هجوم “كروكوس” في قلب روسيا.. الميدان الأوكراني مُرشح للإشتعال

Avatarخاص 18023/03/2024
صحيح أن هجوم موسكو، ليل أمس، يُشكّل ضربة معنوية كبيرة جداً للدولة الروسية ورئيسها فلاديمير بوتين، إلا أن تداعياته ستتشظى باتجاهات شتى، خصوصاً أن موسكو البوتينية لم تواجه حادثة من هذا النوع منذ عقدين من الزمن، وتحديداً منذ حادثة احتجاز تلامذة وذويهم ومعلمين في إحدى مدارس بيسلان في أوسيتيا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص وجرح المئات في العام 2004.

في الآونة الأخيرة، كثرت التحذيرات من شهور صعبة سيشهدها المسرح الروسي ـ الأوكراني، خصوصاً في ضوء إستشعار الأميركيين المأزق الذي يواجه الدولة العبرية في قطاع غزة.

وقبل أسبوعين من هجوم مجمع “كروكوس سيتي هول”، الذي أودى بحياة حوالي المائة وأربعين شخصاً، فضلا عن جرح مئات آخرين، أصدرت السفارة الأمريكية في موسكو بياناً حذّرت فيه الرعايا الأمريكيين من أنها تراقب التقارير التي تفيد “بأن متطرفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمعات حفلات كبيرة في موسكو مثل الحفلات الموسيقية”، ونصحت رعاياها “بتجنب التجمعات الكبيرى خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة”.

جاء ذلك بعد ساعات من اعلان أجهزة الأمن الروسية عن احباط مخطط هجوم يستهدف كنيسا يهوديا كانت تنوي القيام به مجموعة افغانية تنتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما جاء إعلان السفارة الأميركية قبيل أسبوعين من موعد الإنتخابات الروسية التي أفضت إلى إعادة انتخاب بوتين لولاية جديدة لمدة ست سنوات.

وفي الوقت نفسه، كانت أجهزة الأمن الروسية قرّرت التشدد في الإجراءات الأمنية في الداخل الروسي، في ضوء تصاعد التهديدات ومخافة إقدام مجموعات إرهابية على تنفيذ هجمات أمنية وظيفتها زعزعة الاستقرار وبالتالي خفض نسبة المشاركة في الإنتخابات الروسية. غير أن معضلة المجمعات التجارية لم تجد السلطات الروسية طريقة مثلى للتعامل الأمني معها، بفعل وجود ثغرات أمنية تستطيع المجموعات الارهابية التسلل من خلالها لتنفيذ هكذا أعمال، فضلاً عن وجود الكثيرين من اللاجئين من جمهوريات سوفياتية سابقة، بينها طاجيكستان، ممن لا يحملون أية أوراق ثبويتة على الأراضي الروسية.

في هذا السياق، جاء هجوم مجمع “كروكوس سيتي هول”، بما يرمز إليه على صعيد الطبقة الغنية (البرجوازية الكبيرة) التي ترتاد هذا النوع من الأماكن، وهذه الفئة هي جزء من الرافعة الإجتماعية للدولة البوتينية، بالإضافة إلى الطبقة الوسطى، ناهيك بالأوليغارشيا المحيطة بسيد الكرملين.

