أبعد من التلال الخمس.. ماذا تريد إسرائيل من لبنان؟

كان "بوليه-نيوكمب" أول ترسيم للحدود اللبنانية بين لبنان وفلسطين. سلخ "بوليه-نيوكمب" سبع قرى لبنانية وضمّها إلى الأراضي الفلسطينية، وهي: طربيخا، صلحا، المالكية، قَدَس، النبي يوشع، هونين وآبل القمح. كانت هذه القرى تتوزّع على طول الحدود بين لبنان وفلسطين، من رأس الناقورة غرباً، إلى الجسر الروماني شرقاً. 

ظلّ ترسيم “بوليه-نيوكمب” قائماً حتى قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948، ودخول لبنان إلى جانب الدول العربية في حرب ضدّها انتهت بتوقيع اتفاق الهدنة عام 1949.

شكّل ترسيم خطّ الهدنة عام 1949، الترسيم الثاني للحدود اللبنانية الجنوبية. إلا أن الإشكالية التي تركها كان اقتطاع قسم من رأس الناقورة، حيث أقامت إسرائيل عليها مستعمرة “روش هانيكرا”.

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت عدّة فوارق بين خط الهدنة وخط العام 1923 خصوصاً في رأس الناقورة، اللبونة، علما الشعب، صلحا، المنارة وهونين. حصل ذلك من خلال استغلال إسرائيل اختلال ميزان القوى لمصلحتها فاقتطعت مساحات كبيرة من الأراضي اللبنانية.

لم يُؤمّن اتفاق الهدنة الهدوء والاستقرار في لبنان، بل تابعت إسرائيل اعتداءاتها تحت ذرائع مختلفة، وقامت باجتياح الجنوب اللبناني في العام 1978، فصدر على أثره القرار الدولي رقم 425 ودعاها إلى الانسحاب الفوري بلا قيد أو شرط، وأُنشئت بموجبه قوة طوارئ دولية (“اليونيفيل”)، انتشرت في جنوب لبنان لتأمين تطبيق هذا القرار. لكن إسرائيل لم تحترم القرار الدولي ولا القوّات الدولية، فتابعت اعتداءاتها على الجنوب.

في العام 2000، اضطرّت إسرائيل إلى الانسحاب، فتذكّرت القرار 425. حاولت تحقيق بعض المكاسب فدعت الحكومة اللبنانية إلى التفاوض من أجل وضع ترتيبات تؤمّن تطبيق هذا القرار، فرفضت الحكومة اللبنانية الدخول في أية ترتيبات، ودعت إسرائيل إلى الانسحاب الفوري من دون قيد أو شرط، فلجأت عندها إسرائيل إلى الأمم المتحدة لتحقيق مكاسبها عبر الشرعية الدولية، فتمكّنت من فرض خط جديد بدلاً من خط الهدنة سُمّي “خط الانسحاب” وعُرف بـ”الخط الأزرق”. أمّن هذا الخط بعض المكاسب لإسرائيل نتيجة الفوارق بينه وبين الحدود الدولية في عدد من المناطق التي عُرفت بـ”مناطق التحفّظ” وهي 13 نقطة.

في أيار/مايو 2000، أبلغ لبنان الأمم المتّحدة بأن مزارع شبعا تقع ضمن إطار القرار 425، وبالتالي على إسرائيل الانسحاب منها، وزوّدها ببعض المستندات المتوافرة لديه كسندات الملكية وبعض الحوادث الحاصلة تاريخياً في هذه المزارع، كما أبلغها أنه يوجد توافق بين الحكومتين اللبنانية والسورية حول ملكية هذه المزارع. إلا أنّ القرار الأممي رفض اعتبار شبعا ومزارعها أراضي لبنانية، وعليه لم يُدخلها من ضمن خطّ الانسحاب.

بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000 على أساس “الخط الأزرق”، انتشرت “اليونيفيل”. لم تطلب الحكومة اللبنانية من الجيش اللبناني الإنتشار في منطقة الحدود مع فلسطين المحتلة. حصل ذلك بالتنسيق مع دمشق، وبالتالي اكتفى لبنان الرسمي بتشكيل قوّةٍ أمنية مشتركة بين الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي تابعة لوزارة الداخلية في مهمّة حفظ الأمن في المنطقة التي تمّ تحريرها.

بقي هذا الوضع قائماً حتى حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701 الذي شدّد على الاحترام الكامل لـ”الخط الأزرق” وقضى بتعزيز “اليونيفيل” وانتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني وصولاً حتى “الخط الأزرق”، وجعل هذه المنطقة خالية من السلاح باستثناء ما هو تابع للحكومة اللبنانية و”اليونيفيل”.

كان من الضروري التذكير بكلّ الأحداث قبل التطرّق إلى الاحتلال الإسرائيلي للتلال الحدودية الخمس في جنوب لبنان ونقاط أخرى تتوزع بين الناقورة وجبل الشيخ. فلماذا تريدها إسرائيل؟

“من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، تريد إسرائيل التلال الخمس تحديداً لحماية مستوطناتها”، يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني خليل الجميّل.

