إعتقدنا أن قراراً ما سيصدر عن محكمة العدل يتيح للناس التقاط الأنفاس. هدنة تُتيح للناس أن يقيموا مراسم دفن لائق لموتاهم؛ أن يُلملموا أشلاء أحبائهم. هدنة تمنح دقائق وساعات للأطفال الجرحى أن يخبروا عن أسمائهم، وللضحايا منهم أن يتعرّف عليهم ذووهم. هدنة لكي تُرضع الأمهات بالتنقيط حليباً من أرواحهن لفلذات أكبادهن الحديثي الولادة.. وأن تجد طوابير الانتظار “لقيمات” خبز تسدّ رمق الجوعى.
وما بين رفع الدعوى، وانتظار صدور قرار عن المحكمة، والأمنيات المشبعة بالقهر، كَاَبدَ أهلنا في غزة هذا القلق، وهذه التمنيات، والتباس التقييم للقرارات التي تصدر عادة عن جهات أممية، لأن تجارب الشعب الفلسطيني مع قرارات هذه الهيئات والمؤسسات الدولية منذ نكبة العام 1948 لا تشي بالثقة بإمكانية تنفيذها.
إنه الأمل. هؤلاء الذين باتوا مُشرعين على الموت تأملوا صدمة تُخفّف عنهم أثقال واقع رهيب يعيشونه منذ حوالي الأربعة أشهر: قتل ودمار ولا فرصة لإنقاذ ما تبقى من حيوات. هذا ما جعلهم يعيشون احتمال هذه البارقة.
ثمة حاجة لإعادة التقييم لكل ما ورد من تحليلات وتوقعات عالية السقوف، وتهليل، “وحشرة أنوف” في مهام المؤسسات الأممية والدولية، لأن في كواليسها ما ليس في الظاهر من النوع الذي يُزيغ البصر والبصيرة
أما وقد صدر القرار وكان مُخيبّاً لهم، ولا سيما بتجاهله قضية وقف النار، أي وقف الموت والدمار، فإن من يسمع آراء أهلنا في غزة يكتشف أن ما صدر عن محكمة العدل أشبه ما يكون برمي “الأسيد” على جرحهم المفتوح؛ جرح أرواحهم ـ أرواحنا المهشمة الحزينة لما بلغته أحوالهم من أهوال ومصائب لا تحصى ولا تعد.
أما وقد صدر القرار مُطابقاً لروحية ومواصفات المشهد الدولي، وخاصة الأميركي الداعم لإسرائيل بلا حدود في حربها ضد كل الشعب الفلسطيني، لاحظنا أنه إكتفى بصياغات عمومية تُشيح الأنظار عن القضية الأم، أي معاناة أهل غزة التي لا توصف.
أما وقد صدر القرار- ولا نبخس عدداً من القضاة علوّ ضمائرهم-، غير أن السيف الذي سبق العذل جدّد المعاناة وبدّد الآمال وأصاب الأمل بقذيفة شعواء وزاد من خيبة المستضعفين وغضّ الطرف عن استكبار الدول القوية بانعدام أخلاقها القيمية الإنسانية. وما رفْع الدعم التمويلي عن وكالة “الأونروا” لغوث اللاجئين، وفي هذا التوقيت بالذات، إلّا الدليل على إيغال الغرب والولايات المتحدة بجريمة الإبادة الجماعية المتمادية في غزة.
ثمة ما يمكننا الإشارة إليه على هامش الفترة ما بين رفع الدعوى وصدور القرار، أن ثمة حاجة لإعادة التقييم لكل ما ورد من تحليلات وتوقعات عالية السقوف، وتهليل، “وحشرة أنوف” في مهام المؤسسات الأممية والدولية، لأن في كواليسها ما ليس في الظاهر من النوع الذي يُزيغ البصر والبصيرة.
وحدها القوة تعطي للقانون قوة اتخاذ القرار وسبيله الى التنفيذ. وحدها المقاومة تعطي للقرارات الدولية معنى أن تكون عادلة.
وحدهم الشهداء بدمائهم الطاهرة سيكونون الدليل في طريق تحرير فلسطين من الغاصب الصهيوني المحتل/ الإحلالي/ الاستيطاني.