز” و”التايمز أون ساندى”، فكان من الضرورة أن نذكر بأنه فى مقالاته تلك كان يضفى قراءة أخرى مختلفة عن تلك الصحف وكان ينقش بلغة أنيقة وكما قال كثيرون من رؤساء تحريرها والقائمون عليها فى ذلك الوقت وبعده، بأن لغته الإنجليزية كانت رائعة. “الأستاذ” كان يقول للإنجليز ولكل الغرب أن هذا رأى العرب أو الشرق أو الجنوب وهو مختلف عن قراءتكم المرتبطة بمصالحكم وبكثير من نظرات الرجل الأبيض المستعمر السابق.. هو كان ملك إيصال الرسالة مع ابتسامته وبكلمات لا تشد العصب ولا تسبب ثورة فى ردود الفعل.

***

فى مئوية “الأستاذ” افتقدناه بكثير من نزيف الحبر وبعض الألم.. نحن الصحفيون المتمسكون بصحافة الاستقصاء والمتابعة والوقوف عند الحدث لا عبر الهواتف فى المكاتب المكيفة. هو شخص عابر للشخصيات والآراء والأفكار وأساليب الكتابة.. ولم يكن شخصاً يتفق معه وعليه كثيرون وربما خاصة المصريين منهم أو آخرين من «كارهى الناصرية».

إقرأ على موقع 180  أجدني كفرتُ.. بالعروبة!

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
خولة مطر

كاتبة من البحرين

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  السباق الروسي - الإيراني على إعادة بناء الجيش السوري.. دلالات إسرائيلية