قراءة في خطاب نعيم قاسم.. الميدان البري أولاً

أن يظهر الرجل الأول رسمياً في حزب الله أمام الجمهور في سنوية "طوفان الأقصى" وجبهة الإسناد اللبنانية لا سيما في ضوء الضربات القاسية التي تلقاها الحزب في الأسابيع الثلاثة الماضية، فهذا أمر يحمل في طيّاته الكثير من الرسائل والدلالات.

في الشكل، لقد شكّل ظهور نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أمام الجمهور دحضاً للشائعات التي سرت قبيل ظهوره وروّج لها الإعلام “الإسرائيلي” بأنه تم القضاء عليه. جاء ظهور قاسم في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، تاريخ الذكرى السنوية الأولى لإعلان المقاومة فتح جبهة إسناد غزة من لبنان، فيما كان الناطق باسم “كتائب عز الدين القسام” أبو عبيدة يظهر قبله بيوم واحد في شريط مصور في الذكرى الأولى لـ”طوفان الاقصى”. وبين هذين الظهورين إبراز واضح لاستمرار وحدة الساحتين وصمود المقاومة فيهما.

وفي الشكل أيضاً، ليس سهلاً ملء الفراغ الذي خلّفه استشهاد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لما كان يتمتع به من “كاريزما” قيادية وعلاقة إستثنائية مع الجمهور على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الحضور والإطلالات، “فهذا القائد لم يكن قائداً وطنياً لبنانياً فحسب، بل كان شخصية عربية وإسلامية ينتظر اطلالاتها العدو قبل الصديق في كل أنحاء العالم لما كان يتمتع به من مصداقية عالية في كل ما يقول، من هنا فإن الشيخ نعيم قاسم لا يُحسَد على محاولة ملء الفراغ الذي تركه السيد نصرالله في هذه المرحلة التاريخية من حياة الحزب ولبنان”، كما يقول أحد الصحافيين العرب المخضرمين.

في المضمون، شكّل كلام قاسم “رافعة مهمة جداً لمعنويات جمهور المقاومة ومحبيها، سواء بالتطمين أن المقاومة متماسكة وأن الخسائر التنظيمية التي مُنيت بها لم تسقطها ولن تسقطها، كما كان يقول السيد نصرالله، وقدّم شرحاً لهذا الأمر عبر قوله إن كل قائد يستشهد كان لديه نائبه ومساعده الثاني وهما على معرفة ودراية تفصيلية بكل ما يملكه القائد الذي يستشهد من معطيات تفصيلية. وأعطى الشيخ نعيم قاسم مثالاً لا يُدحض على هذا الأمر تلك المواجهات التي تخوضها المقاومة على الحافة الحدودية على مدى تسعة أيام والخسائر التي أنزلتها بالجيش “الإسرائيلي”، وجاءت الهجمات الصاروخية التي نفذتها المقاومة بعد كلمته مباشرة لتؤكد مصداقية قوله ولتظهر أن قيادة المقاومة استعادت فعلياً منظومة السيطرة والقيادة والاتصال بين قيادتها وقواعدها على امتداد مسرح العمليات”.

كرّس الشيخ نعيم قاسم الموقف الذي سبق للسيد نصرالله أن أعلنه أكثر من مرة بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو “الأخ الأكبر”، هكذا كان في ظل قيادة نصرالله وهكذا تنظر إليه قيادة المقاومة اليوم، وبهذا التأكيد قطع قاسم الطريق على كل من يحاول دق إسفين التفرقة بين المقاومة والرئيس بري

لم يُقدّم الشيخ قاسم في كلمته أية أوهام، بل مجموعة من الحقائق، فهو أكّد أننا ما نزال في صلب المعركة وستكون طويلة لا سيما عبر اشارته إلى أن أي كلام عن وقف لإطلاق النار حالياً هو مجرد كلام لا قيمة له طالما أن الإدارة الأمريكية الشريكة في العدوان على لبنان مكفوفة اليدين بسبب انتخاباتها الرئاسية التي ستجري في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولهذا هي عاجزة عن اطلاق أي مبادرة، من دون أن يُفوّت المناسبة للتأكيد على موقف المقاومة الداعي إلى وقف النار، وهو موقف ليس بجديد بل سبق اغتيال السيد نصرالله بساعات، عندما وافق ثنائي حزب الله وحركة أمل على صيغة دولية لوقف النار (هدنة لمدة ثلاثة أسابيع) قابلة للتمديد والتثبيت.

ويُلاحظ هنا أنّ قاسم لم يدخل في الشروط التي تطالب بها المقاومة لوقف اطلاق النار، وهذا أمر طبيعي طالما أنها تعرف أن لا جدية لأي طرح لوقف اطلاق النار في ظل إدارة أمريكية مشلولة.

وفي إشارة الشيخ قاسم إلى الموقف الإيراني، فقد أكد المؤكد بأن إيران تدعم المقاومة في فلسطين ولبنان بلا حدود إضافة إلى الدعمين اليمني والعراقي.. وفي هذا مجدداً تأكيد على مواصلة وحدة الساحات وأن كل ساحة تبادر وتعمل وفق قدراتها وحساباتها الوطنية.

وانتقالا إلى الداخل اللبناني، كرّس الشيخ نعيم قاسم الموقف الذي سبق للسيد نصرالله أن أعلنه أكثر من مرة بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو “الأخ الأكبر”، هكذا كان في ظل قيادة نصرالله وهكذا تنظر إليه قيادة المقاومة اليوم، وبهذا التأكيد قطع قاسم الطريق على كل من يحاول دق إسفين التفرقة بين المقاومة والرئيس بري من دون أن تفوته الإشارة إلى عدم قبول المقاومة ببحث أي ملف له علاقة بالاستحقاقات الداخلية قبل وقف النار؛ وهنا يُمكن القراءة بين حروف الكلام أن الزعيم الماروني سليمان فرنجية ما يزال مرشح المقاومة لرئاسة الجمهورية وأن لا مساومات ـ أقله من جانب حزب الله ـ على هذا الترشيح، بخاصة بعد محاولة البعض تفسير كلام الرئيس بري عن ضرورة الاتفاق على مرشح توافقي على أنه نوعٌ من التخلي الدبلوماسي عن ترشيح فرنجية، علماً أن بري سبق أن أوضح هذا الموقف بالقول “ومن قال إن فرنجية ليس مرشحاً توافقياً”. زدْ على ذلك أن بري يملك من الهوامش في السياسة الداخلية ما يجعله قادراً على إجتراح تسويات صوناً للتوازنات ولكن ليس على حساب الحلفاء!

إقرأ على موقع 180  مضيق تايوان.. ممر إجباري للحرب أم للحوار؟

أخيراً، أكد قاسم ما سبق للسيد نصرالله أن قاله قبيل استشهاده بأن العين الآن على الميدان. لذلك بالامكان الاستنتاج أنه صحيح أن من ظهر على شاشة التلفزة أمس (الثلاثاء) كان الشيخ نعيم قاسم ولكن الشهيد نصرالله كان الحاضر الأكبر في مضمون الخطاب برغم الفوارق في أسلوب القول والأداء و”الكاريزما”، ما يعني أن لا تغيير في النهج الذي أرساه نصرالله وفي شكل إدارة المعركة.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "خوذ بيضاء" وأعلام صفراء... نهاية حملة "جيرة حسنة"