ويلفت الجميّل الإنتباه إلى أنّ “اللبونة تبعد 4 كيلومترات عن رأس الناقورة وترتفع عن سطح البحر 250 متراً. وتبعد عن الخط الأزرق حوالى 300 متر. وهي التلّة الأهم من بين التلال التي احتلّتها إسرائيل، لأنها تطل على نقطة الـB1، وعلى بوابة رأس الناقورة. وتُشرف تلّة اللبونة على الخط الحدودي الساحلي اللبناني على طول 7 كيلومترات حتى مدينة صور تقريباً شمالاً. وتكشف التلّة اللبونة المنطقة الواقعة بين علما الشعب وفلسطين بالإضافة إلى مستوطنة نهاريا جنوباً. وتتمركز قيادة “اليونيفل” تحت هذه التلّة مباشرة على بعد 2 كلم. إلى ذلك فإنّ تلّة اللبونة قريبة من مستوطنات روش هانيكرا وشلومي وحانيتا. وقطعت إسرائيل قسماً من طريق الضهيرة (1.5 كلم) لقربها من مستوطنة عرب العرامشة (كانت لبنانية قبل أن تضمّها اتفاقية بوليه-نيوكمب إلى فلسطين)”.

ويتابع الجميّل: “الوصول إلى تلّة جبل بلاط في القطاع الأوسط – قضاء بنت جبيل (التلّة الثانية)، من طريق الضهيرة يوازي 7 كلم كمسافة طوبوغرافية. وتبعد تلّة جبل بلاط عن الخط الأزرق نحو 800 متر بارتفاع 750 متراً عن سطح البحر. أما أهميتها، فتكمن في حماية 3 مستوطنات وهي زرعيت وشومرا (طربيخا) وشتولا. ويُطلّ جبل بلاط شرقاً على عيتا الشعب، وعلى وادي (خلّة وردة) بين لبنان وفلسطين، حيث أسر حزب الله جنديين إسرائيليين في العام 2006. تريد إسرائيل هذه التلّة خصوصاً وأنّ هذه المنطقة غير مرئية من الجانب الفلسطيني. وقد عزلت إسرائيل جبل بلاط تماماً. وقطعت كل الطرقات المحيطة”.

إقرأ على موقع 180  أما وأن جهنم الموعودة قد بلغناها

أما عن تلّة جلّ الدير، المعروف بتل الباط، في عيترون، قضاء بنت جبيل في القطاع الأوسط، فيوضح الجميّل أنها “تبدأ على الخط الحدودي وتبعد حوالى 800 متر عن الخط الأزرق، وترتفع 900 متر عن سطح البحر. وتريد إسرائيل جلّ الدير لحماية المستوطنات الثلاث: يفتاح (قَدَس) والمالكية وأفيفيم (صلحا) (وكلها كانت من القرى السبع)”.

ويشرح الجميّل أن “التلّة الرابعة هي الدواوير، وتقع بين حولا ومركبا، في القطاع الشرقي في قضاء مرجعيون. تبعد نحو 300 متر عن الخط الأزرق وترتفع 700 متر عن سطح البحر، وتحمي مستوطنة مرغليوت (هونين). وتجدر الإشارة إلى أنه بين جلّ الدير والدواوير مسافة 15 كلم طوبوغرافياً”.

أما التلّة الخامسة، يضيف الجميل، فهي تلة الحمامص، وتقع جنوبي قضاء مرجعيون. وهي قريبة من مستوطنة المطلّة (200 متر). كما أنها تكشف سهل مرجعيون من الشمال وسهل مزرعة سردة من الجنوب. وترتفع 600 متر عن سطح البحر لكنها تكشف السهلين في آن واحد. وقد أعاقت إسرائيل حركة السكان فيها لحماية مستوطنات المطلة ومعيان باروخ ويوفال (آبل القمح)”.

إلى ذلك، قطعت إسرائيل طريقاً بطول 3 كلم بين العديسة وكفركلا لقربها من مستوطنة مسكفعام.

ويشير العميد الجميّل إلى أن “التلال الخمس لم تكن أصلاً مأهولة. بل كانت نقاطاً عسكرية يتمركز فيها الجيش اللبناني. عندما أعاد الجيش تموضعه بداية الحرب أخلى هذه المراكز وألحق عناصرها بوحداتهم الأساسية.

تقنياً، الهدف من احتلال التلال ليس استراتيجياً، “لكنه جاء لتطمين الداخل الإسرائيلي وخصوصاً سكان مستوطنات الشمال. هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فمن الواضح أن إسرائيل لا تريد ربط نزاع مع لبنان. لذا ستحافظ على حرية حركتها في الأراضي اللبنانية”.

بالرغم من أنّ التلال الخمس ليست بتلك الأهمية الاستراتيجية التي تسوّق لها إسرائيل، ولكن لا يبدو أنها تنوي مغادرتها، أقلّه في المدى المنظور. فإسرائيل ضليعة بخرق القرارات الأممية والاتفاقيات الدولية، وربما تطمح إلى ما هو أبعد من ذلك، ولا سيما ابرام معاهدة سلام مع لبنان وهو الأمر الذي ألمح إليه صراحة مؤخراً مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بقوله “إن لبنان يمكن أن يتحرك قريبا للانضمام إلى اتفاقات السلام، وسوريا قد تكون أيضا في الطريق نفسه، مما يشير إلى تغييرات عميقة تحدث في المنطقة”.

Print Friendly, PDF & Email
إيڤون أنور صعيبي

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ماكرون VS لوبن.. المترددون والمقاطعون يحسمون النتيجة