“آسيا تايمز”: هذه سيناريوهات المواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا

تتجه إسرائيل وتركيا، وبشكل خطير، نحو مواجهة عسكرية مباشرة في سوريا، حيث يشتد التنافس بينهما حول استغلال الظروف التي وفّرها سقوط نظام بشار الأسد. وهذا، إن حدث، سيضع الولايات المتحدة ومعها حلف شمال الأطلسي (الناتو) "في موقف غير مريح"، بحسب الباحث ميشال والش، في مقال نشره موقع "آسيا تايمز".

إذا أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الإستفادة من الوضع الراهن في سوريا من أجل تحقيق أهداف سياسية وأمنية وإستراتيجية هناك، وفي المنطقة عموماً، فإن الأشهر الثلاثة المقبلة هي فرصته التي قد لا تعوّض. والسؤال الرئيسي الذي يتعين أن يطرحه على نفسه هو ما إذا كان يجب على أن حكومته أن تكتفي وترضى بالوضع السائد في سوريا، اليوم، أم أنه يجب مقاومة التوسع التركي الجاري هناك، حتى لو تطلب الأمر خوض مخاطرة كبيرة.

ما يزال هناك الكثير من عدم اليقين الذي يحيط بمختلف الجماعات والأطراف الأجنبية الناشطة على الأرض في كل من العراق وسوريا. وهذا يشمل سؤالاً حول الدور الذي قد تسعى القوات المسلحة التركية إلى لعبه خارج حدود البلاد، بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وهذا السؤال مهم جداً، وينبغي طرحه والإجابة عليه. فقد توصلت لجنة “ناغل” الإسرائيلية (تشكلت غداة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023) مؤخراً إلى أن خطر اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا حقيقي ووارد، وهذا ما دفع بمسؤولين إسرائيليين بارزين لمطالبة حكومتهم بالاستعداد لحرب مرتقبة مع تركيا.

ويُشكّل سقوط نظام الأسد أيضاً فرصة سانحة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوجيه ضربات ضد القوات الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تتخذ من شمال وشرق سوريا معاقل لها، وهي مناطق تتمتع بالحكم الذاتي (بحكم الأمر الواقع في المنطقة)، وتُعرف أيضاً باسم “روج آفا”. فمنذ سقوط الأسد، كان المقاتلون الأكراد هدفاً لهجمات تشنها القوات المسلحة التركية والميليشيات التابعة لها. والآن تُهدّد تركيا بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الجماعات المتحالفة مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم “قوات سورية الديموقراطية” (قسد)، ما لم يتراجعوا ويقبلوا بالشروط التي وضعتها لمستقبل سوريا.

المشكلة التي تواجه “قسد” هي أن الأمر قد يستغرق بضعة أشهر قبل أن تتمكن إدارة ترامب من وضع نهج متماسك للتعامل مع سوريا الجديدة. وفي غضون ذلك، قد تسعى القوات المسلحة التركية إلى شن هجوم واسع النطاق على مناطق الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا. وهذا لن يترك لقوات “قسد” خياراً سوى اللجوء إلى الإسرائيليين. والسؤال سيكون كيف سيرد نتنياهو؟

خيارات صعبة

وليس من المبالغة القول إن التوسع التركي يُشكّل تهديداً وجودياً لحلف “الناتو” في وضعه الحالي. فخلال الأعوام الماضية، انخرطت القوات الأميركية والتركية في الصراع السوري بشكل مباشر وخطير، وكادا يتصادمان في أكثر من مناسبة.

على سبيل المثال، في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أسقط الجيش الأميركي طائرة حربية مسيَّرة تابعة لسلاح الجوي التركي على مسافة 500 متر فقط من تمركز القوات العسكرية الأميركية في سوريا. كان ذلك حدثاً استثنائياً وغير مسبوق. فتركيا حليف الولايات المتحدة في حلف “الناتو” (…).

في أعقاب ذلك الهجوم، بدأ النقاش في أروقة مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية الأميركية حول ما إذا كان الوقت قد حان لكي يضغط البيت الأبيض من أجل تعليق عضوية تركيا في حلف “الناتو”. وبرغم أن أياً من هذا القبيل لم يحدث بعد، فإن التكيّف مع التوسع التركي داخل دوائر السياسة الخارجية الأميركية “بدأ ينفذ”، بحسب مراقبين.

وعلى هذا الأساس، تواجه حكومة نتنياهو وضعاً مُحيّراً. فالنظام الإسلامي الجديد في دمشق يقول إنه يريد السلام مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا السلام سيُرتب تكلفة باهظة على الأمن القومي الإسرائيلي وعلى مصالح السياسة الخارجية لإسرائيل. لن يقتصر الأمر على المخاطرة بانهيار مقاومة الفصائل الموالية للغرب المنتشرين في مختلف أنحاء سوريا فحسب، بل إنه قد يؤدي أيضاً إلى إنشاء منطقة نفوذ عثمانية جديدة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. وسوف تواجه قوات “قسد”، وكذلك إدارة ترامب، خيارات صعبة أيضاً.

ومن دون الدعم الكامل من الولايات المتحدة، من المشكوك فيه أن تتمكن قوات “قسد” من النجاة من هجوم واسع النطاق قد تشنه القوات المسلحة التركية والميليشيات السورية المتحالفة مع تركيا.

في الوقت نفسه، سوف يتعين على إدارة ترامب أن تدرس كيفية التعامل مع تاريخ أفعال القوات المسلحة التركية والمخابرات التركية، التي سبق واستهدفت القوات العسكرية الأميركية وحلفائها في العراق وسوريا.

