ترامب ونتنياهو.. قصة وئام، هل تلتئم مجدداً؟

ما أن خرج دونالد ترامب خاسراً من السباق الانتخابي الأميركي عام ٢٠٢٠، حتى دفع بأنصاره إلى اقتحام الكابيتول في حادثة ما تزال تداعياتها حاضرة في ذهن الأميركيين لغاية الآن، وليس مُستبعداً أن تتكرر في حال فوز المنافسة الديموقراطية كامالا هاريس في الإنتخابات المقبلة. وما أن يخرج بنيامين نتنياهو من السلطة، حتى يفكر بالعودة إليها في اليوم التالي. الإثنان يعشقان السلطة ويكرهان الاعلام التقليدي وتُميّزهما النزعة الفردية والانتهازية السياسية واحتقار القوانين.

قبل أن يخسرا السلطة في العام 2020، يقول أحد المعلقين إن تاريخ الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2019 هو يوم سقوط الرجلين الفعلي، إذ أن الأميركيين كانوا يتابعون عبر الإعلام توجيه أصابع الاتهام في الكونغرس إلى ترامب في قضايا فساد ورشوة وابتزاز وصولاً إلى التلويح بعزله، وفي اليوم نفسه كان النائب العام الإسرائيلي يوجه تهماً جنائية إلى نتنياهو في قضايا فساد.

وفي الفترة التي انكفأ فيها نتنياهو عن رئاسة الحكومة (بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢٢)، استجوبته هيئات قضائية عدّة في ملفات فساد انتخابي ورشى، وعندما عاد إلى السلطة، سعى لإجراء تغييرات في الجسم القضائي لمصلحة الحد من استقلالية السلطة القضائية واعطاء رئاسة الحكومة الحقّ بإجراء تعيينات قضائية في هيكلية الدولة.

ولم يتمكن خصوم نتنياهو سواء في الليكود أو في غيره من التكتلات سواء الانشقاقية أو المنافسة، من استثمار هذه الظروف، فاستطاع “بيبي” تشكيل ائتلاف حكومي من اليمين الوسط واليمين المتشدد، في أواخر عام ٢٠٢٢، إلى أن أتت عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول/أكتوبر 2023، لتعيد التضامن الداخلي مع نتنياهو بعد أن نجح الأخير في تصوير المعركة وكأنها “وجودية” بالنسبة للكيان العبري.

في هذه الأثناء، كان دونالد ترامب يعدّ العدة لاستحقاق انتخابي لم تشهد أميركا مثيلاً له، من المفترض أن يجرى بعد أسبوعين.

هذه الأسطر هي محاولة لفهم سياقات تقارب الرجلين لناحية شهوتهما الزائدة للسلطة، وانتماؤهما إلى التيار اليميني المحافظ والعنصري في بلديهما. بطبيعة الحال، يُفضّل نتنياهو وصول ترامب للبيت الأبيض. والسبب أن ترامب، خلال فترة ولايته الرئاسية، أعطى الشرعية لإسرائيل في المضي قدماً في مخططاتها التوسعية الإستيطانية ولا سيما في الضفة الغربية.

إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، سنجد الخزائن العربية قد باتت فارغة خلال هذه ولايته الثانية وسنكون شهوداً على تهويد الضفة الغربية وبالتالي اقتراب الخطر أكثر من أي وقت مضى من العرش الهاشمي في الأردن.. ولن يتردد ترامب في فرض مشروع تهجير أهل غزة باتجاه سيناء

وللمناسبة، إليكم جردة بأفعال ترامب الداعمة للكيان: إلغاء الاتفاق النووي مع إيران التزاماً بمخاوف تل أبيب؛ فرض عقوبات اقتصادية هي الأقسى على كيانات إيرانية وأخرى مرتبطة بحزب الله؛ اعترافه بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية؛ اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتلّ؛ موافقته على بناء مستوطنات إضافية في الضفة الغربية؛ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس؛ وقف تمويل وكالة “الأونروا”؛ انسحاب أميركا من عضوية “اليونيسكو” على خلفية قبول المنظمة الأممية عضوية كاملة لدولة فلسطين؛ اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن؛ رعاية “صفقة القرن” والمساهمة الشخصية في التوقيع على “اتفاقات أبراهام”، وهي الاتفاقات التي عقدتها دولة الاحتلال لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان؛ وعدٌ بتوسيع التطبيع ليشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى، وأخيراً اغتيال قائد “قوة القدس”، اللواء قاسم سليماني، أثناء خروج موكبه من مطار بغداد في مطلع عام ٢٠٢٠.

كل هذه الإجراءات والخطوات حصلت أثناء وجود ترامب في البيت الأبيض وصبّت في مصلحة إسرائيل ومشروعها التوسعي الإلغائي في المنطقة.

اليوم، وفي ظلّ حربٍ إسرائيلية مفتوحة على غزة ولبنان، دخلت عامها الثاني، فإنّ وصول ترامب سيساعد حتماً الكيان بالمضي قدماً في المشروع التوسعي للحركة الصهيونية. وفي ظلّ الشهية المستمرّة لحكومة الدم والدمار، فإنّ وصول ترامب إلى البيت الأبيض يبدو وكأنه أمنية يحلم بها نتنياهو. “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكرّت كيف يمكن توسيعها”؛ هذا حرفياً ما قاله ترامب خلال إحدى المهرجانات الانتخابية لحملته الرئاسية في آب/أغسطس الماضي. وبغض النظر عمّا إذا كانت هذه الجملة مقصودة حرفياً أم تفوّه بها الرجل ارضاءً للوبي اليهودي عشية الإنتخابات، فإنّ هذا القول يُوضّح نوايا ترامب حيال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو الإسرائيلي-العربي عموماً.