وبطبيعة الحال، اتجهت الأنظار مع اول خبر عاجل عن وقوع الهجوم، إلى الجانب الأوكراني وحاضنته الغربية الأطلسية ولا سيما الأمريكية، غير أنه مع ساعات الصباح الأولى وصدور بيان تنظيم “داعش” الذي تبنى الهجوم، صار التحفظ سمة غالبة على معظم التصريحات الروسية ومنها البيان الذي أعلنه بوتين وخاطب فيه الشعب الروسي معزياً ومتعهداً بالاقتصاص من المجرمين، وقال إن منفذي هجوم كروكوس “حاولوا التوجه إلى أوكرانيا، حيث تم اعداد مهرب لهم”، وتقاطع ذلك مع توقيف 11 من المشتبه بتورطهم في الهجوم وأحدهم مواطن طاجيكي بثت وسائل التواصل الإجتماعي شريط فيديو لاعترافاته أمام رجال الأمن الروس، وقال فيه إنه وصل إلى موسكو قادما من تركيا في الرابع من آذار/مارس الحالي وأنه كان سيتوجه بعد انتهاء الهجوم إلى أوكرانيا، وأنه وُعد بالحصول على مليون روبل مقابل المشاركة في تنفيذ الجريمة. وقال صحافيون عرب في موسكو إن معظم المشاركين في الهجوم تم تجنيدهم عبر تطبيقات الكترونية (تلغرام تحديداً) وتم توجيههم في اتجاه روسيا مستفيدين من ثغرات عديدة.

ولعل السؤال الأبرز الآن كيف سيتصرف سيد الكرملين في ضوء هذا الهجوم؟

في كل سياق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا منذ 25 شهراً، كانت موسكو في موقع المُتهَم لأنها كانت المبادرة إلى وضع اليد على الزناد. الآن، تبدلت المعطيات وثمة هجوم ارهابي تتعرض له على مسافة مئات الكيلومترات من الحدود وتحديداً في القلب الروسي، أي محاولة لضرب هيبة الدولة الروسية، وبالتالي، ليس مستبعداً أن يؤدي الهجوم إلى جعل الجيش الروسي أكثر اندفاعاً من زاوية أننا تعرضنا لهجوم ومن حقنا أن نحمي شعبنا وأطفالنا، وهذا المسار يُفترض أن يأتي في سياق محاولة روسية مستمرة لتعديل موازين القوى في الميدان الأوكراني لمصلحة موسكو، خصوصاً وأن روسيا تستشعر محاولة أمريكية وأطلسية لتعديل موازين القوى من الآن وحتى موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لمصلحة الجيش الأوكراني، الأمر الذي يُمكن أن يستفيد منه الرئيس الأمريكي جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية المقررة في الخريف المقبل.

ولعل مكمن الخطورة في المشهد الأوكراني أن جميع الأطراف المنخرطة في الصراع تجد نفسها حالياً صاحبة مصلحة في رفع منسوب الإشتباك، في محاولة من كل طرف لكسر “الستاتيكو” وتعديل ميزان القوى لمصلحته. يسري ذلك على الروس والأوكرانيين والأميركيين والأطلسيين.

ولا ينزع ذلك وجود فرضيات أخرى سيضعها الروس على طاولة ما بعد حادثة مجمع “كروكوس سيتي هول”، وأبرزها فرضية أن يكون تنظيم “داعش” يقف فعلياً وراء الهجوم، في محاولة منه للقول بوجود ترابط بين الساحتين الروسية والسورية (أنتم هناك ونحن هنا)، بدليل سلسلة هجمات تمكن الأمن الروسي من احباطها في الآونة الأخيرة تبين أن مجموعات إرهابية تتلقى أوامرها من الميدان السوري تقف وراءها، بمعزل عن التسهيلات التي يُمكن أن تكون تلقتها من أجهزة استخباراتية أجنبية وخاصة الأجهزة الأمريكية.

إقرأ على موقع 180  الصين تُنقذ روسيا.. سوية إلى حرب المئة عام المقبلة!

واللافت للإنتباه أن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال للمرة الأولى  في حديث أجرته معه صحيفة روسية، أمس الأول (الجمعة) “نحن في حالة حرب. نعم لقد بدأ الأمر كعملية عسكرية خاصة، لكن منذ شارك الغرب مجتمعاً في كل هذا إلى جانب أوكرانيا، بالنسبة إلينا، أصبحت حرباً”.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  أزمة الكورونا: صفعة للصورة والوحدة الأوروبية