بموجب المادة 64 من الدستور اللبناني “… لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”. فماذا يعني تصريف الأعمال هنا؟
إن دوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد هو قاعدة عامة، لأنّ قضايا الناس لا يمكن أنْ تتوقف إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وبالتالي، تصبح حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات تصرُّفية أو تقريرية، لكنها قادرة على تصريف الأمور الجارية، غير السياسية أو الإدارية الجديدة. بمعنى أنها لا تتخذ إجراءات يمكن أن تغيّر في المعادلة القائمة، وبالتالي تقوم بتصريف الأعمال الضرورية لتسيير أمور المرافق العامة. وفي هذا السياق لا يمكن للحكومة اتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي قد يغيّر في معطيات الأمور.
إشارةً إلى أن حكومة تصريف الأعمال غير مسؤولة أمام المجلس النيابي، لكنها يمكن أن تحضر الجلسات النيابية من غير أن تكون قادرةً على إبداء رأيها في النصوص المطروحة للتصويت.
وقد نص الدستور في المادة 69 منه، على أنّه “عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة”، ما يعني ان الدستور لم يحظّر انعقاد مجلس النوّاب في جلسات تشريعيّة في ظل حكومة تصريف الأعمال، بل أن انعقاده حكمي ومن دون أن تحدد طبيعة المهمة، أو بالتعبير الدستوري جدول أعمال هذا العقد الاستثنائي.
ولا يجوز تضييق صلاحيات مجلس النواب الذي هو سلطة سيادية وأصيلة ومطلقة. ولو أراد الدستور منع المجلس من عقد جلسات تشريعية في حالة استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، لكان قد قال ذلك بشكل صريح وجازم، كما نصّ في المادة 75 من الدستور “… على أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس جمهورية يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية …”.
إدمون رباط: “إذا كانت السلطة التنفيذية في حالة من الشلل والانقسام، لا يجوز أن تؤلف عائقًا أو عذرًا كي تسير السلطة التشريعية على منوالها”
وبما أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية يطبّق مبدأ فصل السلطات، والمجلس النيابي هو سلطة قائمة بحد ذاتها، والمادة 16 من الدستور تنص على أن “السلطة المشترعة تتولاها هيئة واحدة هي مجلس النواب”، فهذا يعني أن مجلس النواب كسلطة قائمة يحق له التشريع.
وبحسب المادة 67 من الدستور “للوزراء أن يحضروا إلى المجلس أنى شاؤوا وأن يسمعوا عندما يطلبون الكلام ولهم أن يستعينوا بمن يرون من عمال إدارتهم”، تعني أن حضور الوزراء الهيئات العامة لمجلس النواب ليس ضرورياً لعقد الهيئة التشريعية، ويستطيع المجلس النيابي التشريع بوجودهم أو بغيابهم.
وقد أصدر المجلس الدستوري القرار رقم 1/2005 بتاريخ 6 آب/أغسطس 2005 ليحكم بأن مبدأ استمرارية السلطات الدستورية منعاً لحدوث أي فراغ فيها، مبدأ ذو قيمة دستورية، ومن الحالات التي عددها المجلس، فرض دورة انعقاد استثنائية حكماً على مجلس النواب عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.
نشير إلى أن الرئيس حسين الحسيني، عندما كان رئيساً للمجلس النيابي، كان قد طلب رأي الفقيه الدستوري الدكتور إدمون رباط بتاريخ 3 أيار/مايو 1988، فيما إذا كان يتوقَّف التشريع في ظلِّ حكومة مستقيلة، فكان جواب الدكتور رباط بأنّه “إذا كانت السلطة التنفيذية في حالة من الشلل والانقسام، لا يجوز أن تؤلف عائقًا أو عذرًا كي تسير السلطة التشريعية على منوالها”. وبالتالي، يبقى المجلس سيد نفسه حتى في ظل حكومة تصريف أعمال، ويمكنه أن يجتمع بغض النظر عن وضعية الحكومة لأن نظام لبنان شبه برلماني لا يقوم فقط على العمل التنفيذي إنما على التشريع.
يُذكر أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي قدمت استقالتها في آذار/مارس 2013 وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال، لم يمنعها ذلك من أن تجري انتخابات فرعية في الكورة بعد وفاة النائب فريد حبيب. كما أجرت وزارة الداخلية في أثناء ولاية تلك الحكومة ثلاث انتخابات بلدية لبلديات كانت قد حُلت بقرار رسمي، وكانت الحكومة في حالة تصريف أعمال، لأن هذه القضايا تدخل في إطار انتظام عمل المؤسسات الدستورية.