طوال سنة من عمر “طوفان الأقصى”، واصل نتنياهو حربه العدوانية الشعواء على غزة بتمويل الولايات المتحدة وتسليحها لا بل بحمايتها دولياً في مواجهة ضغط شعبي وديبلوماسي وسياسي دولي كان دائماً يصطدم بالفيتو الأميركي سواء في مجلس الأمن أو في باقي المنتديات الدولية، وها هو نتنياهو يسعى إلى توسيع عدوانه، وحتماً له حساباته السورية والعراقية بعد أن يستكمل أهدافه اللبنانية، ولكن التتويج الذي يريده هو أن تكون الإدارة الأميركية المقبلة (ترامب تحديداً) رأس حربته في مشروع ضرب طهران “رأس الأفعى”، في “محور الشر”، على حد تعبيره.

ولطالما شكّل البرنامج النووي الإيراني “تهديداً استراتيجياً”، وفق قاموس تل أبيب. وفي السنوات الأخيرة، لم يترك نتنياهو فرصة إلا وركزّ فيها على ضرورة التخلص من هذا المشروع. آخر تلك المحطات كانت خلال الخطاب الذي ألقاه “بيبي” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي.

في ظلّ الشهية المستمرّة لحكومة الدم والدمار، فإنّ وصول ترامب إلى البيت الأبيض يبدو وكأنه أمنية يحلم بها نتنياهو. “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكرّت كيف يمكن توسيعها”؛ هذا حرفياً ما قاله ترامب خلال إحدى المهرجانات الانتخابية لحملته الرئاسية في آب/أغسطس الماضي

أما القول بأنّ تل أبيب لن تستهدف طهران في هذه اللحظة بسبب عدم اكتمال مراحل انتاج القنبلة النووية الإيرانية، فإنّه افتراضٌ خاطىءٌ تماماً، لأانّ التاريخ يُعلّمنا أنّ إسرائيل لم تكن تسمح لأي قوة عربية بامتلاك المقومات الأولية لبرنامج نووي، فكانت تقصفها قبل اكتمال تلك المشاريع على قاعدة “الضربة الاستباقية”. فكيف إذا كانت قوة إقليمية لا عربية فقط. على سبيل المثال، لم يكن العراق طرفاً في أي معركة عسكرية بينه وبين إسرائيل، عندما قرّرت الأخيرة قصف مفاعل تموز النووي عام ١٩٨١. كما لم تكن سوريا في حالة حرب عام ٢٠٠٧ عندما أقدمت الطائرات الإسرائيلية على قصف منشأة نووية قيد البناء في دير الزور، كانت الحكومة السورية قد شرعت في تشييدها، بالتعاون مع كوريا الشمالية، كما أفادت تقارير إعلامية آنذاك. وإذا كان الهجوم الإسرائيلي على إيران المرتقب حدوثه قبيل موعد الانتخابات الأميركية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، سيسعى إلى تحييد المنشآت النووية في هذه المرحلة؛ الا أن نتنياهو سيؤجل هذا الهدف إلى حين وصول حليفه المحبّب إلى البيت الأبيض.

إقرأ على موقع 180  مستقبل الأمن القومي الأميركي.. بصمة ترامب ستستمر طويلاً

إذاً، وبعد هذا الاستعراض، ثمة خشية من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في ظل وجود نتنياهو في الحكم ومواصلته الحرب ليس في غزة فحسب، بل على المنطقة بأسرها. يزيد منسوب هذا الخوف إذا سلّمنا بأن ترامب “يُقامر” حتى في قضايا السياسة الخارجية، زدْ على ذلك اعتماده على مستشارين هواة لحلّ قضايا مستعصية كالقضية الفلسطينية. فهو أي – ترامب – وعند انتخابه رئيساً، كان قد كلّف صهره جاريد كوشنير بإعداد خطة مكتملة لحلّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. كوشنير نفسه أتى من عالم لا دخل له في السياسة، كان عمره ٣٦ عاماً في العام ٢٠١٧ عندما كلّف بإعداد تصور لحل قضية أصبح عمرها على الأقل، ٧٦ عاماً! حقيقة مذهلة أخرى مرتبطة بترامب وإدارته الشعبوية لكل القضايا السياسية، سواء أكانت محلية أو دولية. فقد اتضحّ، ومن خلال الممارسة، أنّ ترامب يتعاطى مع القضايا السياسية، بنفس الخفّة واللهو والمرح والشعبوية، التي يتعامل بها مع أملاكه وثروته وشركاته. فكيف الحال إذا خُلط اللهو مع جنون نتنياهو.

خرج كلٌ من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو من الحكم بفارق أشهر فقط في العام ٢٠٢٠. المشترك بينهما سعيهما الحثيث لإعادة تبوء سدّة الحكم. إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، سنجد الخزائن العربية قد باتت فارغة خلال هذه ولايته الثانية وسنكون شهوداً على تهويد الضفة الغربية وبالتالي اقتراب الخطر أكثر من أي وقت مضى من العرش الهاشمي في الأردن.. ولن يتردد ترامب في فرض مشروع تهجير أهل غزة باتجاه سيناء. هذا ما يتصل بمنطقتنا أما ما يتصل بالعالم وبالداخل الأميركي، فله حكايات أخرى.

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  رحلة ماكرون السعودية.. من يُمثل الإعتدال السني في لبنان؟