حرب إيران-إسرائيل.. “الفتح الايرانيّ” أخلاقيّ أوّلاً

ليست الحرب مجرّد صواريخ وقذائف ورصاص ولهب ومسيّرات، ومجرّد دكٍّ وتفجيرٍ لمعسكرات العدوّ ومراكزه الجليّة والخفيّة كما نشاهد اليوم على الشّاشات. أبداً. قبل أيّ شيء آخر، الحرب هي مسألة خيارات روحيّة وعقائديّة وقِيميّة وأخلاقيّة.

مع اندلاع الحرب، والنّزال المباشر، ما بين “الجمهوريّة الاسلاميّة” و”الكيان الاسرائيليّ”، وقبل الوصول إلى النّتائج الحربيّة والعسكريّة والأمنيّة والتّكنولوجيّة والاقتصاديّة المفصّلة، وحتّى قبل الوصول إلى النّتائج البشرّية… قبل ذلك كلّه وغيره، علينا أن نعترف – بموضوعيّة تامّة – بأنّ إيران قد بدأت هذه الحرب بتحقيق فتحٍ ونصرٍ قِيميٍّ وأخلاقيٍّ من العيار الثّقيل والتّاريخيّ في ما يخصّ منطقتنا وشعوبنا العربية والإسلامية.

***

لنكن موضوعيّين ومنصفين، بعيداً عن الغرائز والعواطف: من المهمّ الاعتراف، بشجاعة، بهذه النّقطة الرّوحيّة والفكريّة والتّاريخيّة والقِيميّة: في ما يعني تاريخ اقليمنا، وفي ما يعني تاريخ منطقة الشّرق الأوسط ككلّ، وفي ما يعني – بشكل خاصّ – تاريخ صراع شعوبنا مع “إسرائيل”.

بكل موضوعيّة إذن، وبعقل هادئ حقّاً، لماذا يُمكن لإيران أن تدّعيَ اليوم أنّها تلعب دور “الحُجّة” على أغلب باقي أنظمة وتيّارات ومنظّمات ونخب المنطقة؟

لماذا يمكننا التّحدّث عن “فتحٍ” قِيميّ وأَخلاقيّ واضح وجليّ، أمام العدوّ، وأمام منطقتنا، وأمام العالم أجمع؟

برهنت إيران، أمام العالم أجمع، أنّها صادقة في ما يخصّ قضايا الأمّة الاسلاميّة والمنطقة بشكل عامّ، وفي ما يعني قضيّة شعوبنا المركزيّة: أي قضيّة أرض فلسطين وشعب فلسطين

لنتوقّف سويّاً عند النّقاط الأساسيّة التّالية:

أوّلاً؛ لأنّ إيران قد أثبتت، في اعتقادي ورأيي، خلال العقود الأخيرة، ولا سيما المفاوضات الأخيرة، أنّها دولة ذات سيادة، وذات ارادة وطنيّة محترمة، وذات قيادة ونخبة وأغلبيّة شعبيّة… تريد، حقّاً، أن تُحقّق التّحرّر الوطنيّ، والسّيادة الوطنيّة، والاستقلال الوطنيّ. لسنا، في اعتقادي:

(١) لا أمام دولة وقيادة مستسلمَتَين أو راضخَتَين؛

(٢) ولا أمام دولة تدفع الجِزية للمستعمر وهي تحتفل بذلك وتبتسم وتضحك؛

(٣) ولا أمام دولة ذات توجّه رماديّ في ما يخصّ هذه الأمور، فلها “رِجلٌ هنا ورِجلٌ هناك”، كما يُقال.

ثانياً؛ لأنّ إيران قد أثبتت اليوم، وبما لا يقبل الشّكّ، أنّها أمّة ودولة وقيادة ذوات كرامة وطنيّة من النّوع الرّفيع والمتين. ماذا يعني أن تقف بوجه عدوان من قِبل دول عظمى، بوجه عدوان مغطّىً بالكيان الاسرائيليّ أبي الجرائم والابادات والهروب من مواجهة الرّجال بالرّجال… ثمّ أن تمتصّ الضّربات والخدع، وتلمّ شملك، وتنظّم أمرك، وتعقل نفسك… وتصدر بعد ذلك قرارك، بالرّدّ الواضح الجليّ المُبين، على مواقع ومراكز ومدن العدوّ، ومباشرة على هواء الشّاشات وأمام الملايين؟

ماذا يعني ذلك… غير أنّنا أمام أمّة ودولة ذواتا كرامة وطنيّة راقية وصلبة؟ مهما كان رأينا الأيديولوجيّ وتموضعنا الجيو-سياسيّ تجاه هذا النّظام وتجاه هذه الأمّة، علينا أن نعترف لهما بذلك.

