حسابات الحرب واللاحرب بين واشنطن وطهران

دشّن إغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، مرحلة جديدة في منطقة غرب آسيا، البقعة الأكثر سخونة في العالم حالياً.

لا يمكن لإيران ألا ترد على اغتيال القوات الأميركية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 3 كانون الثاني/يناير 2020، قرب مطار بغداد الدولي. ولا يمكنها أن تكتفي برد محدود وغير موجع للأميركيين. لعلها ستكتفي فقط برد متكافئ (proportionnel)، لا يفيض عن التقديرات العسكرية المحسوبة بدقة وإتقان، لكن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تتعامل منذ البداية مع التوتر العسكري بينها وبين حلفاء إيران في العراق، أخيراً، على قاعدة الرد غير المتكافئ (disproportionnel). الدليل، أنها ردت على استهداف عاديٍ لها تسبب بمقتل عنصر أمني مدني، بعملية واسعة ضد مواقع “الحشد الشعبي” الحليفة لإيران في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا. ثم ردت على اقتحام باحة سفارتها في المنطقة الخضراء في بغداد، باغتيال قاسم سليماني (وأبو مهدي المهندس)، مع أن تبريرها للعملية يضعها في خانة العملية الاستباقية، أي استباقاً لما كان سليماني يعدّ له من حرب استنزاف ضد الأميركيين، بحسب قول هؤلاء. واليوم يتوعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باستهداف 52 موقعاً إيرانياً في حال تم استهداف مواقع ومصالح أميركية من قبل طهران وحلفائها انتقاماً لاغتيال سليماني.

من رد إلى رد، ستكون المنطقة مهددة بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران. هذه المواجهة قد تحصل من دون أن تكون لدى واشنطن وطهران رغبة فعلية في حصولها

من تصعيد إلى تصعيد، ومن رد إلى رد، ستكون المنطقة مهددة بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران. هذه المواجهة قد تحصل من دون أن تكون لدى واشنطن وطهران رغبة فعلية في حصولها.

فإيران هي بغنى عن “قطيعة استراتيجية” في المنطقة قد يتمخض عنها نتائج كارثية بالنسبة إليها. احتمالات خروج إيران رابحة من الصراع المسلح مع الولايات المتحدة الأميركية، تبقى واردة ومطروحة. لكن ما هي نسبتها؟ وما هو حجم الخسائر التي ستتكبدها إيران، إنْ لم يكن على أرضها، إنما في مناطق نفوذها في الإقليم؟ بمعنى آخر، هل من مصلحة إيران الدخول في حرب مباشرة مع الأميركيين في الشرق الأوسط، إذا كان من شأن حرب كهذه أن تلحق أضرراً جسيمة بالنفوذ الذي بنته إيران بنجاح في هذه المنطقة منذ عقود؟

في المقابل، هل تشعر الولايات المتحدة بتهديد فعلي في الشرق الأوسط لكي تلجأ لخيار المواجهة المباشرة؟ فأميركا، وفق حسابات استراتيجية تقليدية، لا تدخل في حرب مع إيران إلا في حالتين: إذا اقتربت الأخيرة من امتلاك قنبلة نووية، وإذا أقدم الإيرانيون على عمل يراد منه قلب التوازنات لصالحهم في المنطقة، وإذا كان من شأن هذا العمل تهديد النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. حتى الآن، شرط القنبلة النووية غير متوفر. لكن هل تعتبر الإدارة الأميركية اليوم أن الإيرانيين بدأوا بالإخلال في التوازنات الإقليمية، فصممت على ردعهم؟ وبالتالي هل تبدو واشنطن مستعدة للتورط في حرب قد تخرج منها رابحة لكن في ظل خسائر سيتعدى نطاقها حدود الخليج والشرق الأوسط؟

هل يمكن لحسابات الربح والخسارة لدى كل من أميركا وإيران أن تقودهما إلى التواصل لتفادي حرب مباشرة بينهما، حتى ولو كانت شروط التسوية النهائية بينهما لا تزال غير ناضجة؟

من الصعب التكهن في القرار النهائي الذي سيتخذه صانعو القرار في كل من العاصمتين الأميركية والإيرانية في إدارة هذه الأزمة الحادة والخطيرة بين الطرفين. أبرز التجارب السابقة، دولياً، تتمثل في إدارة أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام 1962. حينها كادت أن تندلع حرب نووية بين القوتين العظمتين، لولا لجوء الإثنتين في نهاية المطاف إلى خيار التواصل في اللحظة الأخيرة لمعرفة نوايا بعضهما، وذلك عبر التخابر المباشر بين قادة البلدين من خلال ما كان يسمى “الخط الهاتفي الأحمر”، وهذا ما جنّبهما الدخول في حرب عالمية مدمرة. وانتهت الأزمة الكوبية بتسوية مرضية للطرفين.

هل يمكن لحسابات الربح والخسارة لدى كل من أميركا وإيران أن تقودهما إلى التواصل لتفادي حرب مباشرة بينهما، حتى ولو كانت شروط التسوية النهائية بينهما لا تزال غير ناضجة؟

(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الحلّ حيادٌ.. واتحاد!
نبيل الخوري

أستاذ في الجامعة اللبنانية

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  بايدن والخليج.. وداعاً لـ"مبدأ كارتر"