وتُعوّل قوات “قسد” على أن تنظر إدارة ترامب إلى هذه السوابق من خلال عدسة “جعل الجيش الأميركي عظيماً مرة أخرى”. وإذا كان الأمر كذلك، من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لإدارة ترامب أن تستوعب التوسع التركي المسلح بعد أن وجّهت القوات المسلحة التركية بنادقها فعلياً نحو الجنود الأميركيين.

المشكلة التي تواجه “قسد” هي أن الأمر قد يستغرق بضعة أشهر قبل أن تتمكن إدارة ترامب من وضع نهج متماسك للتعامل مع سوريا الجديدة. وفي غضون ذلك، قد تسعى القوات المسلحة التركية إلى شن هجوم واسع النطاق على مناطق الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا. وهذا لن يترك لقوات “قسد” خياراً سوى اللجوء إلى الإسرائيليين. والسؤال سيكون كيف سيرد نتنياهو؟

إقرأ على موقع 180  أوكرانيا والخطر النووي.. سلاح بوتين الأخير!

أحد الخيارات هو تزويد قوات “قسد” بما يكفي من الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي لكي تصبح قادرة على توسيع الرقعة الجغرافية لـ”منطقة الحكم الذاتي”، بحيث تصل حتى المناطق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط.

مثل هذه الخطوة ستلقى ترحيباً من جانب “قسد”، لأن دولة كردستان المستقلة (المرجوة من الأكراد) ربما لا تستطيع البقاء على قيد الحياة من دون ضمان منفذ بحري. ولن يبدو أن أياً من جيرانها على استعداد لمنحها مثل هذا الوصول بشروط مؤاتية.

إن هذه الخطوة من شأنها أيضاً أن توفر لإسرائيل منطقة عسكرية عازلة وواسعة بين تركيا والنظام الجديد في دمشق. وهذا بدوره من شأنه أن يمنح إسرائيل نفوذاً أكبر بكثير يساعدها في التحكم في تشكيل مستقبل سوريا.

سيناريوهان.. و3 مشاكل

المشكلة الرئيسية تكمن في أن اتخاذ قرار جدي بدعم “قسد” وتوسيع حدود منطقة الحكم الذاتي من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين قوات الدفاع الإسرائيلية و”الموساد” من جهة، والقوات المسلحة والاستخبارات التركية من جهة أخرى. وهذا بدوره من شأنه أن يُشكّل تهديداً وجودياً لحلف “الناتو” كما هو الحال اليوم.

ولنتأمل بعض السيناريوهات المرتقبة:

في السيناريو الأول، تشنُّ إسرائيل هجوماً مباشراً على القوات المسلحة التركية. وفي هذه الحالة، قد تلجأ تركيا إلى أحكام المادة الخامسة من ميثاق حلف “الناتو”، التي تنص على أنه “عند تعرض أي دولة عضو في “الحلف” يتوجب على الدول الأعضاء الأخرى أن تهب للدفاع عنها وحمايتها من أي أذى، عملاً بمبدأ حق الدفاع عن النفس”. أي أن الدول الأعضاء في “الناتو” ستجد نفسها مجبرة بالدفاع عن تركيا، وكأنها تدافع عن نفسها.

في السيناريو الثاني، تشنُّ تركيا هجوماً مباشراً على الجيش الإسرائيلي. وفي هذه الحالة، ستضغط إسرائيل على الولايات المتحدة من أجل طرد تركيا من “الحلف” من منطلق أنها (إسرائيل) هي الحليف الأساس والأقوى في المنطقة.

يفرض هذان السيناريوهان ثلاث مشاكل على تركيا:

أولاً؛ من المرجّح أن تكون أغلب الدول الأعضاء في “الناتو” غير راغبة في المشاركة في هجوم عسكري ضد “حليف رئيسي” من خارج “الناتو” (إسرائيل). والاستثناء الوحيد الذي قد يُرغم تلك الدول على المشاركة هو ظرف غير عادي، مثل أن تتعرض تركيا لهجوم غير مبرَّر. ومن المرجح أن لا تتوافر هذه الشروط في السيناريو الأول.

ثانياً؛ سيكون هناك دعم قوي لقرار تعليق عضوية تركيا في “الناتو” في حال طرح مثل هكذا اقتراح للمناقشة بين الدول الأعضاء الأخرى في الحلف. وهذا من شأنه أن ينفي إشكالية الاضطرار إلى الإجابة على السؤال غير المريح في السيناريو الأول، حول ما إذا كان ينبغي لأعضاء “الناتو” الدفاع عن النفس من خلال الدفاع عن أي عضو يتعرض للخطر.

ثالثاً؛ سيكون هناك دعم قوي في واشنطن للدفاع عن إسرائيل في السيناريو الثاني (الدفاع عن إسرائيل بمثابة الدفاع عن النفس). وفي حين لن ترغب وزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات في الدخول في مواجهة مباشرة مع نظرائهم الأتراك، إلا أنهم سيكونون منفتحين على فكرة دعم الجهود الإسرائيلية لفرض عواقب وخيمة في حال وقوع هجوم مباشر.

لهذه الأسباب، يتعين على أردوغان أن يسعى إلى تهدئة التوترات المتصاعدة مع إسرائيل في أقرب وقت ممكن، ما لم يكن ملتزماً بالفعل بالسعي إلى مستقبل خارج حلف “الناتو”.

– ترجمة بتصرف عن موقع “آسيا تايمز“.

(*) ميشال والش، باحث زائر في جامعة كاليفورنيا، بيركلي.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "نيڤالياشكا روسيا".. نير التتار وارتدادية الهوية (2)