تهدف خطة رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي إلى تحقيق حسم استراتيجي “على الأقل في مواجهة الأعداء المباشرين: حزب الله في لبنان وحماس في غزة”. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تعرضت قدراتهما “إلى ضربة قوية جداً وخلال وقت قصير للغاية بحيث لن يتمكنا بعدها من العودة إلى الوضع الحالي، ويضطران على الأقل إلى الامتناع من العودة إلى مواجهة أُخرى لسنوات عديدة، وربما التخلي تماماً عن الاستراتيجيا التي بنياها. تحقيق هذا الهدف وأهداف أُخرى في جبهات أُخرى – مثل سوريا وإيران – يفرض الأخذ في الاعتبار ثلاثة مخاطر”، حسب غيورا أيلند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في مقالة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
الخطر الأول، حسب أيلند، “يتعلق بالتوتر بين الاستعداد الأقصى لحرب هنا والآن، وبين الاستثمار في قدرات مستقبلية”. تستند الخطة إلى افتراض مؤداه أن احتمال نشوب حرب في الجبهة الشمالية في سنة 2020 ضئيل نسبياً، لذا، “من الأفضل توجيه الموارد إلى قدرات أكثر تطوراً في السنوات المقبلة مع تخلٍّ محسوب عن الحد الأقصى من الاستعداد حالياً”.
الخطر الثاني، يضيف أيلند، “يتعلق بالتوازن بين التوظيف في الهجوم في مقابل الاهتمام بالدفاع. التوظيف في الهجوم يركّز على الرغبة في استغلال تفوقنا النسبي على العدو وزيادته إلى حده الأقصى، الأمر الذي سيجبر العدو على التوظيف أكثر في الدفاع وأقل في الهجوم. المقاربة الدفاعية المضادة تحلل نقاط ضعفنا، وتوظف من أجل تقليصها. ومثل المسألة السابقة، المقصود الحاجة إلى إيجاد نقطة التوازن الصحيحة. هنا أيضاً تعبّر الخطة الجديدة عن مخاطرة محسوبة تقوم على تفضيل الهجوم على الدفاع”.
الخطر الثالث، حسب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، “يتعلق بالتوتر بين مبدأين في الحرب: مبدأ “استنفاد القوة”، ومعناه الاستغلال الأقصى لإمكاناتنا العسكرية، في مواجهة مبدأ “البساطة” الذي يشدد، بين أمور أُخرى، على استقلال كل وحدة في قطاعها وفي مهمتها من دون ارتباط، أو مع ارتباط ضئيل بمساعدة القيادات التي تعلوها”.
يشير غيورا أيلند إلى أن خطة أفيف كوخافي الجديدة “تفضل استنفاد القوة”، الأمر الذي يتجلى في الأساس في إيجاد صلة فاعلة في الزمن الحقيقي بين الأطراف الاستخباراتية من كل المستويات، مع القدرة على استخدام نيران دقيقة، وكذلك وسائل أُخرى، مثل السايبر والقتال الإلكتروني.
“الخطر ينبع من حقيقة أن الحرب تتميز بعدم يقين كبير، وأيضاً بجهد العدو لعرقلة قدراتنا. والاستناد المفرط إلى تدفق معلومات ووسائل من مستويات عالية إلى مستويات أدنى يمكن أن يلحق الضرر بالفاعلية بسبب تشويش هذا التواصل أو بسبب المس بالمستوى التكنولوجي”، يقول غيورا أيلند. ثم يعطي مثلاً: “قائد الكتيبة الذي يتمرن في التدريبات على الحصول على الكثير من المعلومات بمساعدة كبيرة من سلاح الجو أو من مستويات عليا في القيادة، يمكن أن يلاقي صعوبة في القيادة عندما يفرض عليه الواقع العمل، بحسب الأوامر: هذا ما يجب فعله ومع هذا سننتصر”.
في “هآرتس”، إعتبر يانيف كوفوفيتس أن “خطة تعاظم قوة الجيش الإسرائيلي خلال الفترة 2020-2024” (تنوفا) “هدفها إيجاد جيش إسرائيلي جديد، في مركزه “القوة الفتاكة” التي ستقصر جولات القتال المقبلة، بما فيها ضد إيران”. ويقول إنه “ليس من الواضح أي جيش إسرائيلي سنحصل عليه من خطة “تنوفا”، لكن من الواضح أنها ستكلف مالاً كثيراً، أي المزيد من الضرائب، المزيد من التقليصات، وميزانيات أقل من أجل الصحة والتعليم.”
بدوره، يوضح عاموس هرئيل في “هآرتس” أن لتقديم الخطة دلالة مركزية: “بخلاف تحذيرات رئيس الحكومة، في تقدير الجيش الإسرائيلي لا توجد حرب جديدة مطروحة على جدول الأعمال، لذلك نشأت “نافذة فرص” لزيادة قوته على حساب الاستعداد لحرب في المدى الزمني المباشر. مع ذلك، فإن “نافذة الفرص” ليست محصنة حيال إمكان نشوب حرب كبيرة جرّاء عملية تصعيد لا يرغب فيها الطرفان. من أجل فهم مسار كهذا، يجب العودة إلى الدينامية التي كانت موجودة بين إسرائيل وسوريا في السنوات التي سبقت حرب الأيام الستة (حرب حزيران/يونيو 1967). لم يكن أحد يريد حرباً كبيرة، ومع ذلك نشبت تلك الحرب”.
