احتار المحللون في التكهن كيف سيرد حزب الله على خسارته نقطة كبيرة وثمينة تمثلت باغتيال العاروري في معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهنا لا بد استطراداً أن نُسجل للعدو أن استهدافه للعاروري كان بمثابة “ضربة معلم”، فهذا القيادي لطالما شكّل هدفاً لـ”إسرائيل” على مدى سنوات طويلة، وهي ضربة لا تستفز الولايات المتحدة التي كانت منذ سنوات طويلة أيضاً قد وضعت جائزة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يُقدّم معلومات عنه، وعلى الرغم من مكان تنفيذ العملية فإنها لم تطل أي كادر من كوادر حزب الله ولا من المدنيين في منطقة مكتظة بالسكان، وقد مرّرت قيادة العدو رسالة غير مباشرة للحزب عندما قال الناطق العسكري الصهيوني إن العملية لم تستهدف حزب الله والدولة اللبنانية. وهكذا فإن رد الحزب، سواء في بيانه إثر اغتيال العاروري أو من خلال خطابي السيد نصرالله، يومي الأربعاء والجمعة الماضيين، كان عالي النبرة في تهديد الكيان برد كبير، لكن السيد نصرالله أعطى إشارة عن طبيعة الرد بالقول “بيننا الميدان والايام والليالي”.
من الواضح أن حزب الله لا يُريد تحقيق هدف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو عبر أي خيار يؤدي إلى توسيع دائرة الحرب ولكنه متمسك في الوقت نفسه بحق الرد وحتميته على اغتيال العاروري، من أجل منع العدو من تعديل قواعد الاشتباك لمصلحته. وهكذا فان احتمالات الرد تتمحور حول أربعة خيارات:
أولاً؛ استهداف مؤسسات أو مصالح للكيان الصهيوني في أي مكان في العالم، وهذا الخيار لا مصلحة للمقاومة به اليوم، لأن الرأي العام العالمي بدأ ينقلب بصورة كبيرة لمصلحة المقاومة الفلسطينية ومن شأن أي عملية من هذا النوع أن تؤلب الرأي العام العالمي ضد المقاومة.
ثانياً؛ توسيع جغرافية الحرب مع العدو وأسلحتها، وهنا لا يحتاج أي محلل إلى كثير تمحيص لمعرفة أن نتنياهو يستجدي بشتى السبل توسيع دائرة الحرب وتحويلها إلى حرب شاملة على مدى الشرق الأوسط بهدف جر الولايات المتحدة إلى الانخراط في الحرب على أمل أن يحقق نتنياهو حلمه وطموحه في ضرب إيران مباشرة، وهو الأمر الذي دأب بالسعي لتحقيقه من دون جدوى منذ العام 2009، لذلك فإن نصرالله لم يكن ليعطي نتنياهو مثل هذه الفرصة الثمينة التي يبتغيها.
الإقتداء بالاستراتيجية العسكرية الايرانية القائمة على “ذبح العدو بالقطنة” عبر مراكمة النقاط في “الميدان.. في الأيام والليالي” القادمة. وتفسير ذلك أن الحزب سيرد في الميدان ولن يكون الرد عملية محددة بذاتها بل سلسلة عمليات متواصلة، وقد بدأ هذا الرد يتبلور من خلال الهجوم الصاروخي العنيف الذي شنّته المقاومة على قاعدة ميرون الاستخبارية في شمال فلسطين المحتلة
ثالثاً؛ تنفيذ عملية اغتيال لأحد القادة الصهاينة داخل الكيان من مستوى يوازي القيادي صالح العاروري، إلا أن القدرات الاستخبارية والعملياتية لحزب الله لم تبلغ حتى الآن المنسوب الذي يُوفر تنفيذ مثل هذا الخيار حتى يومنا هذا، علماً أنه في تاريخ الصراع لم يسجل لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية أي عملية اغتيال لقادة صهاينة داخل الكيان إلا مرة واحدة، عندما ردّت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى في 27 أغسطس/آب 2001، بعد أقل من شهرين، باغتيال وزير السياحة السابق الصهيوني المتطرف رحبعام زئيفي في مدينة القدس على يد مجموعة من عناصر الجبهة مزودين بكواتم للصوت.
رابعاً؛ الإقتداء بالاستراتيجية العسكرية الايرانية القائمة على “ذبح العدو بالقطنة” عبر مراكمة النقاط في “الميدان.. في الأيام والليالي” القادمة. وتفسير ذلك أن الحزب سيرد في الميدان ولن يكون الرد عملية محددة بذاتها بل سلسلة عمليات متواصلة، وقد بدأ هذا الرد يتبلور بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على خطاب السيد نصرالله بالهجوم الصاروخي العنيف الذي شنّته المقاومة على قاعدة ميرون الاستخبارية في شمال فلسطين المحتلة، صباح اليوم (السبت)، وهذه القاعدة هي واحدة من قاعدتين استخباريتين كبيرتين للعدو، وتقع الثانية في جنوب فلسطين. وقد أعلن الحزب أن هذا القصف بـ 62 صاروخاً هو رد أولي على اغتيال العاروري، أي أن الرد سيتواصل في الميدان وعلى مدى الايام والليالي القادمة، كما ذكر السيد نصرالله.
هذا في الميدان، أما في السياسة، ثمة فرص، بحسب ما أوحى خطاب السيد نصرالله الأخير، عندما قال إن من بركات دخول المقاومة الحرب في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول أنها فتحت أمام لبنان الفرصة لتحرير أراضيه المحتلة بدءاً من النقطة “ب” في رأس الناقورة غرباً وصولاً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا شرقاً مروراً بشمال بلدة الغجر وما تبقى من نقاط حدودية متنازع عليها بين لبنان وفلسطين المحتلة.
لقد كان السيد نصرالله واضحاً عندما أفهم العدو أنه سيرد على اغتيال العاروري وأنه يريد لرده أن لا يُعطي ذريعة لعدو بادر هو إلى تجاوز الخطوط الحمر، فكانت بالتالي “نصيحته” بعدم التهور “الإسرائيلي” لأن أي توسيع لدائرة الحرب من قبل العدو سيكون الرد عليه “من دون حدود ومن دون ضوابط ومن دون سقوف”، وهذا يعني أن مدن العدو ومطاراته وقواعده العسكرية ومنشآته المدنية ستكون هدفا لصواريخ المقاومة الدقيقة وغير الدقيقة..
وبطبيعة الحال أوضح السيد نصرالله لكل من يهمه الأمر أن الخط الأحمر للمقاومة في لبنان وحلفائها هو مصير المقاومة في غزة، إذ قال إنه لو ـ لا قدر الله ـ تمكن العدو من القضاء على المقاومة في غزة فإن أول ما سيفعله هو التوجه إلى الحرب ضد لبنان، وبالتالي فان مصير المقاومة في غزة من شأنه أن يرسم معالم المرحلة المقبلة في المنطقة.