غزّة ولبنان.. هل أعاد المشهد الشعبي تشكيل نتيجة الحرب؟

تفاجأ الكثير من الأحبّة، وانتقدني بعضهم أو لربّما امتعض منّي وثارت ثائرته.. بسبب خطابي منذ ما بعد وقف إطلاق النّار في لبنان أواخر تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٤. للحقيقة، تحدّثت وقتها، فعلاً، عن مشهد "انتصار"، واستمرّيت في حمل خطاب كهذا، مع نكهة نقديّة "ايجابيّة" أحياناً وبطبيعة الحال.

لم يكن ذلك من منطلق رمي الشّعارات وما إلى ذلك، بل من منطلق قناعة مفادها، باختصار أنّ “المقاومات” تنتصر – يقيناً – من خلال ثبات الايمان والارادة أوّلاً، ومن خلال تمتّع المفهوم المقاوم بوضوح الرّؤية القياديّة والنّخبويّة ثانياً.. وثالثاً، من خلال زاوية جوهريّة جدّاً ذكرتها أيضاً في هذا الإطار؛ ألا وهي زاوية الصّمود الشّعبيّ (قبل، وفوق، وما وراء: الصّمود العسكريّ إذن).

للدّقّة، تحدّثنا بعد التوصل إلى وقف اطلاق النّار في جنوب لبنان عن مفهوم محدّد، حاولنا تقديمه وتفصيله قدر الامكان وقتها. إنّه مفهوم “الشّعب الصّامد” كما سمّيناه.. والذي تبيّن أنّه يُشكّل ظاهرة أيضاً على أرض الواقع، خصوصاً بعد ما شهدناه، منذ بداية هذا العام الجديد بالتّحديد، من تموضع ومن تحرّك شعبيَّين فاقا أغلب التّوقّعات.. إن كان في جنوب لبنان أو في قطاع غزّة.

إلى أحبّائي جميعاً، وبكلّ صدق؛ لقد تجلّت ظاهرة “الشّعب الصّامد” أمام الجميع، وبكلّ وضوح، في الأيّام الأخيرة. تجلّت: اعتقاداً مشتركاً، وتعبئةً، وإعلاماً وحركيّةً تنظيميّة وغير تنظيميّة.

ظاهرةٌ فريدةٌ حقيقة: “أمّةٌ مقاومةٌ” تُبرهن للعالم أجمع، وبشكل شبه سورياليّ.. أنّها صامدة. أنّها تحترم تضحيات المقاومين. أنّها تُجلّ القادة الشّهداء. أنّها ذات ايمان ثابت وارادة أصلب من الصّلابة. كما توقّعتُ، وبكلّ تواضع: فقد بيّنت بيئات المقاومة في لبنان وفلسطين، وللعالم أجمع.. أنّها أمام القيادة المقاوِمة وليس وراءها.

بل: لقد بيّنت أنّها، أي هذه البيئات، هي من القناعة ومن التّعبئة بحيث تُشكّل العمود الفقريّ للتّفكير المقاوِم وللحركيّة المقاوِمة معاً.

إلى حدّ بعيد جدّاً: قلب “الشّعب الصّامد” المشهد رأساً على عقب، بالنّسبة إلى الكثيرين ممّن كان عندهم توهّمٌ انهزاميّ ما، أو كان عندهم عدم وضوح في الرّؤية.

ما وراء الصّواريخ، وما وراء المسيّرات والقذائف والرّشّاشات.. ظهر السّلاح الاستراتيجيّ الأوّل وبوضوح جليّ وشبه أسطوريّ: إنّه سلاح “الشّعب الصّامد”. الشّعب الحامل فكرة المقاومة بالفطرة.ّ. الشّعب الحاضن للمقاومين.. كل المقاومين.

فهل هُزم هذا السّلاح، لكي نتحدّث عن “هزيمة” للمقاومة؟

***

ما زالت “مقاومة لبنان” تحتفظ بأهمّ سلاح لها، وقد استطاعت أن تحقّق نصراً كبيراً من خلال الصُّمودَين، العسكريّ والشّعبيّ. وكذلك الأمر بالنّسبة إلى المقاومة الفلسطينيّة

لا يبدو الأمر كذلك في فلسطين أبداً، خصوصاً بعد شيطنات دونالد ترامب الجديدة حول الدّعوة إلى تهجير ونزوح الشّعب الفلسطينيّ. ولم يبدُ الأمر كذلك أبداً ضمن بيئة المقاومة في لبنان.. بعد أن زلزل “الشّعب الصّامد” الأرض واقعاً تحت جنود العدوّ نهاية الأسبوع الفائت، وبعد أن فاجأ أغلبَ المُتخاذلين في الدّاخل اللّبنانيّ وفي العالم العربيّ وفي أميركا وداخل الكيان الإسرائيليّ.

لقد أثبت “الشّعب الصّامد” في لبنان أنّ المقاومة منتصرة بالتّأكيد، بسبب صمودها وبسبب صمود شعبها. صمود المقاومة وصمود شعبها هما المُعبّران عن ثبات منظومة “المقاومة” ككلّ.. إذن: على مستوى الإيمان والإرادة والمفهوم.

ونقول ذلك دون حاجة للعودة الى التّذكير بأنّ الهدف الاستراتيجيّ – العمليّ – الأوّل لأيّ حركة مُقاومة يكمن في: تمكّنها من الصّمود / بِحَيث / تتمكّن، في نهاية المطاف، من منع العدوّ عن تحقيق أهدافه الأساسيّة.

***

لِنَكن واعِين إذن: ما زالت “مقاومة لبنان” تحتفظ بأهمّ سلاح لها، وقد استطاعت أن تحقّق نصراً كبيراً من خلال الصُّمودَين، العسكريّ والشّعبيّ. وكذلك الأمر بالنّسبة إلى المقاومة الفلسطينيّة.

على بعض المحبّين أن يخرجوا من بعض حالات الاكتئاب والانهزام العابرة، والتي ساهم بعض الاعلام المحلّيّ والخارجيّ في نشرها. نحن مؤمنون، نحن مبدئيّون، نحن صامدون: إذن، نحن دائماً منتصرون!

أمّا غير المُحبّين من أهل وطننا وعالمنا العربيّ.. فندعو الله تعالى أن يُظهر الحقيقة أمام أعينهم وقلوبهم مُجدّداً، وهذا ما قد بدأ تحقّقه بقوّة، بالتّأكيد، خلال الأيّام الأخيرة.

ولعلّه، سبحانه، يستخدم اذلال ترامب للمُتخاذلين وللمَوهومين كافّة، يوماً بعد يوم، كحجّة اضافيّة على ما سبق.. والله أعلم بعاقبة الأمور، وهو المولى وإليه المَصير.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  شيفرة زيارة ظريف لسوريا... بين غارة اسرائيل وهجوم "داعش"
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مبادرة بري تترنح.. والحريري إلى الإعتذار!