بالإضافة إلى مسائل السّيادة والاستقلال وارادة التّحرّر من جهة، وإلى مسألة الكرامة الوطنيّة كما رأينا من جهة ثانية، تبقى النّقطة الثّالثة هي الأهمّ بالنّسبة إلينا كشعوب مشرقيّة وعربيّة واسلاميّة طبعاً:

ثالثاً؛ ذلك أنّ “إيران الجمهوريّة الاسلاميّة” قد برهنت، أمام العالم أجمع، أنّها صادقة في ما يخصّ قضايا الأمّة الاسلاميّة والمنطقة بشكل عامّ، وفي ما يعني قضيّة شعوبنا المركزيّة: أي قضيّة أرض فلسطين وشعب فلسطين. تَأمَّل معي جيّداً أيّها القارئ العزيز الكريم، وبموضوعيّة مجدّداً:

  • لماذا تدفع هذه الدّولة الأثمان منذ عقود، تضييقاً وتشويهاً وحصاراً وعقوبات؟
  • لماذا لم توقّع، خصوصاً في الأسابيع الماضية، اتّفاقاً نوويّاً لمصلحة أميركا وإسرائيل… في ما العقليّة التي يروّجها البعض في المنطقة، ومنهم “ثوّار اسلاميّون”، تُفيد بأنّ التّنازل والانبطاح خيرٌ من تلقّي الضّربات وخير من التّضحية والمواجهة والمقاومة؟
  • لماذا لم تقبل إيران بأن تتنازل في قضاياها المركزيّة الخاصّة، لكن أيضاً، في ما يعني القضيّة الفلسطينيّة وحركات المقاومة والتّحرّر الوطنيّ في المنطقة؟ لنسأل أنفسنا بكلّ موضوعيّة: أليس التّنازل الأساسيّ الذي يطلبه الاستعمار من أممنا وشعوبنا اليوم، هو ما يختصّ بالاعتراف بهذا الكيان وما يختصّ بالتّخلّي عن حقوق الشّعب الفلسطينيّ؟

ما وراء صور الضّربات العسكريّة والضّربات العسكريّة المضادّة، نحن إذن، بالتّأكيد، أمام حربٍ قد بدأت بفتحٍ قِيَميّ-أخلاقيٍّ مُبين، نالته إيران وقيادتها، أمام الدّول والقيادات والشّعوب الاسلاميّة والعربيّة بشكل خاصّ

أنت تعلم وأنا أعلم، قارئي العزيز، بأنّ التّنازل “لإسرائيل” هو قلب المطلب الأميركيّ والغربيّ، وهو جوهره وباطنه وحقيقته… ولا يدفعُ الأثمانَ حقيقةً إلّا الذي لا يقبل بهذا التّنازل. وهذه هي حال إيران اليوم، التي تظهر بذلك في مظهر المنتصر، بوضوح، على المستويَين القِيَميّ والأخلاقيّ كما أشرنا.

ثمّ:

  • لماذا يتمّ ضرب إيران، اليوم بالذّات، عسكريّاً: من قبل جميع دول الاستعمار الرّاهنة، وأداتها المركزيّة الأساسيّة أي “إسرائيل”؟
  • وقد يكون الأهمّ طبعاً… هو سؤال “من يضرب إيران”؟
  • من بدأ بضرب إيران هو ذلك الكيان الغاصب المحتلّ القاتل السّارق لأرض غيره… أبو الإبادة والجريمة والطّغيان. هذا هو من يضرب إيران. فهل من حجّة أوضح، تحملها إيران أمام جميع شعوبنا ودولنا ومنظّماتنا اليوم؟
إقرأ على موقع 180  كميل شمعون.. عندما ذهب بعيداً في عروبته!

***

أعتقد، قارئي العزيز، أنّ الجواب جلّيٌّ وواضحٌ وصريحٌ: كلّ ما سبق ذكره من أثمان تدفعها إيران، بما فيه ضربها اليوم من قِبَل شرّ البريّة وأفسدها في الأرض… تدفعها لأنّ قيادتها ونخبها صادقة في:

(١) مواجهة الاستعمار القديم والجديد؛

(٢) تحقيق التّحرّر الوطنيّ لها ولما تعتبره “الأمّة الاسلاميّة”؛

(٣) مواجهة هذا الكيان الغاصب؛

(٤) نصرة قضيّة أرض فلسطين وشعب فلسطين مهما كانت الأثمان.

***

ما وراء صور الضّربات العسكريّة والضّربات العسكريّة المضادّة، نحن إذن، بالتّأكيد، أمام حربٍ قد بدأت بفتحٍ قِيَميّ-أخلاقيٍّ مُبين، نالته إيران وقيادتها، أمام الدّول والقيادات والشّعوب الاسلاميّة والعربيّة بشكل خاصّ.

وكما أشرنا، فقد يكون ذلك هو جوهر الحرب في باطن الأمور وفي عمقها العميق.. بانتظار النّتائج العسكريّة والسّياسيّة والاقتصاديّة الظّاهريّة قريبة الأمد.

ولربّما يكون من الجميل هنا أن نقف عند صُورتَين مُعبّرَتَين يمكن تمثّلهما في الذّهن:

(١) من جهة، صورة ترامب ونتنياهو المضطّربَين نفسيّاً وروحيّاً، والحاملَين لقضايا فساد وافساد كلٌّ على طريقته، والانتهازيَّين والسّطحيَّين والماديَّين؛

(٢) ومن جهة ثانية، صورة المرشد الايرانيّ الأعلى، في اطلالته بعد الضّربة الكبيرة وعند اعلانه اطلاق أوّل دفعة كبيرة من الصّواريخ ذات الرّدّ واللّهب.. وقد ظهرَ – حقّاً وواقعاً – بمظهرِ وبوجهِ وبهيئة أهل التّأمّل، واليقين، والسّكينة، والصّبر، والرّضا، والتّفكّر والتّدبّر في خلق الله.

فعلاً، بكلّ موضوعيّة، أتركك قارئي العزيز مع هاتَين الصّورَتَين المثاليَّتَين.. وأتركهما بين يديّ، وأمام أعين وقلوب المتأمِّلِين الرّاشِدِين أجمَعين.

Print Friendly, PDF & Email
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  حالةُ غيابٍ عربي أم تروٍِ وتقريرُ مصير؟