يقول أوري بار يوسف إنه في ظل عدم وجود رد تكنولوجي – عسكري فعال ضد تهديد الصواريخ، لا مفر من الاستنتاج أنه يوجد بيننا وبين أعدائنا حالة توازن رعب
في مقالة مشتركة لكل من اللواء (في الاحتياط) يتسحاق بريك والبروفسور أفشالوم إليتسور، في “هآرتس”، ينظر الرجلان إلى الحرب المقبلة “بألوان قاتمة”. يقولان: “ليس فقط بسبب قوة تهديد آلاف الصواريخ التي تحمل رؤوساً متفجرة وقادرة تقريباً على إصابة كل نقطة في البلد، بل أيضاً لأن ردود إسرائيل، بحسب قولهما، هو “القليل جداً من الدفاع، وعند ساعة الاختبار – ببساطة لا شيء”.
وفق تقديرات بريك وإليتسور، “ستؤدي الحرب إلى شل الدولة، وإلى هروب جماعي من منطقة إلى أُخرى، ومن البلد إلى الخارج، وقبل كل شيء إلى وقوع قتلى بأعداد كبيرة. الحل التكنولوجي الذي يقترحانه هو منظومة “حماية السماء” (Sky Guard) اعتماداً على ليزر كيميائي قوي للغاية، قادر على اعتراض الصواريخ بسرعة وبتكلفة رخيصة”. الرد الذي يقدمه الجيش على التهديد هو تضافر الاستخبارات مع قوة هجومية من الجو ومناورة برية في لبنان، من أجل احتلال المنطقة التي تُطلَق منها الصواريخ. ظاهرياً، يبدو هذا جيداً، لكن ثمة شك في نجاحه. إذا كانت الاستخبارات احتاجت إلى سنوات للعثور على أنفاق ضخمة في الشمال، فمن المعقول الافتراض أن قدرتها على العثور على مواقع أنفاق أصغر في عمق أرض لبنان خُزنت فيها الصواريخ ، محدودة أكثر. يملك سلاح الجو قدرات مذهلة، لكن يوجد فارق بين تدمير 44 منصة إطلاق صواريخ في إطار عملية “ثقل نوعي” في بداية حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006)، وبين تدمير 15 ألف صاروخ أو أكثر، تستطيع إصابة غوش دان. خطة “تنوفا” قد تقصّر مدة الحرب المقبلة، لكن قوات البر ستحتاج إلى وقت ليس قليلاً لاحتلال المناطق التي تطلَق منها الصواريخ. وإلى أن تنجز المهمة، فإن خنادق الصواريخ ستكون قد أصبحت خالية.
كذلك الأمر فيما يتعلق بمنظومة الليزر. الرد جيد، لكن بشرط أن تكون الأجواء صافية عندما تنشب الحرب، وليس هناك تسرب لمواد خطرة، ومع توفر عدد من الشروط، على ما يبدو قد لا تتوفر في الحرب المقبلة. ومثل المنظومات الدفاعية الموجودة (“القبة الحديدية” و”مقلاع داود” وغيرهما)، أيضاً هذه المنظومة جيدة لاعتراض صواريخ مفردة، وليس عشرات أو مئات القذائف والصواريخ، كما هو متوقع في الحرب المقبلة.
يقول أوري بار يوسف، وهو أكاديمي يعمل في جامعة حيفا في معرض تحليل هذه المقالات وخطة أفيف كوخافي “إنه في ظل عدم وجود رد تكنولوجي – عسكري فعال ضد تهديد الصواريخ، لا مفر من الاستنتاج أنه يوجد بيننا وبين أعدائنا حالة توازن رعب”.
يضيف في مقال نشره في “هآرتس” أن أصل هذا المصطلح هو في الحرب الباردة، وهو يصف التعادل في القوة بين الطرفين، ولكل طرف القدرة على تدمير الآخر بواسطة سلاح نووي، لكن لا يقدر على منع أن يتم تدميره هو أيضاً.
ويضيف “أن تستطيع إيران وحلفاؤها إلحاق ضرر بإسرائيل يمكن أن يكون هذا “غير محتمل”، وهذه القدرة يمكن أن تزداد. من جهتها، تملك إسرائيل ما يكفي من القوة القادرة على الرد، وعلى إعادة إيران وحلفائها أيضاً إلى العصر الحجري”.
هذا الوضع يفرض، حسب أوري بار يوسف، على واضعي سياسة الأمن القومي في إسرائيل طريقة تفكير لم يعرفوا مثيلاً لها في الماضي: “ليس التفكير في كيف ننتصر في الحرب المقبلة – لأن هذا الانتصار سيكون باهظ الثمن – بل كيف نمنع الحرب المقبلة. هنا الردود معقدة ومؤلفة من استخدام “عصا” رادعة غليظة إلى جانب تقديم “جزرات” سياسية، هدفها التخفيف من حدة النزاع. ماذا ستتضمن “العصا” وكيف ستوضح التهديد، وماذا ستكون “الجزرات” وأي منها ستكون فعالة – هذه أسئلة مهمة. لكن لا شك في أن الوقت حان لمناقشتها بهدوء، لأن الحلول التكنو-عسكرية التي يقترحها الجيش الإسرائيلي وخبراء خارجيون هي أيضاً غالية جداً، وفي الأساس لا تقدم رداً حقيقياً على التهديد”.(المصادر: مؤسسة الأبحاث الفلسطينية، مركز الناطور، عرب 48)