ثمة معلومات مؤكدة عن وجود مساعٍ جدية تقودها مرجعيات جهادية عربية من أجل تأمين احتضان خلايا “داعش” في إدلب والعمل على توحيدها ضمن هيكلية جديدة وتحت اسم جديد، وذلك بالتعاون مع فصائل قريبة فكرياً من توجهات تلك المرجعيات.
ويقود الأردني أبو محمد المقدسي الذي يعتبر من أبرز المرجعيات الدينية للفكر الجهادي، مساعي حثيثة لبناء جسور تواصل بين بعض قيادات وخلايا “داعش” الوافدة في إدلب من جهة، وبعض قيادات الفصائل التي يمون عليها الشيوخ من جهة ثانية. وفق ما قال لـ”180″ مصدر مطلع على هذه المساعي.
يقود الأردني أبو محمد المقدسي مساعي حثيثة لبناء جسور تواصل بين “داعش” وبعض الفصائل الجهادية
وحافظ المقدسي على شعرة معاوية مع تنظيم “داعش” عندما كان من النادرين الذين رفضوا إطلاق وصف “الخوارج” عليه، وهو ما يعني إسباغ الشرعية الدينية على احتمال إبادة التنظيم، واكتفى باعتبار قادته ومقاتليه من صنف “البُغاة” الذين تنبغي محاربتهم بشروط وأحكام معينة أخفّ وطأةً بكثير من شروط قتال الخوارج.
وبعد مقتل البغدادي، استند المقدسي إلى فتوى صادرة عن أبي سلمان الصومالي تجيز الترحم عليه كونه “مسلماً” شأنه في ذلك شأن الرئيس المصري السابق محمد مرسي. واعتبر المقدسي أنه “لا يُلزم أحداً بالترحم على من يَبغضه ولكن هذا لا يعني جواز تغيير القواعد الشرعية بالعواطف والدوافع النفسانية والهوى”.
ومما يُعرف عن الصومالي تطرفه الشديد، وأنه هو من أتباع الشيخ عمر الحازمي الذي يقول بـ “تكفير العاذر” وهي القضية الشائكة التي أحدثت شرخاً كبيراً في تنظيم “داعش” وقسمته في مرحلة ما بين تيار البنعلي وتيار الحازمي وذلك بناء على من يوافق أو يرفض القول بتكفير العاذر.
ويعتمد المقدسي في مساعيه لإعادة توحيد خلايا “داعش” على قيادات في”أنصار التوحيد”، وهو فصيل تأسّس على أنقاض جماعة “جند الأقصى”، وورث عنه اعتبار المقدسي مرجعية ملزمة له. كما يعتمد المقدسي أيضاً على بعض القيادات التي انشقت عن جماعة “حراس الدين” وتسعى لتأسيس تنظيم خاص بها، بحسب ما أفاد به المصدر السابق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أبو محمد الحلبي الذي قُتل مع البغدادي كان من بين هؤلاء الذين انشقوا عن “حراس الدين” وهو ما قد يعزز فرضية وجود التعاون بين الطرفين.
واعتقلت “هيئة تحرير الشام” المدعو “أبو اليمان الوزاني” وهو أيضاً قيادي انشق سابقاً عن “حراس الدين”، ولم تعرف أسباب اعتقاله الذي بدا مفاجئاً لكثيرين، خصوصاً أنه جاء في خضم تقدم الجيش السوري في جنوب إدلب قبل عدة أيام.
وبرغم صعوبة الربط بين الوزاني والمقدسي، إلا أن اعتقاله يشكل دليلاً لا لبس فيه على وجود هواجس لدى قيادة “هيئة تحرير الشام” من الأدوار التي يمكن أن يقوم بها هؤلاء المنشقون عن “حراس الدين”.
وقد تزايدت وتيرة الانشقاقات عن “حراس الدين” بعد توقيع اتفاق سري بين الحراس والهيئة يدعو إلى التهدئة وتجاوز الخلافات، غير أن التكتم الشديد من الطرفين على بنود الاتفاق وعدم الاطلاع على مضمونه إلا من قبل قيادات الصف الأول في كلا الفصيلين دفع بعدد من قادة “حراس الدين” إلى التشكيك فيه وتفضيل الانشقاق على البقاء في ظل ما يسمونه “جهالة فقهية”.
وفي حادثة لا تخلو من الدلالة، جرى في إدلب الشهر الماضي، الإعلان عن ولادة تنظيم جديد يحمل اسم “جيش خراسان”. ولا تعرف تفاصيل كثيرة عن هذا التنظيم الوليد سوى أن قادته كانوا من المبايعين لتنظيم “القاعدة العالمي” ومن بينهم قيادات كانت في “جيش البادية” الذي انشق عن “هيئة تحرير الشام” العام الماضي.
ويحمل اسم “خراسان” بعداً رمزياً يداعب مخيلة أي جهاديّ نظراً لارتباطه بأرض أفغانستان وتاريخها مع مبدأ الجهاد عموماً وتنظيم “القاعدة” خصوصاً. وجاءت ولادة هذا الفصيل بعد فترة وجيزة شهدت ولادة فصيلين آخرين في إدلب هما “أنصار الفرقان” و “كتائب الفتح”.
يحمل اسم “خراسان” بعداً رمزياً يداعب مخيلة أي جهاديّ نظراً لارتباطه بأرض أفغانستان
ويشير توالد هذه الفصائل الجديدة إلى وجود حراك متصاعد في منطقة إدلب يأتي استجابة للعديد من الضغوط الميدانية والتحديات الدينية المرتبطة بها خاصة بما به له علاقة بالجيش التركي وجواز القتال إلى جانبه. كما من الواضح أن تزايد ثقل خلايا “داعش” في المنطقة بدأ يؤثر على طبيعة هذا الحراك والاتجاهات التي يمكن أن يسلكها. ولكن إلى الآن ليس هناك أيّ دليل أو مؤشر على أن أيّاً من هذه الفصائل المستحدثة له علاقة بخطة إعادة توحيد خلايا داعش ودمجها.
وينفي مقربون من الشيخ المقدسي صحة ما ينسب إليه من جهود ومساعٍ. ويقولون أن وجهة نظر الشيخ لا تتعدى وجوب الحرص على حياة مقاتلي وقادة داعش وحرمة التعاون مع اي جهاز استخباراتي بهدف إعطاء معلومات عنهم تؤدي إلى اغتيالهم. غير أن هؤلاء لا ينفون رغبة الشيخ في أن تتمكن بعض الفصائل من استقطاب خلايا داعش وكوادره التي تتمكن من الوصول إلى إدلب، مشترطين فقط أن يخضع هؤلاء لدورات شرعية لتخليصهم من بعض شوائب فكر داعش التي لا يتفق معها الشيخ المقدسي.