يحيى السنوار الذي حُكم عليه بالسجنِ مدى الحياة أربع مرات قبل الإفراج عنه في العام 2011، كان قد استغل الوقتَ، أثناء الأسر، لتعلمِ العبرية ومتابعة الإعلام الإسرائيلي وقراءةِ كتب تتحدث عن شخصياتٍ إسرائيليةٍ بارزة، مثل مناحيم بيغن وإسحق رابين. مع الوقت، تحوّل السنوار إلى لغز يستحيل فك طلاسمه، وقد اعترف ضباطُ في المخابرات الإسرائيلية، من السابقين والحاليين، بقراءةِ السنوار بشكلٍ خاطئ، حيث أعطى انطباعاً بأنه لا يرغب في القتال مع إسرائيل، وأن “حماس” مهتمة فقط بضمانِ حصول العمال في غزة على تصاريح العمل الإسرائيلية والمزيد من الحوافز الاقتصادية.
ويقول تقرير للقناة 12، عن السنوار الذي يتولى قيادة “حماس” في غزة بشكل علني ورسمي منذ العام 2017 ، إنه “يُمثّل اليوم زعيماً لأكثر من مليوني شخص، ويقود غزة من تحت الأرض منذ ما يقرب من أربعة أشهر. غزة تتعرض للتدمير، وشعبها يتضور جوعاً، ويُقتل الآلاف من أعضاء حركته، ويهاجر أكثر من مليون إلى الجنوب. لكنّه يحمل له الماسة – أكثر من 130 رهينة إسرائيلية محتجزة في قطاع غزة، ومن خلال التفاوض معهم يتمكن من هز أعصاب دولة بأكملها. وهم، جنباً إلى جنب مع القيادة العليا لـ”حماس” في غزة، ينتظرون الوقت ويُقرّرون عدم اتخاذ القرار”.
ويقول الدكتور مايكل ميلستين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب، إن “حماس” تشعر بالفعل أن الضغط العسكري الإسرائيلي على القطاع “أصبح محدوداً مع انسحاب القوات، إلى جانب شعور “حماس” بأن الضغط داخل إسرائيل في ازدياد”. ويقول: “في الواقع، هم أنفسهم، أي قيادة “حماس”، لم يتضرروا، ونتيجة لكل هذه الأمور، يمكن ملاحظة أن “حماس” لم تسرّع فعلياً الطريق نحو التوصل سريعاً إلى اتفاق”.
ويحصر غيرشون باسكن، مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة المجتمعات الدولية، تعقيد ملف تحرير الأسرى بالسنوار، قائلاً: “من أجل الدخول في رأس السنوار ومحاولة فهم أسباب سلوكه، عليك أن تتخلص من كل ما نفكر فيه نحن “الغربيين” حول هذا الرجل وندخل في رأس زعيم جهادي مسياني (عقيدة دينية يهودية). إنه شخص متدين للغاية ومؤمن وزاهد”.
باسكن يستند في كلامه هذا إلى معرفة مسبقة بالسنوار، وكان قد أجرى معه مقابلة ذات مرة حول حقيقة أنه خلال 11 عاماً من الزواج لديه 9 أطفال، حيث ردّ عليه السنوار، “ستقتل إسرائيل 3 من أطفالي، وسيذهب 3 إلى السجن. وربما سيبقى 3”.
بدوره، يقول المقدم ألون أفيتار، بصفته “خبيراً في الساحة الفلسطينية”: “لقد حلم السنوار طوال 30 عاماً بالوصول إلى هذه اللحظة، وقد وصل”. وميخا كوبي، ضابط متقاعد في جهاز “الشاباك”، يقول عن السنوار الذي عرفه من قبل، “رجل التضليل ولم يستسلم مطلقاً وسيقوم بكل شيء ليؤلم دولة إسرائيل. هذا السنوار أنا قرأته ورأيته وجلست معه وأكلت معه، أنا أعرف تصرفاته”.
وبيتي لاهت، التي شغلت رئاسة الاستخبارات في مصلحة السجون سابقاً، بالتزامن مع وجود السنوار في السجن، تقول إن واجب إسرائيل هو القضاء على السنوار ولا يجب التفاوض معه، فهذا الرجل “يعرفنا جيداً ويعرف حساسيتنا ونقاط ضعفنا وهو يستخدم نقاط ضعفنا وقد درس نفسية الشارع الإسرائيلي”، وتضيف “عندما يسمع (السنوار) وسائل الإعلام الإسرائيلية والرسائل التي نبثها، فنحن نقدم له المزيد من الهواء للتنفس”. ولم تنسَ لاهت تعهد السنوار، لحظة الإفراج عنه وخروجه من السجن عام 2011، لباقي الأسرى، غير المشمولين بصفقة (جلعاد) شاليط، بأنهم سيكونوا في القوائم المقبلة عندما يدير هو المفاوضات مع إسرائيل.
ما رمى إليه السنوار منذ عقد ونيف بات حقيقة، إذ بدأ بإعداد القوائم بأسماء هؤلاء الأسرى الذين تعهد لهم بحريتهم، وسيخرجون لا محالة، على ثلاثة مراحل وفقاً لاتفاق الإطار الذي يستمر قيد التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
ويعتبر باسكن أنه من الخطأ في إسرائيل الاعتقاد بأن السنوار يتخذ القرارات بمفرده: “حماس حركة تتخذ قرارات مرهقة للغاية: هناك عناصر داخلية في غزة، وهناك قيادة في غزة، وهو يتشاور معهم”. ويضيف “يتشاورون مع القيادة في الدوحة وإسطنبول وبيروت. وأعظم هدية في نظره هي إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين”. ويرى أن السنوار “يعتقد أنه سيخرج من هذه الحرب منتصراً، وفي حياته، سيفرض العالم وقفاً لإطلاق النار على دولة إسرائيل – لذلك فهو ليس في عجلة من أمره لأن إسرائيل في هذه الأثناء تغرق في وحل غزة”.
من جهته، يارون ابراهام، مراسل الشؤون السياسية في القناة 12، يقول “إن السنوار يتلاعب بإسرائيل. دعونا نقول الحقيقة”، ويضيف، “نحن في حالة انتظار وهذا واضح للجميع. السنوار يلعب بنا جميعاً في هذه المرحلة”. فيما يُقارب يوفال بيتون، رئيس الأبحاث السابق في “شافاس”، الأمر بطريقة مختلفة: عندما تم اختطاف شاليط ودفعت إسرائيل ثمنا باهظاً، عندما سألتهم إذا كان الأمر يستحق إطلاق سراح 300 أو 400 أسير، قالوا لي، إنه لا توجد مشكلة في الإفراج عن 20 ألف أسير.. طالما أنهم سيموتون!
“دعوا جنودنا يقضون على السنوار، ويعيدون المخطوفين. لقد أثبتوا قدراتهم في الحرب بصورة لا يُعلى عليها”، يقول أفيعاد فيسولي في القناة 7 (عروتس شيفع)، ويضيف أن القضاء على السنوار، وعلى قيادة “حماس”، هو الشرط الضروري لتحرير المخطوفين، “وما دام السنوار على قيد الحياة، فإن المخطوفين هم بطاقة التأمين على حياته. وعندما نقضي عليه، سيكون في الإمكان تحريرهم”.